محافظ الغربية يتفقد توريد القمح بطنطا ويؤكد: نُتابع التوريد لحظة بلحظة    المؤتمر: توجيهات الرئيس بتطوير التعليم تجسد رؤية واضحة لبناء الإنسان    المجلس الرئاسي في ليبيا يعلن وقف الاشتباكات بطرابلس    اتحاد الدراجات بالإسكندرية يشارك فى البطولة الأفريقية لذوي الهمم بمشاركة 13 دولة    أسامة نبيه: جاهزون لمنتخب المغرب.. والمباراة ديربي عربي أفريقي ونهائي مبكر للبطولة    بعد خلاف حول تلفيات السيارة.. انقضاء دعوى تشاجر المخرج محمد سامي ومالك مركز صيانة بالتصالح    تأجيل محاكمة متهمي خلية القاهرة الجديدة    فتحي عبدالوهاب يكشف سر السليفي الشهير.. "الشرق الأوسط سف عليا"    نائب رئيس حزب المؤتمر: توجيهات الرئيس بشأن التعليم والصحة تجسد رؤية استراتيجية لبناء الإنسان    ياسر يحيى عضو مجلس المصري يتعرض لوعكة صحية بالإمارات    السيسي يطلع على الجهود المبذولة لتطوير آليات اختيار وتأهيل الكوادر التعليمية    الاحتلال يجدد استهدافه لموقع اغتيال السنوار.. وتحقيقات لتأكيد هويته    مشاجرة بالأسلحة النارية بسبب خلافات الجيرة في سوهاج.. وإصابة 6 أشخاص    المؤبد والمشدد 15 عاما لمتهمين بقتل «صبى» طعنا بالمطاوي في شبرا الخيمة    جدول امتحانات الصف الثالث الإعدادي 2025 الترم الثاني محافظة شمال سيناء    تدريبات للأداء بورشة حرفية التمثيل في مشروع ابدأ حلمك لشباب الإسماعيلية    يسرا عن مشاركتها في كان السينمائي : يشرفني أن أكون جزءا من المهرجان    لأصحاب برج السرطان.. اعرف حظك في النصف الثاني من مايو 2025    الليلة.. محمد بغدادي في ضيافة قصر الإبداع الفني ب6 أكتوبر    إزالة 15 حالة تعد على أملاك الدولة والأراضي الزراعية في حملات ب أسيوط (صور)    إعفاء وخصم وإحالة للتحقيق.. تفاصيل زيارة مفاجئة إلى مستشفى أبو حماد المركزي في الشرقية    طرابلس تتحول ل"مدينة أشباح".. ممثلو 30 شركة إيطالية محاصرين بفندق بعاصمة ليبيا    مسئول أمريكي سابق يصف الاتفاق مع الصين بالهش: مهدد بالانهيار في أي لحظة    أمن المنافذ يضبط 36 قضية متنوعة ويحقق نتائج كبيرة خلال 24 ساعة    بالصور- حريق في مصنع الهدرجة للزيوت والمنظفات بسوهاج    جدول امتحانات الشهادة الإعدادية الترم الثاني 2025 في محافظة البحر الأحمر    براتب 350 دينارا.. وظائف خالية بالأردن    إيتيدا تشارك في المؤتمر العربي الأول للقضاء في عصر الذكاء الاصطناعي    البنك الزراعي المصري يعلن التشكيل الجديد لمجلس الإدارة    الليلة.. ميلان فى مهمة كسر عقدة كأس إيطاليا أمام بولونيا    وكيل عمر فايد يكشف ل في الجول حقيقة إبلاغه بالرحيل من فنربخشة    استعدادًا لموسم الحج.. رفع كسوة الكعبة "صور"    بعد شائعة وفاته.. جورج وسوف يتصدر تريند جوجل    دار الإفتاء توضح الأدعية المشروعة عند وقوع الزلازل.. تعرف عليها    رئيس جامعة المنوفية