فرنسا وتونس والمغرب والجزائر تطبق نظام الرقابة السابقة على دستورية القوانين السلطات المنتخبة تختار أعضاء المجلس.. والقضاة خارج النزاع السياسى د. الميرغنى: غير مناسب حاليا وتكرس للانقسام السياسى.. ومطلوب إعادة تشكيل "الدستورية" د. محسوب: اللحظة الراهنة لا تعبر عن تاريخ المحكمة الدستورية.. وتحصين قوانين الانتخابات هو الحل كريم محيى الدين مع دخول صياغة الدستور مراحلها الحاسمة وتسرب أخبار عن إمكانية الاستفتاء عليه بعد عيد الفطر المبارك، طفت على السطح عدد من الأفكار الخاصة بنظام الحكم الجديد، سواء فيما يتعلق بتوزيع السلطات بين البرلمان والرئيس -فى إطار توافق شبه كامل على تطبيق النظام المختلط-، أو العلاقة بين هذه السلطات وبعضها البعض. فى هذا السياق، طاف أعضاء لجنة المقترحات والتواصل الجماهيرى طول البلاد وعرضها لجمع الأفكار الخاصة بالدستور من المحافظات، واقترح البعض أن تكون الرقابة على دستورية القوانين من خلال مجلس دستورى منتخب من طرفى السلطة (الرئيس والبرلمان بغرفتيه)، حيث يتم تحييد القضاء عن القضايا والنزاعات ذات الطابع السياسى، خاصة مع سلوك المحكمة الدستورية مؤخرا، الذى بدا واضحا أنه أصبح أقرب إلى ممارسة سياسية فى ثوب قضائى. أصحاب الفكرة يرون أن انتخاب أعضاء المجلس الدستورى كفيل بضمان عدم تسييس الحكم بدستورية القوانين من عدمها واستخدام ذلك كوسيلة ابتزاز ضد السلطات المدنية المنتخبة من الشعب، بالإضافة إلى كون ذلك يمثل أحد الأساليب التى يمكن من خلالها تنزيه القضاء عن النزاعات السياسية، حيث يتم الحكم فى أى إشكال سياسى من خلال آلية حسم سياسية منتخبة وليس عبر تسييس القضاء، وهو ما يمثل أحد مطالب استقلال ونزاهة السلطة القضائية منذ فترة طويلة. فكرة فرنسية فكرة المجلس الدستورى مستوحاة من النظام الفرنسى، ويراها البعض ملائمة للحالة المصرية الراهنة، التى تتجه نحو إقرار نظام حكم أقرب إلى النموذج الفرنسى، ويتكون من تسعة أعضاء، وإلى جانبهم أعضاء آخرون بقوة القانون؛ وهم رؤساء الجمهورية السابقون، ويعين رئيس الجمهورية رئيس المجلس من بين هؤلاء الأعضاء. هؤلاء الأعضاء التسعة يوزعون نسبيا بالتساوى بين رئيس الجمهورية، ورئيس المجلس القومى أو النيابى، ومجلس الشيوخ، بمعنى أن كل واحد من هؤلاء يقوم بتعيين ثلاثة، وفى هذا الشأن تجب الإشارة إلى أن التعيينات التى يقوم بها رئيس الجمهورية لا تخضع لضرورة توقيعها من أى جهة كانت، وهذا الأمر يشمل تعيينات أعضاء المجلس الدستورى، كذلك الحال بالنسبة لتعيينات الأعضاء من قبل رئيس المجلس النيابى أو من قبل رئيس مجلس الشيوخ، التى لا تخضع لضرورة الموافقة أو توقيعها من أى جهة أخرى. تجارب عربية واقتبس عدد من الدول العربية فكرة المجلس الدستورى من النظام الفرنسى، ومنها المغرب وتونس والجزائر ولبنان، حيث يتألف المجلس الدستورى المغربى من ستة أعضاء يعينهم الملك لمدة تسع سنوات، وستة أعضاء يعين ثلاثة منهم رئيس مجلس النواب وثلاثة رئيس مجلس المستشارين لنفس المدة بعد استشارة الهيئات البرلمانية، ويتم كل ثلاث سنوات تجديد ثلث كل فئة من أعضاء المجلس الدستورى. ويمثل المجلس الدستورى فى لبنان هيئة دستورية مستقلة ذات صفة قضائية، مهمتها مراقبة دستورية القوانين وسائر النصوص التى لها قوة القانون، والبت فى النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية. ويتألف المجلس من عشرة أعضاء، يعين مجلس النواب نصفهم، ويعين مجلس الوزراء النصف الآخر، ويتم اختيار أعضاء المجلس من بين القضاة السابقين الذين مارسوا القضاء العدلى أو الإدارى أو المالى مدة عشرين سنة على الأقل أو من بين الأساتذة الأصيلين السابقين أو الحاليين فى التعليم العالى الذين مارسوا تعليم مادة من مواد القانون عشرين سنة، أو من بين المحامين الذين مارسوا مهنة المحاماة عشرين سنة على الأقل. "الحرية والعدالة" استطلعت آراء عدد من الخبراء حول إمكانية تطبيق الفكرة فى الدستور المصرى الجديد.. غير مناسبة د. محمد الميرغنى -أستاذ القانون الدستورى بجامعة عين شمس- يرى أن طرح فكرة المجلس الدستورى فى اللحظة الراهنة غير مناسب، ولا يعد من أولويات الوطن، خاصة فى ظل ما تشهده البلاد من محاولات "متعمدة" لإثارة الانقسامات السياسية وإفشال الجهود الرامية لإنجاح خطة المائة اليوم الأولى ببرنامج رئيس الجمهورية. وأضاف: إن مثل هذا الطرح سيؤدى إلى مزيد من الانقسام السياسى فى وقت تحتاج البلاد فيه إلى التوحد، مشيرا إلى أن شكل الرقابة على دستورية القوانين ليس هو العامل الأساس، بل طريقة هذه الرقابة واختيار القائمين عليها هو الأهم، ومن الممكن أن يتم ذلك فى ظل الأوضاع الحالية المتمثلة فى وجود محكمة دستورية. وأشار إلى أن الدستور الجديد يمكن أن ينص على أن تكون الرقابة على دستورية القوانين سابقة وليس لاحقة، بالإضافة إلى إمكانية إعادة تشكيل المحكمة الدستورية فى المستقبل، بما يعنى انتفاء مخاوف البعض من استمرار الأوضاع الحالية للمحكمة الدستورية العليا. وناشد الميرغنى الإعلاميين والساسة بأن يتم ترتيب أولويات الوطن بشكل صحيح، وألا يساهموا فى أية إثارة من شأنها إشعال الاستقطاب والانقسام السياسى فى البلاد.تجنِّب التسييس د. محمد محسوب -عميد كلية الحقوق بجامعة المنوفية، وعضو الجمعية التأسيسية للدستور- يرى أن ترسيخ فكرة الرقابة السابقة على القوانين الأساسية، خاصة تلك المتعلقة بالانتخابات وإجرائها، فى منتهى الأهمية لتجنب تكرار تسييس المحكمة الدستورية العليا كما حدث فى الفترة السابقة. لكن محسوب شدد على أن اللحظة الراهنة لا تعبر عن تاريخ المحكمة الدستورية الملىء بأحكام مشرفة دافعت عن الحقوق والحريات، بما يعنى أن جل تفكير القائمين على وضع الدستور ينبغى ألا يؤسس لنظام الحكم على أساس "رد الفعل" تجاه لحظة وقتية من عمر الوطن. ويرى عميد حقوق المنوفية "دسترة" الرقابة السابقة "فقط" للمحكمة الدستورية فيما يخص قوانين الانتخابات، وإعادة تشكيل المحكمة الدستورية فيما بعد عن طريق قانون جديد. وعن فكرة المجلس الدستورى، قال إنها غير مناسبة للواقع المصرى، حيث ترسخت قيمة المحكمة الدستورية، ومن ثم من غير المناسب البحث عن نظام آخر للرقابة على دستورية القوانين. وأضاف: "بعض القضاة وبعض الدوائر لها توجهات سياسية، ولكن هذا لا يعنى أن ينسحب المشهد الراهن على مجمل نظام الحكم وسلطة المحكمة الدستورية"، مشيرا إلى أن نجاح فكرة المجلس الدستورى فى فرنسا وبعض الدول المتقدمة لا يعنى أن نظام الرقابة اللاحقة على القوانين من قبل المحكمة الدستورية غير صحيح فى مجمله، حيث تتبنى بعض الدول المتقدمة الأخرى -مثل ألمانيا- نظام المحكمة الدستورية بنجاح كامل.