نقيب المحامين يعلن الإجراءات التنظيمية للإضراب العام عن الحضور أمام دوائر محاكم الاستئناف.. الخميس المقبل    البابا تواضروس الثاني يزور البرلمان الصربي: "نحن نبني جسور المحبة بين الشعوب"    جدول امتحانات الصف الثاني الثانوي 2025 في محافظة البحيرة الترم الثاني 2025    ناجي الشهابي: تنفيذ حكم المحكمة الدستورية بشأن الإيجارات القديمة ضرورة دستورية    نائبة وزير الصحة تكشف موقف تطبيق الخطة العاجلة للسكان بأسوان    النائب العام يشارك في فعاليات قمة حوكمة التقنيات الناشئة بالإمارات    رئيس الجهاز: افتتاح أول دار عرض سينمائي بمدينة سوهاج الجديدة    إعلام حوثي: 3 شهداء و38 جريحًا في العدوان الإسرائيلي على اليمن    انتخاب فريدريش ميرتس مستشارًا جديدًا لألمانيا    السعودية.. مجلس الوزراء يجدد التأكيد لحشد الدعم الدولي لوقف العنف في غزة    نجم إنتر ميلان يتغنى بلامين يامال قبل مباراة الإياب    تاريخ برشلونة مع الأندية الإيطالية.. ذكريات متباينة قبل مواجهة إنتر ميلان    رئيس شباب النواب: استضافة مصر لبطولة العالم العسكرية للفروسية يعكس عظمة مكانتها    التعليم تكشف موعد امتحانات الثانوية العامة العام المقبل    أمين الفتوى: الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان أما الأحكام الثابتة فلا مساس بها    مسلسل لعبة الحبار يعود بالمواجهة الأخيرة للجمهور 27 يونيو المقبل    نجوم الفن وصناع السينما في افتتاح سمبوزيوم «المرأة والحياة» بأسوان    ظافر العابدين مفاجأة فيلم "السلم والثعبان" .. أحمد وملك"    بعد اغتصاب مراهق لكلب.. عالم أزهري يوضح حكم إتيان البهيمة    الكرملين: بوتين يبحث هاتفيا مع نتنياهو الأوضاع في الشرق الأوسط    ضبط مصنعات لحوم غير صالحة للاستهلاك الآدمى فى حملة بسوهاج    موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2025 في مصر والدول العربية    تأجيل محاكمة 7 متهمين في خلية "مدينة نصر" الإرهابية ل 16 يونيو    «ابتزاز» أون لاين.. العنف السيبراني يتصدر أجندة المؤتمر العاشر لمنظمة المرأة العربية    رئيس شركة فيزا يعرض مقترحًا لزيادة تدفق العملات الأجنبية لمصر -تفاصيل    منها إنشاء مراكز بيع outlet.. «مدبولي» يستعرض إجراءات تيسير دخول الماركات العالمية إلى الأسواق المصرية    رئيس "شباب النواب": استضافة مصر لبطولة الفروسية تعكس مكانة مصر كوجهة رياضية عالمية    قصور الثقافة تطلق العرض المسرحي "منين أجيب ناس" لفرقة الزيتيات بالسويس|صور    نجم برشلونة يضع محمد صلاح على عرش الكرة الذهبية    رسميًا.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية 2025    عالم أزهري: الإحرام لا يصح دون المرور بالمواقيت المكانية.. والحج دعوة للتجرد من الماديات    الشيخ خالد الجندي: عبادة الله بالشرع وليست بالعقل    رئيس هيئة الدواء يستقبل وفد الشركة القابضة للقاحات «فاكسيرا»    في يومه العالمي- 5 زيوت أساسية لتخفيف أعراض الربو    مشروبات صحية يُنصح بتناولها لمرضى السرطان    وزير الاستثمار يلتقى رئيسة البنك الأوروبى لتعزيز الاستثمارات الأوروبية فى مصر    أكاديمية الشرطة تستقبل وفداً من أعضاء هيئة التدريس بكلية الشرطة الرواندية (فيديو)    تأجيل محاكمة نقاش قتل زوجته فى العمرانية بسبب 120 جنيها