قالها أحمد مطر وكأنه يعيش فى مصر المنكوبة فى زمن الانقلاب متحدثًا بلسان المأسورين عن ظلم الطاغية وأذنابه من المفوضين: يلطمنى ويدعى أن فمى قام بلطم كفهِ يطعننى ويدعى أن دمى لوث حد سيفهِ فأخرج القانون من متحفهِ أطلب بعض عطفهِ لكنه يهرب نحو قاتلى وينحنى فى صفهِ يقول حبرى ودمى: لا تندهش من يملك القانون فى أوطاننا هو الذى يملك حق عزفهِ. لم يكن أكثر المصريين تشاؤمًا يظن أن مؤسسات العدالة المصرية قد بلغت هذا الحد من الفساد والتبعية لأجهزة البطش والقمع الأمنية، لقد ثبت أن الخطيئة الكبرى لثورة 25 يناير هى عدم استهداف القضاء بالتطهير الناجز، بينما طالب الجميع بتطهير الداخلية التى عادت بعد انقلاب العسكر أكثر دموية وبطشًا وإجرامًا، ولو صلح القضاء لصلحت الشرطة وصلحت سائر أجهزة الدولة. لقد كانت إقالة عبد المجيد محمود أحد أهم مطالب الثورة التى أنجزها الرئيس، وكان من الواضح أن النائب العام الذى يتم تعيينه مباشرة من رئيس الجمهورية يعد الأقرب لسياسة النظام الفاسد منه لروح القضاء العادل وهو ما تم ترجمته فى اتهامات باطلة وفى تجميد لقضايا فساد ضخمة وتغطية على الانتهاكات الأمنية وخطايا أمن الدولة من اعتقال وتعذيب وتصنت وغيرها، لكن على الجانب الآخر كانت الثقة الشعبية كبيرة بنزاهة وعدالة القضاء الجالس، وخاصة مع نضال رموز استقلال القضاء ومواجهتهم لتزوير انتخابات 2005 و2010 وإصرارهم على نيل استقلال القضاء كاملًا بمنأى عن إملاءات النظام المستبد، ولذا تظاهر الشرفاء دفاعًا عنهم واعتقل على إثرها الرئيس مرسى فى 2006. الواقع الأسود أن القضاء فى معظمه تحول إلى رمز للظلم وللبطش وللبهتان بعد الحكم بحبس 12 طالبا بجامعة الأزهر لمدة 17 عامًا فى تهمة هزلية هى اقتحام مشيخة الأزهر، وبعد فضيحة القاضى أحمد عبدالنبى الذى حكم على حرائر الإسكندرية اليافعات بالحبس 11 عامًا بتهمة التظاهر ضد الانقلاب ورفع شارات رابعة فى صدمة كبيرة لكل صاحب ضمير، الواقع المرير أن قضاتنا تحولوا من الحكم بالقانون إلى ضابطى إيقاع مبتذلين يعزفون على القانون، ومن يحدد النغمة هم العسكر والمخابرات، لكنها نغمات مقززة نشاز صاخبة تصمُ آذاننا وقضاة العسكر هؤلاء يثبتون أن بترهم هو الحل الأمثل لإعادة الثقة بالعدالة على أرض مصر. لقد بات فساد القضاء المصرى حقيقة ثابتة بتحول القضاة لجزء من ميليشيات الانقلاب التى توجه تهما ملفقة ظاهرة البطلان للشرفاء وآخرها اعتقال القاضى الجليل مستشار محمود الخضيرى (74 عامًا) فى قضية ملفقة بتهمة التعذيب فى أثناء ثورة 25 يناير وشاركه فى التهمة ( د. أسامة ياسين) و(د. محمد البلتاجى) والإعلامى الرائد (أحمد منصور)، ومع ملاحظة ما قام به الزند (المتهم فى قضايا استيلاء على 300 فدان بمطروح) على مدار العام من عروض مبتذلة يتهجم فيها على الرئيس المنتخب، ثم حصار أعضاء النيابة لمكتب النائب العام وتهجمهم عليه بأسلحتهم الشخصية وإجباره على كتابة استقالة، ثم ما يتم الآن من مسلسل انتقال أعضاء النيابة إلى السجون لتجديد خطف المعتقلين ظلمًا بالأمر المباشر