بينما يمضى سفاح الانقلاب وأذنابه فى القضاء لمحاكمة هزلية للرئيس الشرعى للبلاد، وفيما يتلمس الأحرار ضوءًا خافتًا فى نهاية نفق الانقلاب المظلم الذى حُشرت مصر فيه قسرًا، ما زال بعض المفكرين الوطنيين ينبئوننا بأن الحل السحرى لحقن الدماء وحل الأزمة المصرية يقع على عاتق التحالف الوطنى، عبر إيقاف كافة المظاهرات والاحتجاجات السلمية ضد الانقلاب الدموى وأن يتجرع أنصار الشرعية السم إنقاذًا للوطن من التردى من باب إبراء الذمة أمام التاريخ. ويواصل الكاتب الكبير مطالبة الاسلاميين بالتوقف عن النضال ومراجعة أخطاء تجربة الرئيس مرسى فى الحكم قبل العودة للعمل السياسى، متغافلاً عن حقائق جوهرية تناقض دعوته لقبول الأمر الواقع تحت تهديد السلاح، ومنها: - أن الحراك الشعبى ضد الانقلاب قد تجاوز الإسلاميين وأن قطاعًا واسعًا من الشعب المصرى قد أفاق على حقيقة الثورة المضادة التى قادها الانقلابيون بعدما عاين القمع والبطش والمجازر الدموية، لذا فإن تراجع الإسلاميين عن التصعيد ضد الانقلاب لن يجدى نفعًا فى إيقاف الحراك الثورى الشعبى المتزايد فى كافة طبقات المجتمع، وهو ما يقض مضاجع قادة الانقلاب وذيولهم الأمنية. - لقد ثبت لكل ذى عينين بعد حديث منى مكرم عبيد عن ترتيبات صباح 30 يونيو مع العسكر للانقلاب قبل نزول فرد واحد للتظاهر، وبعد افتضاح "تمرد" المخابراتية التى مولها رجال أعمال مبارك (ساويرس، حسين سالم) باعتراف العديد من المنشقين عنها، ثبت للجميع أن انقلاب 3 يوليو كان عرضًا مسرحيًا هزليًا صنعه السيسى على عينه باستخدام مخابراته وصبيانهم فى "تمرد" و"جبهة الإنقاذ" الكرتونية، وبحشد من إعلام الفلول صنيعة أمن الدولة، والحقيقة أن سيناريو الانقلاب بدأ بحل مجلس الشعب بحكم سياسى عسكرى جائر فى يونيو 2012 قبل أن يكمل شهره السادس. - اتضح من التسريبات المتوالية أن النية كانت مبيتة لإقصاء أى رئيس ينحو نحو الاستقلالية بعيدًا عن هيمنة العسكر الموالين لأمريكا والمنبطحين للصهاينة، والأغرب هو تسريب السيسى الذى وصف فيه المرشح السابق د. عبد المنعم أبو الفتوح بالإخوانى المتطرف الذى يجب منعه من التأثير السياسى، وهذا يوضح النية المبيتة فى القضاء على أى اتجاه إسلامى مهما كان ضعيفًا أو خانعًا، مع ملاحظة هامة أن المرشح السابق قد شارك وانخرط مع حزبه فى مظاهرات 30 يونيو، كما أنه لم يبدِ اعتراضًا على انقلاب العسكر فى البدايات، ورغم هذا يظل إخوانيًا متطرفًا يسهل تدميره على حد وصف صحفى العسكر ياسر رزق!! والخلاصة أن السيسى يصر على القضاء على الجميع حتى من ساندوه فى انقلابه طمعًا فى سلطة سفَكَ دماء الآلاف فى سبيلها، فالأمر لا علاقة به بحكم الإخوان وإنما بنية العسكر منذ اللحظة الأولى للقضاء على 25 يناير وعودة الدولة العسكرية الاستبدادية عبر دستور يُصنع سرًا على عين العسكر وحلفائهم العلمانيين يحصن منصب وزير الدفاع من العزل لمدة 12 عامًا فى سابقة تجعل من مصر أضحوكة الأمم، ليصبح