يضطلع أبناء المنقلب عبد الفتاح السيسي بتأثير كبير في إدارة والدهم في حكم مصر، على الرغم من أنهم لم يظهروا بشكل علني، ولا يعرف المصريون أشكالهم بدقة إلا من خلال بعض الصور والفيديوهات التي التقطت لهم في مناسبات رسمية. فلم تنته قصة تسليم الإرهابي الخطير “هشام عشماوي” إلى مصر في جوف اللليل وبمطار القاهرة على مرأى ومسمع من العالم، إلا أن تطورات الوضع كانت في خبايا “عملية التسليم” إذ تحول نجل السيسي “محمود” إلى بطل استطاع الحصول على “عشماوي” حيًا وإيداعه في أحد السجون العسكرية بمصر. اللافت للنظر أن هناك مبررات من “تلميع” مبالغ فيه للقاء مدير المخابرات العامة اللواء عباس كامل مع حفتر، الموصوف في مصر ب”قائد الجيش الوطني الليبي”، مع العلم أنها المرة الأولى التي يوصف فيها عباس كامل رسميًا بأنه “وزير”، وهو الرجل القوي المصاحب للسيسي كمدير لمكتبه ثم كبير لدائرته الحاكمة منذ 2013 وحتى الآن. تلميع أما فى خبايا الأمر، فهناك ترويج مستتر لإظهار تأثير ضابط المخابرات محمود عبدالفتاح السيسي، نجل المنقلب الذى وصف بأنه “سوبر هيرو” أو “سوبر محمود” والذي يشغل عضوية المكتب الفني لمدير المخابرات العامة منذ 2013، ولكنه في الأشهر الستة الأخيرة أصبح رئيسًا لمجموعة تنسيقية محدودة بين رئاسة الجمهورية، والمخابرات، والرقابة الإدارية، تعمل على تنفيذ العديد من الخطط والأهداف بإشراف مباشر من السيسي، وبصورة تتجاوز صلاحيات عباس كامل شخصيًا”. ويعمل الابن الأكبر “محمود” في جهاز المخابرات العامة، وتمت ترقيته من رتبة “المقدم” إلى “العقيد” ف”العميد” خلال السنوات الست الأخيرة، وجاءت الترقية لتسمح له بتولي منصب نائب مدير الجهاز الذي يرأسه اللواء عباس كامل صاحب العلاقة القوية بالسيسي. أما “مصطفى” فهو الابن الثاني، ويعمل برتبة “مقدم” بهيئة الرقابة الإدارية، وانضم إليها بعد أن كان ضابطًا بالقوات المسلحة، ويسيطر الابن على هيئة الرقابة الإدارية تمامًا، خاصة بعد إزاحة رئيس الهيئة السابق محمد عرفان، رغم الثقة التي كان يحظى بها لدى السيسي الأب. ويأتي “حسن” في المرتبة الثالثة بين أبناء عبد الفتاح السيسي، ويعمل مهندسًا بإحدى شركات النفط، وتتردد أنباء، يصعب التأكد من صحتها، بأنه التحق بالعمل بجهاز المخابرات منذ عام 2014، معاونًا لشقيقه الأكبر، وهو متزوج من داليا حجازي، ابنة اللواء محمود حجازي، رئيس أركان القوات المسلحة الذي أقاله “السيسي” في أكتوبر 2017. أما الابنة الوحيدة للسيسي فهي “آية” خريجة الأكاديمية البحرية، وهي متزوجة من نجل محافظ جنوبسيناء اللواء خالد فودة. وزاد تأثير أبناء السيسي خلال الفترة الأخيرة، عقب إقرار التعديلات الدستورية، التي تتيح لوالدهم المنقلب البقاء في السلطة حتى عام 2030، وهي نفس التعديلات التي وضعت هؤلاء الأبناء في دائرة الضوء بسبب الدور الذي نسبته إليهم تقارير محلية ودولية، تشير إلى إسهام بعضهم في طرح وإقرار تعديلات كان مجرد الحديث عنها قبل شهور مرفوضًا بشكل قاطع. المصادر تؤكد أن “علاقة العمل الثلاثية بين السيسي الأب والسيسي الابن (محمود) وعباس كامل تشهد تطورًا كبيرًا، فللمرة الأولى يصبح هناك طرف ثالث يشارك بصورة مؤثرة في إدارة الأجهزة السيادية مع الرئيس ومدير مكتبه. وعلى ما يبدو يتمتع السيسي الابن بطموحات كبيرة ومساحة من الصلاحيات تتجاوز حد أن يكون وكيلاً لبعض الأعمال أو عينًا لوالده في المخابرات، كما كان في عهد مدير الجهاز السابق خالد فوزي الذي أطاح السيسي به قبل انتخابات الرئاسة الماضية”. لا أحب الواسطة! كان الظهور الأول لعائلة السيسي خلال تدشينه حملته الدعائية لتولي الرئاسة في 2014، عبر لقاء تليفزيوني مع اثنين من أبرز الوجوه الإعلامية آنذاك (إبراهيم عيسى ولميس الحديدي)، وخلال اللقاء ظهر ارتباط السيسي بأبنائه واعتزازه بهم، قبل أن يثير حديثه سخطًا وسخرية بين المصريين حين شدد “الأب” على أنه لا يحب “الواسطة” ولم يستخدمها في دعم أبنائه، رغم المناصب التي استعرضها بعد ذلك بدقيقة واحدة! ملفات “محمود” ولم يكن هذا وحده من يمتلكه نجل