لجلسة 2 يونيو    بعد رحيله عن الأهلي.. تقارير: عرض إماراتي يغازل مارسيل كولر    نائب وزير الصحة: تحسين الخصائص السكانية ركيزة أساسية في الخطة العاجلة لتحقيق التنمية الشاملة    المخرج جون وونج سون يزور مقر مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي بالقاهرة    ضبط محل يبيع أجهزة ريسيفر غير مصرح بتداولها في الشرقية    جامعة كفر الشيخ تنظّم ندوة للتوعية بخطورة التنمر وأثره على الفرد والمجتمع    الجيش الإسرائيلي يصدر إنذارا بإخلاء منطقة مطار صنعاء الدولي بشكل فوري    جزاءات رادعة للعاملين بمستشفى أبوكبير المركزي    ضربة موجعة لستارمر.. رفض طلب لندن الوصول لبيانات الجريمة والهجرة الأوروبية    نصيحة وزير الشؤون النيابية لابنته بشأن العمل التطوعي    مجلس مدينة الحسنة يواصل إزالة الآثار الناجمة عن السيول بوسط سيناء    السيسي يؤكد ضرورة التركيز على زيادة احتياطي النقد الأجنبي وخفض مديونية الموازنة    عقب التوتر مع باكستان.. حكومة الهند تأمر الولايات بتدريبات دفاع مدني    ادعوله بالرحمة.. وصول جثمان الفنان نعيم عيسى مسجد المنارة بالإسكندرية.. مباشر    وكيل الأزهر: على الشباب معرفة طبيعة العدو الصهيوني العدوانية والعنصرية والتوسعية والاستعمارية    "هذه أحكام كرة القدم".. لاعب الزمالك يوجه رسالة مؤثرة للجماهير    مدرب كريستال بالاس: هذا ما يجب علينا تقبله    وزير الثقافة يطلق مشروع "أهلا وسهلا بالطلبة" بتخفيض 50% للمسارح والمتاحف    «الداخلية»: ضبط شخص عرض سيارة غير قابلة للترخيص للبيع عبر «فيس بوك»    حالة الطقس اليوم الثلاثاء 6 مايو في مصر    للمرة الثالثة.. مليشيات الدعم السريع تقصف منشآت حيوية في بورتسودان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عبد الرحمن البر يكتب: وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد، فإن طريق الحق ليس مفروشًا بالرياحين والورود، وإنما هو مفروش بالأشواك؛ حتى لا يتحمل رسالةَ الحق فى الأرض إلا من صبر على البلايا والمحن، التى تُقوِّى عودَ صاحبها؛ ليصبح مأمونًا على حمل العقيدة والرسالة، وقد سَأَلَ رجلٌ الإمامَ الشَّافِعِى رحمه الله، فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الله أَيّمَا أفضل للرجل: أَن يُمَكَّن أَو يُبْتَلِى؟ فَقَالَ الشَّافِعِى: "لا يُمَكَّن حَتَّى يُبتَلى، فَإِن الله ابْتَلى نوحًا وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى ومحمدًا صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ، فَلَمَّا صَبَرُوا مكَّنهم". (الفوائد لابن القيم).
قال ابن القيم فى (زاد المعاد) معلقا: "فَلَا يَظُنُّ أَحَدٌ أَنَّهُ يَخْلُصُ مِنَ الْأَلَمِ الْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا يَتَفَاوَتُ أَهْلُ الْآلَامِ فِى الْعُقُولِ، فَأَعْقَلُهُمْ مَنْ بَاعَ أَلَمًا مُسْتَمِرًّا عَظِيمًا بِأَلَمٍ مُنْقَطِعٍ يَسِيرٍ، وَأَشْقَاهُمْ مَنْ بَاعَ الْأَلَمَ الْمُنْقَطِعَ الْيَسِيرَ بِالْأَلَمِ الْعَظِيمِ الْمُسْتَمِرِّ".
ولهذا جعل الله الطريق إلى الجنة محفوفًا بالمصاعب والمتاعب والآلام، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُجِبَتِ الجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ" (متفق عليه).
