“إحنا أحسن من سوريا والعراق” و”الجيش حمى الثورة”.. عبارات عرفها الشارع المصري مع السفيه عبد الفتاح السيسي، ولأن مخرج الثورة المضادة واحد يجلس في أبو ظبي وأحيانا في الرياض بالتناوب، فإن المحتجين السودانيين والناشطين أيضا على التواصل الاجتماعي عبروا عن مخاوفهم من أن يمضي السودان في نفس الطريق الذي سارت فيه مصر، بعد الانتفاضة التي أطاحت بحسني مبارك في 2011، وكان من بين هتافاتهم «النصر أو مصر». وكانت خشية السودانيين مع تصريحات نائب رئيس المجلس العسكري في السودان محمد حمدان دقلو “حميدتي”، خلال كلمة له أمام قيادات قبلية وعشائرية بالخرطوم، حيث اعتبر أنه لولا الجيش لبقي البشير في السلطة حتى الآن قائلا: “الجيش وقوات الدعم السريع التابعة له جزء من الثورة، ولولاهما لكان الرئيس المعزول عمر البشير موجودا في السلطة”. أما تصريحه الثاني الأكثر وضوحًا لتشابهه مع تصريحات السيسي وأذرعه الإعلامية، فهو قوله: “هناك دول تسعى إلى أن نصبح مثل سوريا وليبيا”!. الأدهى أن أوراق نائب رئيس المجلس العسكري تداخلت مع تكليفات مرتضى منصور، رئيس نادي الزمالك، الذي يملك “سي دي” لكل إنسان يختلف معه، فيقول “حميدتي”: “الشعب سيجتاز ذلك بوعيه.. نحن نرصد ولدينا العديد من الملفات”!. كما تشابهت تصريحاته مع أعضاء المجلس بقيادة طنطاوي، فحاول نائب رئيس المجلس العسكري السوداني، العائد من لقاء مع محمد بن سلمان، وصديقه رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان العائد من لقاء محمد بن زايد، اتهام آخرين ب”التخابر مع دول أجنبية” و”تلقي أموال من أجل تفتيت السودان”. ونفذت قطاعات من المهنيين إضرابا، صباح الثلاثاء، ومن المقرر أن يستكمل غدًا الأربعاء؛ للضغط على المجلس العسكري الانتقالي الحاكم لتسليم السلطة إلى المدنيين، وشهدت الخرطوم ومدن أخرى، خلال الأيام القليلة الماضية، وقفات احتجاجية لعاملين بمؤسسات حكومية وشركات عامة وخاصة وبنوك وجامعات وقطاعات مهنية، طالبت المجلس العسكري بتسليم السلطة للمدنيين. فحاول توجيه بوصلة غضب الجماهير نحو قوى الإضراب فقال “حميدتي”: “نتائج الإضراب واضحة وأنصح قوى التغيير بألا يذلوا المواطنين بمنع الكهرباء والمياه والصحة”. أبرز التصريحات وعوضا عما سلف، جعل دور الشعب تاليًا لدور الجيش، فقال إنه “كان لتحرك المواطنين أيضا دور في إسقاط البشير”، وطالب المحتجين الذين جاءوا من أجل التغيير وتبنوا خيارات الحرية والسلام والعدالة بأن يعودوا لها. إن عادوا لشعاراتهم تلك سنسلمهم السلطة اليوم قبل الغد. وأضاف أن “هناك أطرافا تحاول استغلال الثورة لتحسين صورتها وسنحاسبها”، ورغم أنه لم يحدد إلا أنه في خطابات أخرى اتهم قوى الحرية والتغيير بالكذب على الجيش والشعب!. ومجددا اتهم حميدتي قوى الحرية والتغيير بإقصاء الآخرين، مستغلا عدم دعوتهم للإسلاميين ليكونوا في صفوفهم، وقال: “لن نقفل باب التفاوض ولا بد أن يشارك الجميع فيه”. غير أنه ناقض نفسه بدعوة الجميع عندما قرر أن “أعضاء بحزب المؤتمر الوطني الذي كان يتزعمه البشير الآن يتبنون خيارات الثورة للهروب من المحاسبة”. نجح الإضراب الإعلامي السوداني إدريس مصطفى كتب عبر الفيسبوك، أنه بعد ظهور نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي حميدتي للواجهة ولعب دور الشخصية الأولى في المجلس، ومع مرور الأيام والمفاوضات الماراثونية بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي والتي لم تفض في نهاية المطاف إلى تسليم الحكم للمدنيين، بل أفضت إلى تمسك العسكر به. وأشار إلى أن حميدتي بدأ يتمدد ويسيطر على الأحداث ويحكم قبضته على الحكم، مستغلا قوته العسكرية المقدرة بنحو أكثر من 20 ألفًا من المقاتلين المدججين بأثقل الأسلحة المحمولة على سيارات الدفع الرباعي، الأمر الذي جعله يغير من لهجته تجاه الثوار لدرجة رفضه تسليمهم الحكم وتقليله من تأثير تجمع المهنيين على الشارع لتتصاعد الأحداث ويرد تجمع المهنيين بإعلان الإضراب العام، ويظن حميدتي أن الإضراب غير ممكن بعد جولاته المكوكية بين المؤسسات، وبذله الأموال للموظفين ليتفاجأ بنجاح ساحق للإضراب في يومه الأول وما زال هناك اليوم الثاني للإضراب ومن بعد هناك ورقة الضغط الأقوى وهي العصيان المدني الشامل. تأثير مفضوح العديد من السودانيين يرون أن رئيس المجلس العسكري ونائبه مفضوحان بالولاء لحكومات السعودية والإمارات ومصر، حيث نشر موقع نادي “الهلال” السوداني الرسمي مقالا للصحفي كمال الهدي بعنوان “عيب يا برهان”، أفصح فيه عن أن موقف رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان ونائبه “مؤسف ومخجل وعار وذميم ومنتهى الذل والهوان أن يبحث رئيس مجلس عسكري مؤقت ونائبه عن حلول مشكلة سودانية خالصة لدى الآخرين، وأن يستقويان على شعبهما بحكومات السعودية والإمارات ومصر!. وقال “الهدي”: إن هذا الموقف هو تحول في مواقفهما منذ أن كانا يتظاهران بالطيبة والزهد في السلطة، لدرجة قول البرهان في أحد حواراته التلفزيونية: “الآن لو أرادوها نسلمها لهم، لأننا لا نفهم في الكثير من الأمور التي تحتاج لجهاز تنفيذي مدني”.. وفي ضحى تلك العشية تحول الرجلان إلى التظاهر بالقوة والحزم والحسم، وصار الثاني تحديدًا يبالغ في الحديث عن القوات المسلحة كضامن للثورة!. وحذر المقال العسكريين وقال، “لن يفيدكما اللجوء لمن بات واضحا أنهم لا يريدون سوى تحقيق مصالحهم وأطماعهم ولو على أشلاء أبناء السودان.. وعلى مجلسكم أن يفهم قبل فوات الأوان أنه ما من قوة في الأرض تستطيع أن تهزم إرادة هذا الشعب المعلم.. ومثلما ضحى شباب البلد بكل غالِ ونفيس وأجبروكم على خلع البشير فسوف يأتي اليوم الذي تندمان فيه كثيرا على موقفكم المخزي كمجلس عسكري مؤقت أراد أن يسرق عرق وتضحيات السودانيين.