أكد خبراء أن الحراك الطلابي السلمي أمر متوقع وفقا لتطور تاريخ الحركات الطلابية في مصر، محذرين في الوقت نفسه من محاولة قمعها وممارسة سياسة العنف ضدها؛ لأنه ينقلها لحالة أوسع من الاحتجاج الشعبي، مؤكدين ل"الحرية والعدالة" أن زحف الإجراءات الأمنية القمعية لسلطة الانقلاب لداخل العملية التعليمية بالمدارس واقعة غير مسبوقة، وتنذر بكارثة اجتماعية ونفسية وتربوية خطيرة. من جانبه رصد الباحث السياسي مدحت ماهر- المدير التنفيذي لمركز الحضارة للدراسات السياسية - في حديثه ل"الحرية والعدالة" عدة ملاحظات كشفتها أول أيام العام الدراسي الجديد، أهمها أنه ما بين يومي السبت والأحد هناك حالة ازدياد في أعداد الجامعات والمدارس التي انضمت إلى المظاهرات والاحتجاج السلمي، والفعاليات تزداد بجامعات الدلتا والإسكندرية والقاهرة وعين شمس وبالصعيد ومنها المنيا وأسيوط. كما أن المدارس أضافت زخما للاحتجاجات الطلابية في جميع المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية والمعاهد الأزهرية. كما رصد الباحث السياسي اتساع مطالب هذه الاحتجاجات، حيث كانت باليوم الأول رفض الضبطية القضائية والإفراج عن المعتقلين، وبالثاني شملت رفض الانقلاب والاعتراض على مجزرة فض رابعة، مما يعكس ارتفاع سقف المطالب. كما شهد هذان اليومان ضعف الحضور الأمني بالجامعات لصالح حضور أمني جديد في مدارس التعليم العام. أيضا كانت حادثة الهتاف ضد المفتي السابق "علي جمعة" والاعتراض على وجوده في الجامعة معبرة جدا، ولها دلالات هامة. كما عكس الحراك الطلابي تنوعهم وعدم اقتصار المحتجين والمتظاهرين منهم على تيار معين، واتضح ذلك من الصور ونوعية المطالب ولغة الخطاب. وكل ما سبق يكشف في مجمله المستوى الذي بدأ عنده الاحتجاج الطلابي، فهو مستوى جيد ومتدرج، حيث يبدو عليه الميل للتدرج مع الأخذ في الاعتبار أن هناك عددا لم يذهب للجامعات بسبب مشكلات المواصلات وغيرها. ولقد اتسم الحراك الطلابي – بحسب رؤية الباحث - بدرجة ما من الانتظام وليس الفوضى، ولم تكن هناك عشوائية، مما يمثل أزمة للانقلاب حتى مع قلة الأعداد مبدئيا، مما يعطي موجة أخرى جديدة للاحتجاج بعد أكثر من شهر على فض الاعتصامات. وحول تواجد بعض أفراد الأمن والقوات المسلحة ببعض المدارس توقف "ماهر" عند ما وصفه بدلالة الحضور الأمني والعسكري داخل المدارس، لدرجة حضور الأغنية الرسمية للانقلاب "تسلم الأيادي"، وحضور ضباط أو بعض ممثلين للمؤسسة العسكرية بأفنية المدارس والإذاعة المدرسية، ودخولهم بعض الفصول، مما يدل على حالة من الخوف الشديد لدى الانقلابيين مما يمكن أن يحدثه الحراك الطلابي بالمدارس والجامعات، وتكشَّف ذلك من خلال محاولة تأجيل الدراسة ببعض الجامعات، كذلك من خلال حالات ضرب قنابل الغاز وإطلاق الرصاص في الهواء، واحتجاز طلاب بمدرسة أبو النمرس، وبقنا وغيرها. وتابع "ماهر": إن "الحضور الأمني" يدل على حالة تحسب وترقب لدى سلطة الانقلاب، ويعكس أيضا الاضطراب في الأداء وعدم وجود رؤية لاستيعاب الحراك الطلابي، كذلك انكشف أن إعلام الانقلاب الذي روج فزاعة شيطنة وإرهاب وتخويف من العنف مع قدوم الدراسة أوجد حالة افتعال شديد غير