ولما كان الصراعُ بين الحق والباطل طويلاً ممتدًا يحتاج إلى صبر وعزيمة وإيمان، فقد بين الله تعالى للمؤمنين طبائع النفوس فى هذا الصراع، حتى لا يُقْعِدَهم اليأس عن المواصلة أو يدفعَهم إلى الوهن، فقال سبحانه ﴿وَلا تَهِنُوا فِى ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ (النساء: 104).
أَى: لا تَضْعُفُوا فِى نصرة الحق، إِنْ تَكُونُوا تَتَوَجَّعُونَ مِنَ المحن والشدائد، فَإِنَّهُمْ يَتَوَجَّعُونَ مثلكم، فحُصُولُ الْأَلَمِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَكُمْ، فإذا كان الألم الذى يصيب الانقلابيين لا يمنعهم من مواجهتكم والتعدى عليكم يا أهل الحق والشرعية؛ فلا ينبغى أن يكون تألُّمُكم مانعًا لكم من مواجهتهم والتصدى لعدوانهم، خصوصا وَأَنْتُمْ تَأْمُلُونَ مِنَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ فِى الْآخِرَةِ وَالنَّصْرِ فِى الدُّنْيَا مَا لَا يَرْجُونَ.
وبهذا التصوير يفترق طريقان ويبرز منهجان، ويصغر كل ألم، وتهون كل مشقة، ولا يبقى مجال للشعور بالتعب وبالكَلال، فالانقلابيون كذلك يألمون، ولكن شتان بين هؤلاء وهؤلاء، فأهل الحق والشرعية يرجون من الله ما لا يرجو الانقلابيون!
بعض مظاهر الألم فى الفريقين
- أما أهل الحق والشرعية السلميون: فيتألمون بسبب ما يتعرضون له من القتل والإبادة والتعذيب والاعتقال والظلم والتشويه ومصادرة الأرزاق والتضييق على المعايش والفصل من الوظائف ونحو ذلك، مما يتصور الانقلابيون أنه سيدفعهم للاستسلام والخضوع، خصوصًا مع استمساك دعاة الشرعية بالسلمية الكاملة فى التصدى لهذا العدوان الفاجر، والنصرُ عاقبة أمرهم إن شاء الله، وفى ذلك يقول الله تعالى ﴿وكأين من نَبِى قَاتل مَعَه ربيون كثير فَمَا وهنوا لما أَصَابَهُم فِى سَبِيل الله، وَمَا ضعفوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَالله يحب الصابرين، وَمَا كَانَ قَوْلهم إِلَّا أَن قَالُوا رَبنَا اغْفِر لنا ذنوبنا وإسرافنا فِى أمرنَا وَثَبت أقدامنا وَانْصُرْنَا على الْقَوْم الْكَافرين، فآتاهم الله ثَوَاب الدُّنْيَا وَحسن ثَوَاب الْآخِرَة. وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 146-148)، ثم إن كل تلك الآلام الحسية والنفسية يجعلها الله تكفيرا للسيئات، ففى الحديث عَنْ أَبِى سَعِيدٍ،وَأَبِى هُرَيْرَةَ عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ (أى وجع)، وَلَا نَصَبٍ (أى تعب)، وَلَا سَقَمٍ، وَلَا حَزَنٍ حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ، إِلَّا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ" (أخرجه مسلم)، فهو ألم تخففه حلاوة الأجر العظيم الذى وعد الله به.
- وأما فريق الانقلاب الدموى فيتألمون لأسباب عديدة منها:
- إحساسهم بفقدان الشرعية التى لا مناص لمن يريد الحكم منها، فهم كاللص الذى سرق ما لا حق له فيه، خصوصًا مع إصرار أصحاب الحق على استعادة حقهم، وقد كان الصمود المبهر للرئيس الشرعى لطمة شديدة الألم للانقلابيين، الذين يدركون يومًا بعد يوم أن انقلابهم فى طريقه للسقوط بإذن الله، وقد رأينا تخبطهم وارتباكهم ولهاثهم العجيب فى الإسراع بإنهاء أعمال لجنة الأشقياء الخمسين، أملاً فى تحقيق شرعية زائفة، فوقعوا فى أخطاء جمة جعلتهم أضحوكة لكل المتابعين.