أى رئيس قادم أداة طيعة لتلبية إملاءات العسكر والمخابرات. - لقد تم انقلاب عسكر كامب ديفيد بتنسيق كامل مع الصهاينة وبضوء أخضر من واشنطن، وقد أقر السيسى للواشنطن بوست بأنه كان على اتصال يومى بوزير الدفاع الأمريكى طوال الشهور الماضية، ثم اعترفت حكومة الانقلاب (بعد فضح أمرها إعلاميًا) بتعاقدهم مع شركة (جلوفر بارك جروب) والتى يديرها قائد متقاعد فى الجيش الصهيونى، والمرتبطة ب«آيباك» لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية، التى وصفتها جريدة «نيويورك تايمز» بأنها أقوى أذرع اللوبى الصهيونى الأكثر تأثيرا فى العلاقات الأمريكية بإسرائيل، والأكثر خبرة فى تمثيل الحكومات الأجنبية الحليفة لتل أبيب. ثم لقاء السيسى مع وفد يمينى موالٍ للصهاينة من الكونجرس: لوى جوهمرت، وستيف كينج، وثالثتهم ميشيل باكمان (الشهيرة بعنصريتها ضد المسلمين)، ومطالبتهم لحكومتهم بدعم الانقلابيين للقضاء على الإخوان المسلمين وحلفائهم. ثم ظهر الأمر للعميان فى جلسة الاستماع التى عقدها الكونجرس حول مستقبل مصر فى 29 أكتوبر، حيث أكدت مساعدة وزير الخارجية (إليزابيث جونز) أن عزل مرسى كان ضرورة، وأنه تم بالتشاور والتنسيق مع إسرائيل ودول أخرى قبل 3 يوليو!! ثم توالت كلمات أعضاء الكونجرس التى أكدت أن العسكر هم الحليف الأهم لأمريكا وإسرائيل ولابد من دعمهم ضد الإسلاميين ولتذهب الديموقراطية والحريات إلى الجحيم، بل توالت شهادات أعضاء الكونجرس عن افتراءات شريك الانقلاب البابا تواضروس حول اختطاف 500 فتاة مسيحية وإجبارها على الإسلام، وأن الرئيس الأسير هو من خطط لخطف الفتيات ولحرق الكنائس!! أى سم يطالبنا الكاتب الكبير بتجرعه إذًا؟ وفى سبيل من؟ فى سبيل نجاة الوطن؟ أم فى سبيل ترسيخ انقلاب نسف الديموقراطية وألغى الحريات ودنس القضاء، أم فى سبيل إجهاض الربيع العربى ونجاح الحلف الصهيوأمريكى فى تثبيت أقدام رجاله فى مصر لتترسخ التبعية المذلة للغرب؟ أم فى سبيل رهن مقدرات البلاد فى يد قائد عسكرى صنعته أمريكا على عينها واعتمده الصهاينة وكيلاً لهم ليغدو الحاكم بأمره فى مصير البلاد والعباد مرتكبًا مجازر غير مسبوقة فى تاريخنا ضد المتظاهرين السلميين من قتل وحرق، ثم سجن الأبرياء والبطش بهم وحتى الأطفال والفتيات أضحوا رهن الاعتقال بتهمة حمل إشارة رابعة فى عصر الانقلاب الفاشى!! إن تجرع السم لن يحيى مصر، بل سيميت كل أمل فى نهضتها وسيسلِّم مقدراتها رهنًا فى أيدى أعدائها لعدة عقود مقبلة، لذا فإن نداء الوطن يوجب على الجميع بذل الغالى والنفيس فى سبيل دحر هذا الانقلاب واستعادة مكتسبات ثورة 25 يناير، وأهمها كرامة وحرية المواطن وحقه فى انتخاب حكامه ووضع دستوره المدنى دون وصاية عسكرية فاشية، وحينها فقط نحيا ويحيا الوطن، ولله در الشاعر حين وصف حالنا متسائلاً: نموت كى يحيا الوطن؟ يحيا لمن؟ نحن الوطن! إن لم يكن بنا كريمًا آمنًا ولم يكن محترمًا ولم يكن حُرًّا فلا عشنا.. ولا عاش الوطن!