حقيقية، بينما صدقها من افتعلها. وتوقف "ماهر" عند وجود رجل عسكري قام بإلقاء كلمة بالإذاعة المدرسية، وقال كلمة "الشرعية المسلحة" وهي مقولة جديدة على الخطاب السياسي وتحتاج وقفة عندها، فقد بدأ الانقلاب بدعوى شرعية شعبية بحشود في الشارع الآن ثم نصل لشرعية العسكر وتسمى ب"الشرعية المسلحة"، ومعناها غير واضح وسنقف عندها طويلا!. وحول استخدام العنف وتداعياته على الطلاب قال "باحث العلوم السياسية": إن استعمال العنف سياسة مستمرة مع الانقلابيين منذ اللحظة الأولى، بل قبل الانقلاب نفسه ومحاولته تهديد المد الثوري السلمي، ومحاولة إشاعة حالة وهمية من أن هناك إرهابا ومن ينتهج العنف، بهدف تخويف المجتمع من بعضه البعض، وتخويفه من سلطة الانقلاب بالوقت نفسه، فسلطة الانقلاب تراهن على صناعة الخوف وانحسار مقاومته، والتسليم به كواقع مفروض لا خلاص منه. بينما حذر "ماهر" من خطورة استخدام واتباع سياسة ورسالة التخويف، فهذه السياسة يتم تكرارها مع المدارس والحركة الطلابية حتى يكفوا عن خروجهم، فالانقلاب يعتمد على إعلامه للتزييف وعلى التخويف ولكن هذه السياسة لن تنجح، كذلك محاولة خلق خطاب لشيطنة الطلاب لن تنجح وستفشل؛ لأن ما قام به إعلام الانقلاب من شيطنة لرافضي الانقلاب ووصفهم بأن جميعهم من الإخوان وأنصارهم فقط ووصفهم بالإرهابيين لن يفلح مع الطلاب، ويصعب سحب هذه الأوصاف عليهم وهم صغار السن، بل لو استمر خطاب وسياسة العنف والتخويف للطلاب وقمعهم فسيؤدي ذلك مستقبلا لتحولات اجتماعية مضادة للانقلاب بشكل أوسع وأوسع. واعتبر "ماهر" ما ادعاه البعض من أن الطلاب المشاركين هم فقط أولاد الإخوان غير صحيح، وتكرار للخطاب نفسه السابق القائل بأن من برابعة والنهضة من الإخوان فقط، ولن ينجح في شيطنة الصغار، ولن يصدقه الناس، بل قمعهم ينقل الصراع السياسي لحالة من الرفض المجتمعي الواسع، وضربهم بالغاز وتخويفهم سيصدم الأهالي الغافلين ويكشف قسوة حكم الانقلاب، وسيحدث في وقت معين ما نتوقعه من "إفاقة مجتمعية" مما يجدد الثورة ضد الانقلاب ويعطي وقودا مجتمعيا جديدا لها. ولفت "ماهر" النظر إلى أن المدارس والجامعات أعلنت بشكل ما عن انطلاقها وسيرها في خطوط متعددة، منها التظاهر سواء داخل البنايات أو خارجها، متوقعا أنها في حالة التظاهر بالخارج قد تحدث نقلة نوعية في حالة الانضمام الشعبي إليها، بحيث قد تتحول مع الوقت لحشد طلابي شعبي يحدث موجة كبيرة وضخمة لها تأثيرات اجتماعية وسياسية واقتصادية. وفي إطار تعليقه على استخدام العنف ضد الحراك الطلابي وخطورة تداعياته على حالتهم النفسية والاجتماعية والتربوية، يرى د.حسام عقل - أستاذ التربية بجامعة عين شمس - أن تحرك المشروع الانقلابي على المستويات الشعبية يكشف أن المنطقة المزعجة التي تثير جزعا له هو المجتمع الطلابي بكل درجاته ومستوياته وأعماره، خاصة أنه كان دائما عبر تاريخ مصر الحديث هو طليعة الثورات والعنصر المرجح في مواجهات الشعب مع الأنظمة الشمولية، كما كان هو الذي أثار حراكا وطنيا في ثورة 1919 وانتفاضة يناير بعد تولي الرئيس أنور السادات، وفي ثورة 25 يناير التي قادها هدير الطلاب في البداية. وأكد "عقل" في حديثه ل"الحرية