- إصرار أصحاب الشرعية على السلمية، مما يكشف بربرية الانقلابيين، ويؤدى لتصدع صفوفهم وإفاقة المغيبين الذين خدعتهم شعارات الانقلابيين الزائفة، فينفضُّون من حولهم ويقفون فى صف الشرعية، ويومًا بعد يوم يزداد اصطفاف المخلصين ضد هذا الانقلاب الفاشى الفاشل بإذن الله.
- فشلهم الذريع والفاضح فى إدارة الأمور مما يؤدى لتفاقم الأزمات التى يعيشها المواطنون ويزيد من غضب الجماهير، كما يزيد من التفاف الشعب حول الشرعية، وانضمام قوى جديدة للشرعية ممن يكتشفون أن الانقلاب يسعى لعسكرة كل أجهزة الدولة، ويعيد كل من سبق فسادهم وإفسادهم للتحكم والاستبداد بمصير البلاد والعباد.
- النزاع والشقاق الذى يقع بين مكونات الانقلاب، ورغبة كل فريق أن يحصل على أكبر قدر من المميزات على حساب الوطن، ويزداد هذا الشقاق مع ظهور أمارات الفشل وإحساس كل منهم بأن الآخر سوف يبيعه عند الجد، وسيقفز من المركب الذاهبة إلى الغرق، لأنهم لا خَلاق لهم، والذى باع وطنه ونكث عهده وخان قسَمَه بالله لن يعزَّ عليه أن يبيع شريكه فى الخيانة.
- الخوف الذى يقض مضاجعهم من لحظة الحساب على بحور الدماء البريئة المعصومة التى ولغوا فيها بغير حق، سواء فى محاكم وطنية أو محاكم دولية، وهى لحظة آتية لا محالة إن شاء الله، لأن الشعب المصرى الكريم لا يمكن أن ينسى هؤلاء الآلاف الذين اغتالتهم رصاصات الغدر الانقلابية، وهم يواجهون الانقلاب بصدورهم العارية وحناجرهم التى تهتف بالسلمية. ولعل الرعب الهائل الذى يصيبهم من مجرد رفع إشارة رابعة هنا أو هناك دليل دامغ على عمق إحساسهم بالجريمة التى ارتكبوها، وعلى رغبتهم العارمة فى التغطية عليها بأى شكل، ومعاقبة كل من يذكرهم بها أو يحاول أن يخاطب ضمائرهم بشأنها ﴿يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا﴾ [الحج: 72].
- أما حسابهم بين يدى الله فشأن آخر أكبر وأخطر، فإذا كان جزاء من قتل مؤمنًا واحدًا عمدًا هو ما جاء فى قوله تعالى ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 93]؛ فما ظنكم بمن قتلوا آلاف المؤمنين؟ وفى الحديث عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَوْ أَنَّ الثَّقَلَيْنِ اجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وجُوهِهِمْ فِى النَّارِ، وَمَا مِنْ أَحَدٍ يَشْتَرِكُ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ فِى قَتْلِ مُؤْمِنٍ إِلَّا كُتِبَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْجَنَّةَ عَلَى الْقَاتِلِ وَالْآمِرِ" فكيف بمن اشتركوا فى قتل آلاف المؤمنين إذا لقوا ربهم بهذه الدماء من غير توبة؟!
بعض ما ترجونه أيها المتمسكون بالشرعية من الله ولا يرجوه الانقلابيون:
- أنكم ليست لكم أهداف شخصية ولا مادية، وترجون من الله ظهور الحق على الباطل، وتنتظرون تحقيق ما وَعَدَكُمُ اللَّه تَعَالَى من النصر فِى آيات كثيرة فى القرآن، كقوله ﴿إنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر: 51]، أما هم فلا يوجد لعملهم هدف مشروع، بل كل أهدافهم مادية وهى السيطرة على السلطة والثروة وإذلال الشعب بأى سبيل، ويصيبهم الهلع كلما أحسوا بالفشل فى ذلك.