يلتقي المحافظ لبحث آفاق التعاون المشترك    وزيرة التضامن الاجتماعي تترأس اجتماع مجموعة تنفيذ مقترحات زيادة فصول الحضانات    توقيع بروتوكول بين المجلس «الصحي المصري» و«أخلاقيات البحوث الإكلينيكية»    محافظ الشرقية: لم نرصد أية خسائر في الممتلكات أو الأرواح جراء الزلزال    الرئيس الأمريكى يغادر السعودية متوجها إلى قطر ثانى محطات جولته الخليجية    للمرة الثالثة.. محافظ الدقهلية يتفقد عيادة التأمين الصحي بجديلة    بالصور.. جبران يناقش البرنامج القطري للعمل اللائق مع فريق "العمل الدولية"    لدعم التعاون العلمي.. سفيرة رومانيا تزور المركز القومى للبحوث    رئيس الوزراء: الاقتصاد العالمي يدخل حقبة جديدة لا تزال ملامحها غير واضحة حتى الآن    "معرفوش ومليش علاقة بيه".. رد رسمي على اتهام رمضان صبحي بانتحال شخصيته    السجن المشدد 10 و15 سنة لشقيقين قتلا جارهما بالشرقية    كرة اليد.. انطلاق بطولة أفريقيا للأندية أبطال الكؤوس اليوم في الأهلي    «ماسك» يشكر السعودية لدعم ستارلينك في الطيران    الري: تحقيق مفهوم "الترابط بين المياه والغذاء والطاقة والبيئة" أحد أبرز مستهدفات الجيل الثاني لمنظومة الري 2.0    ورش توعوية بجامعة بني سويف لتعزيز وعي الطلاب بطرق التعامل مع ذوي الهمم    «الرعاية الصحية»: توقيع مذكرتي تفاهم مع جامعة الأقصر خطوة استراتيجية لإعداد كوادر طبية متميزة (تفاصيل)    مدرب سلة الزمالك: "اللاعبون قدموا أدءً رجوليا ضد الأهلي"    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الأربعاء 14 مايو 2025    فرار سجناء وفوضى أمنية.. ماذا حدث في اشتباكات طرابلس؟    دون وقوع أي خسائر.. زلزال خفيف يضرب مدينة أوسيم بمحافظة الجيزة اليوم    دعاء الزلازل.. "الإفتاء" توضح وتدعو للتضرع والاستغفار    بيان عاجل خلال دقائق.. معهد الفلك يكشف تفاصيل زلزال القاهرة    فى بيان حاسم.. الأوقاف: امتهان حرمة المساجد جريمة ومخالفة شرعية    هل أضحيتك شرعية؟.. الأزهر يجيب ويوجه 12 نصيحة مهمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المقاومة عن بُعد

“أينما وُجدت السلطة، وُجدت معها المقاومة”.. هكذا يقول المفكر الفرنسي، ميشيل فوكو، في معرض تفكيكه علاقات القوة في المجتمع. وفي القرآن الكريم “ولولا دفعُ الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض”. ولولا اطمئنان الطغاة لنوائب الدهر، وسكونهم لمغبة نتائج أفعالهم، لما قامت الثورات، فهذه الأخيرة، وإن كانت لا تأتي إلا بغتة، إلا أنها عملية تراكمية، تختزن مشاعر الرفض والشعور بالظلم والقهر، التي لا تلبث أن تنفجر مع أول شرارةٍ تُطلق من هنا أو هناك. هكذا انفجرت ثورات الربيع العربي، ولا تزال، مدفوعةً بمشاعر ظلت صامتة، ولكنها ظلت تتراكم عبر عقود من الصمت على الاستبداد، حتى انقضت عليه، وجعلته كالصريم!