والعدالة" أن المجتمع الطلابي نجح في أن يفرض على إدارة الانقلاب التراجع عن "الضبطية القضائية" والقمع، ومن ثم فكر القائمون على المشروع الانقلابي بنقل الإجراءات القمعية للمدارس، وهو ما حدث بمدرسة أبو النمرس الثانوية حيث دخلت قوات الأمن بحماقة هستيرية إلى داخل أروقة المدرسة وفنائها وتم إطلاق قنابل الغاز على أجساد غضة وبراعم مستقبلية تعبر عن رأيها، وهو ما يؤكد أن المشروع الانقلابي قد دخل فعليا مرحلة عدم الاتزان وسقط من الناحية الأخلاقية نهائيا بالداخل والخارج، ويحاول فرض ما أسماه ب"عسكرة الأذهان" بمعنى تغذية الأعمار السنية الصغيرة بمنهجه القامع، وقد رأينا للمرة الأولى بتاريخ مصر الحديث ضابطا من الجيش يدخل لفناء المدرسة ويمسك الميكروفون ليتحدث حول "الشرعية المسلحة" وكأنه يصدر للطلاب منذ نعومة أظافرهم "دولة الخوف". وأكد "عقل" أنه ما من شك أن زحف الإجراءات الأمنية والحضور الانقلابي لداخل العملية التعليمية بهذه الفجاجة يمثل كارثة تربوية ونفسية، فمن ناحية يعود الطلاب على الخوف والانبطاح والقبول بالأمر الواقع حتى لو كان كابوسيا، ومن الناحية التربوية يخرج الطلاب من حالة الصفاء الذهني والمعنويات المرتفعة بمستهل الموسم الدراسي لحالة الانسحاب إلى الداخل، وهو ما تسميه الدراسات النفسية ب"شخصية القوقعة" حيث لا يشارك الطلاب برأي ولا يبدون وجهات نظر، وتفرض على العملية التعليمية بأكملها الإجراءات والآليات القامعة. ويستكمل "عقل": إن هذا ما تؤكده الدراسات التربوية الحديثة وخصوصا دراسات الفيلسوف "باولو فيريري" حيث ينقل المنظومة التعليمية مما أسماه ب"تربية الحرية" إلى ما أسماه الفيلسوف ب"تربية القهر". كما أن ما تم من إجراءات ميدانية على الأرض يمثل - في تقدير أستاذ التربية - حالة خوف ينقلب فيها السحر على الساحر بنتائج عكسية، فإن الخوف لم يزرع لا في المدارس ولا الجامعات ولا حتى القرى التي تعرضت للاقتحامات الهمجية، وإنما تضاعف الخوف في أروقة الانقلابيين، معتبرا استخدام القوة المفرطة دليل الافتقار إلى الحلول. واقترح "عقل" أن يكون هناك حِمَى أخلاقي داخل المؤسسات التعليمية، ولا بأس بطرح فكرة "الحرم المدرسي" أسوة بالحرم الجامعي، فلم نر بأية منظومة تعليمية بالعالم قوات أمن تدخل لمدرسة، فهي سابقة أولى من نوعها في العالم كله!!. وشدد "عقل" على أنه المشروع الانقلابي برمته دشن وجوده بالمشهد السياسي فعليا، ودخل بالفعل ما وصفه ب"مرحلة تكسير العظام"، وهو يتعامل ضد الشريحة الواسعة من الشعب بمنطق الصدمة النفسية الصاعقة التي يثيرها العنف الممنهج والدموي، وقد رأينا ذلك مع المعتصمين السلميين والمتظاهرين، وضرب تجمعات مدنية وصلت لحد القتل ومصادرة الكاميرات والاعتداء على كل الأطياف، ويبدو أن المشروع الانقلابي يترنح فعليا تحت ضغط الحراك الشعبي الضخم الضاغط. وتابع "عقل" في حديثه ل"الحرية والعدالة": إن هذا التعاطي الأمني الذي لا يبالي بالنتائج على المستويين الداخلي والخارجي، وأصبح يعيش في عزلة دولية شبه كاملة، ويبدو أنه هو الخيار الوحيد المتاح للمشروع الانقلابي بعد عجزه عن تسويق نفسه أو اكتساب الغطاء المدني له بالداخل والخارج.