ديكتاتور مصر، بل أسند إليه العديد من القضايا فى دولة العسكر، إذ إنه أحد المنوط بهم بشكل شخصي، توحيد إدارة وسائل الإعلام التي استحوذ عليها جهاز المخابرات تحت ستار شركة “إعلام المصريين” التي يديرها ظاهريًا المنتج الفني تامر مرسي. فضلاً عن ملف الترويج لإنجازات الجهاز والنظام ككل، وهو ما كشفت عن مقطاع الفيديو البث المباشر لغالبية فضائيات الانقلاب عند تسلم” هشام عشماوي” في جوف الليل بمطار القاهرة لإظهار دور “محمود” فيه. وهو بلا شك وسيلة مخفية لمحاولة إيهام الرأي العام بتحقيق إنجاز استثنائي من ناحية، وتوجيه رسائل للشخصيات والدوائر المرتابة منه داخل المخابرات والأجهزة الأمنية الأخرى من جهة أخرى، مفادها أنه يحظى بضوء أخضر لإدارة المشهد كما يشاء، فضلاً عن توجيه رسالة ولاء إيجابية تجاه عباس كامل نفسه للتأكيد على ودية العلاقة بينهما حتى الآن”. دور متصاعد لم يعد خافيًا الدور الذي قام به “محمود “عبد الفتاح السيسي في التخطيط للتعديلات الدستورية، التي تم دفعها على عجل للاستفتاء وإعلان فوزه المنقلب بتجديد الرئاسة، بعدما أشارت تقارير محلية ودولية إلى أنه هو العقل المدبر للوصول إلى تلك الصيغة من التعديلات، التي لم يكن يتصور أحد من المصريين أن يتم طرحها. في حين نشرت صحيفة “التايمز” البريطانية تقريرًا لمراسلها في منطقة الشرق الأوسط ريتشارد سبنسر، تحت عنوان “السيسي يجند أولاده لمساعدته على البقاء في السلطة حتى 2030″، يكشف فيه عن أن “أبناء عبد الفتاح السيسي يشاركون بقوة في إدارته للبلاد، خلال الفترة التي يسعى فيها إلى تمرير تعديلات دستورية تشدد قبضته على السلطة حتى عام 2030”. دوره المستقبلي اللافت للنظر أن كواليس استحضار ذهنية” نجل السيسي” في كل مناسبة ترجح أن يكون لمحمود السيسي دور” تنفيذي “أكبر في المستقبل في الرئاسة والمخابرات، قياسًا بحجم وأهمية الملفات التي يديرها، فإلى جانب الإعلام والترويج الدعائي الذي يستعين فيه بعدد من الإعلاميين الموثوقين لديه بغض النظر عن وجهة نظر أجهزة الأمن الأخرى فيهم، يشرف محمود السيسي على ملف استثمارات الجهاز التي تقول المصادر إنها ستشهد تنوعاً في الفترة المقبلة في مجالات مختلفة بما فيها الاستثمار العقاري والمنشآت السياحية والإنتاج الزراعي. إحكام السيطرة كان مركز أبحاث إسرائيلي مرتبط بدوائر صنع القرار في تل أبيب، قد ذكر في يناير 2017، أن السيسي يعمل على إحكام سيطرته على الأجهزة الاستخبارية المصرية من خلال تعيين أقاربه ومؤيديه في مواقع عليا. وأشار “مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة”، إلى أن السيسي عيّن نجله الأكبر محمود بمنصب كبير في جهاز سيادي، كمسؤول عن “الأمن الداخلي” في المخابرات العامة، حيث بات يوصف بأنه “الرجل القوي” في الجهاز الذي يشارك في الاجتماعات الرسمية التي يعقدها والده، بين أوثق مقربي السيسي، الذين يسيطرون على المخابرات العامة، بعد تنفيذ عمليات “تطهير واسعة” بالجهاز. وتبدو إمبراطورية أبناء السيسي، عبر جناحين؛ أولهما (جهاز الرقابة الإدارية) التي يلمع فيه إعلاميا نجم المقدم مصطفى، نجل السيسي الأكبر وخريج الأكاديمية العسكرية، عبر ضرباته الأمنية لبؤر الفساد في الجهاز الحكومي، لتصبح الرقابة الإدارية الجهاز الرقابي الأول في البلاد متخطية باقي الأجهزة الرقابية. وبدا الجناح الثاني لإمبراطورية أبناء السيسي أشد قوة وسطوة، من خلال نجله محمود الرائد بجهاز المخابرات العامة، الذي ورث السيسي بالعمل المخابراتي؛ حيث كان يعمل بالمخابرات الحربية، وانتقل للعمل بالمخابرات العامة في عهد مدير الجهاز الأسبق محمد فريد التهامي، الذي عينه السيسي إثر الانقلاب العسكري في 2013. وأوكل للسيسي الابن مهمة قطاع الأمن الداخلي، وتمكن من توجيه ضربات متتالية لمعارضي والده داخل الجهاز؛ حيث أقال السيسي نحو 17 قيادة بالمخابرات العامة إثر أزمة التنازل عن جزيرتي “تيران وصنافير” للسعودية، إلى جانب التخلص من رئيس الجهاز السابق خالد فوزي، ليصبح نجل السيسي الرجل الأهم بأقوى قسم في المخابرات المصرية.