- أَنَّكم مُوقنونَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَالْحَشْرِ وَالنَّشْرِ، وبِأَنَّ لَكُمْ فِى نصرة الحق ثَوَابًا عَظِيمًا، وإن فاتكم الفوز فى الدنيا فلن يفوتكم ما ضمن الله لكم فى الآخرة وهو الجنة إن أخلصتم ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾ (التوبة 52)، ولا شك أن حلاوة الأجر تخفف مرارة الصبر،أما هم فلا يعيرون اهتمامًا لذلك، فهم لا ينتظرون ثوابًا ولا ثمرة عائدة إليهم من إعانتهم على الباطل، ولا يرتقبون عند الله شيئًا فى الحياة ولا بعد الممات، لأن كل أغراضهم مادية بحتة.
- أنكم بإيمانكم بالله وحده تتوجهون إليه بجهادكم وتلجئون إليه فى طلب النصر والرحمة، وهو الذى بيده مفاتيح السموات والأرض، وبقدرته ومشيئته يتحقق النصر ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِى حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الْأَنْفَالِ: 64]، أما هم فليس عندهم ملجأ يستمدون منه النصر إلا قوتهم المادية وزعماء الشر الذين يركنون إليهم، وهم-مهما ملكوا من القوة والمال- بشر ضعاف مثلهم، ولا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا، فضلاً عن أنهم يقومون بابتزازهم ليتنازلوا عن كثير من كرامتهم الشخصية والوطنية مقابل مساعدتهم فى باطلهم.
لهذا فإن قُوَّةَ الرَّجَاءِ فى قلوبكم يا أصحاب الشرعية تُخَفِّفُ كُلَّ أَلَمٍ، بل هى كفيلة أن تُنْسِيكم إِيَّاهُ، وإنكم بهذا الأمل وبهذا الرجاء أقوى عزيمة وأشد بأسًا ممن فقدوا هذا الأمل ويئسوا من الآخرة، فاستولى عليهم الخوف من عدم تحقيق أغراضهم المادية وشهواتهم الدنيئة، ومن ثَمّ فهم يواجهونكم ويعتدون عليكم فقط تنفيذا للأوامر الظالمة أو للعصبية والعنصرية المقيتة، والنزعة الجامحة فى السيطرة وتحقيق المصالح المادية الزائلة.
وشتان بين من يبتغى وجه الله بعمله وبين من يتعلق بشهوات ساقطة وأغراض زائلة، وسترون عن قريب ثمرة نضالكم السلمى الرائع من النصر والتوفيق، ولذلك ختم الله الآية الكريمة بهذا الختام الموحى: ﴿وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا﴾ بحالكم ﴿حَكِيمًا﴾ فيما يأمركم به وينهاكم عنه، فلا يكلفكم شيئًا إلا ما فيه صلاحكم فى دينكم ودنياكم على مقتضى علمه وحكمته، وَقَدْ ثَبَتَ فِى عِلْمِهِ الْمُحِيطِ، وَاقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ الْبَالِغَةُ، وَمَضَتْ سُنَّتُهُ الثَّابِتَةُ، بِأَنْ يَكُونَ النَّصْرُ لِلْمُؤْمِنِينَ مَا دَامُوا بِهَدْيِهِ عَامِلِينَ، وَعَلَى سُنَنِهِ سَائِرِينَ، فَهَذِهِ الْآيَةُ وَعْدٌ من اللهِ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالنَّصْرِ.
لماذا جاء بهذه الآيات عقب الحديث عن الصلاة فى الحرب والسلم أو فى الخوف والأمن؟
أثناء الصراع تأتى لحظات تعلو فيها المشقة على الطاقة، ويربو الألم على الاحتمال، ويحتاج القلب البشرى إلى مدد فائض وإلى زاد متجدد،هنالك يأتى المدد من الصلاة والوقوف بين يدى الله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 153] ويأتى الزاد من ذلك الكنف الرحيم؛ لإيجاد حالة تعبئة نفسية كاملة تواجه كل عوامل الضعف البشري، كما تمنع حصول أى فتور أو يأس أو إحباط، وتملأ القلب بالثقة فى ضمان الله النصر للمجاهدين الصادقين.
فما أجدرنا أن نستمسك بشرعيتنا ونضالنا السلمى المبارك، وأن نهتم غاية الاهتمام بالصلوات المكتوبة فى الجماعة، وأن نحرص غاية الحرص على النوافل وبخاصة قيام الليل، نتذلل لله، ونلتمس رحمته ومعونته وتوفيقه، موقنين بوعد الله تعالى ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69].
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.