من نائب العسكر الانقلابى، والقبض على كل القيادات المناهضة للانقلاب بتهمة صفيقة واحدة هى التحريض على القتل فى أحداث لم توجه فيها تهمة واحدة للقتلة أنفسهم!! ونرى على الجانب الآخر اشتراك بعض القضاة فى تزوير الانتخابات فى عصر مبارك ثم مهرجان البراءة لجميع رموز نظام مبارك ولجميع الضباط المجرمين قتلة شهداء 25 يناير، والإفراج عن البلطجية والبلاك بلوك فى الاتحادية وغيرها، وتوجيه نهمة القتل الخطأ للضابط السفاح الذى قتل 37 شريفًا بقنابل الغاز فى سيارة ترحيلات أبو زعبل، وكل تلك الوقائع الدامغة إنما تدل على أن القضاء صار ألعوبة فى يد العسكر والمخابرات والأمن يستخدمونه كيفما شاءوا لتبرئة المجرمين والفاسدين وللبطش بالأبرياء. لقد نجح عسكر وأمن مبارك فى اختراق القضاء عبر استمالة بعض القضاة عن طريق الانتداب للوزارات والإعارة للخارج كمكافآت لمن يخدم أهدافهم ثم التعيين كمحافظين للأكثر ولاءً للسلطة، وهو ما دفع القضاة بقيادة شيخ القضاة المرحوم يحيى الرفاعى للنضال فى سبيل استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية بداية بمؤتمر العدالة الأول 1986 وحتى اليوم عبر تيار استقلال القضاء. إلا أن الاختراق الحقيقى والمؤثر لتدجين القضاء تم عبر تحويل عدد كبير من ضباط أمن الدولة رعاة البطش والتعذيب إلى وكلاء للنيابة ثم إلى قضاة، بالتوازى مع جعل القضاء بالتوريث لا بالتفوق والكفاءة، فنرى العائلة الواحدة بها العديد من وكلاء النيابة والمستشارين، هذا فضلًا عن انتقاء أعضاء النيابة الآخرين على عين أمن الدولة ليكونوا أدوات طيعة فى أيديهم، وهذا الاختراق نرى أثره الآن فى حزب الزند القضائى وفى أفراد كقاضى حرائر الإسكندرية الذى أثبتت الصور خروجه فى مسيرات حركة تمرد ضد الرئيس المنتخب ضاربًا عرض الحائط بحيدة ونزاهة القاضى!!! فلماذا نتعجب من الحكم الجائر الذى أصدره إذن؟!!! إن الإفساد الممنهج للقضاء يعد أخطر النكبات التى حلت بالمصريين على يدى العسكر طوال 60 عامًا ويبدو أننا نجنى حصاد الجنون العسكرى الانقلابى فى شكل أحكام قضائية موغلة فى الظلم والطغيان يعزف فيها قضاتهم على القانون أملًا فى أن نعزف نحن عن القانون وأن نسعى للقصاص من القتلة والطغاة بأيدينا ونتخلى عن سلمية الحراك الثورى ضد الانقلاب كى يشرعنوا جرائم الحرب الاستئصالية منذ مذبحة الحرس الجمهورى حتى اليوم. إن كسر الانقلاب معركة المصير الحتمية التى لا مناص من خوضها بعد أن أضحت بلادنا تحت احتلال الفساد والظلم والاستبداد الذى دمر ميزان العدل وأضحى المصريون بلا نصير كالأيتام على موائد اللئام وصدق الشاعر فى وصف حالنا حين قال: أوْهَمْتُكمْ بأنَّ بعضَ الأنظِمةْ غربيّةٌ.. لكنّها مُترجَمهْ وأنّها لأَتفَهِ الأسبابْ تأتى على دَبّابَةٍ مُطَهّمَةْ فَتنْشرُ الخَراب وتجعَلُ الأنامَ كالدّوابْ وتضرِبُ الحِصارَ حولَ الكَلِمةْ قُلتُ لكُمْ: إنَّ الشّعوبَ المُسلِمةْ رغمَ غِناها.. مُعْدمَهْ وإنّها بصوتِها مُكمّمَهْ وإنَّ مَنْ يسرِقُها يملِكُ مبنى المَحكَمةْ ويملِكُ القُضاةَ والحُجّابْ