لذا لا تعدم الشعوب التحايل على حكامها المستبدّين، إما بالقول أو الفعل أو كليهما، ولا تقف مخيلتها عن محاولة كسر جمود استسلامها، حتى يحين الموعد، فتخرج كموجٍ هادرٍ يكتسح كل ما يقف في طريقه من دون مساومة أو تنازل. خُذ مثلا ما يحدث الآن في الجزائر التي امتلأت شوارعها بملايين المتظاهرين السلميين على مدار الأسابيع الأربعة الماضية، الذين فطنوا لألاعيب سلطةٍ تحاول شراء بعض الوقت، من أجل ترتيب صفوفها، وتجديد سلطويتها بوجوه جديدة. ليخرج نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية المعيّن حديثا، رمطان لعمامرة، كالمذعور في مؤتمر صحافي، يستسمح الشعب، ويطلب منه أن يصبر قليلاً على الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وأن يعطيه فرصةً أخيرةً لترتيب خروجٍ مشرّفٍ له من السلطة، كان بالإمكان أن يحدث تلقائياً لو كان بوتفليقة قد خرج من السلطة قبل العهدة الماضية، أو التي سبقتها، ولكنه خمر السلطة القاتل! وخُذ أيضا ما يفعله الآن ملايين الشباب السوداني مع طاغيةٍ أعطوه بدل الفرصة عشرا، وصمتوا على ظلمه واستبداده عقوداً، ولكنه عاند وكابر، ولا يزال، إلى أن نفد رصيده لدى شعبه، ولم يعد أمامه إلا أن “يحمل عصاه ويرحل”، كما كتب مفكّر سوداني قبل فترة.
وخُذ الحملة الرمزية التي أطلقها المذيع المصري المقيم في إسطنبول، معتز مطر، وتحمل وسْم “اطمن أنت مش لوحدك”، والتي تهدف إلى محاولة كسر حاجز الصمت والخوف لدى قطاع كبير، ليس فقط من المصريين، وإنما أيضا لدى الشعوب العربية الأخرى التي ترزح تحت ربقة الاستبداد وتسعى إلى إزاحته. وقد اكتسبت الحملة زخماً إعلامياً ومعنوياً، ساهم فيه، ربما بدون قصد، غباء النظام السلطوي الذي يحكم مصر الآن، والذي يشعر بالاهتزاز وعدم الاطمئنان من ظهور مقاومة، أو بالأحرى محاولة خجولة للمقاومة، تأتيه من على بعد آلاف الأميال، وذلك في وقتٍ ظن فيه أن الشعب قد ابتلعه الخوف ومات!
أسهم أيضا في نجاح حملة “اطمن أنت مش لوحدك” عفويتها وبساطتها، وعدم رفعها شعارات سياسية مباشرة (وإن كانت السياسة حاضرة في قلبها)، تهدف مثلاً إلى إسقاط النظام في مصر، أو الخروج للثورة في الميادين. كما أنها لم تنطلق من قاعات المثقفين والمنظّرين، ولم تمارس استعلاء نخبوياً على الجماهير. بل على العكس، تبدو الجماهير العادية، كما هي الحال في الجزائر والسودان، هي البطل الحقيقي لهذه الحملة، والمحرّك المُلهم لها، والمستهدف الحقيقي منها. وهنا خطورتها، ومنبع خوف النظام منها، خصوصا بعد تأميمه المنابر السياسية، والاستيلاء على منابرها الإعلامية، وإغلاق المجال العام ب “الضبّة والمفتاح”. لذلك، لا غرابة أن يختطف النظام أفرادا من أسرة مطر من أجل ترهيبه، والضغط عليه، ومساومته على إيقاف حملته، ما زاد الحملة زخماً وتفاعلاً ولفت انتباه الغافين إليها!
ما يفعله معتز مطر، والذي نجح، بذكائه الإعلامي، في أن يصبح رمزاً لمقاومة السلطة في مصر على غرار معارضين آخرين، اشتهروا بالمعارضة الشرسة لحسني مبارك خلال عشريته الأخيرة، قبل أن ينقلبوا على الثورة، ويتحالفوا مع من هو أسوأ منه، وكذلك ما يفعله آخرون أيضا بمبادراتٍ فردية، كما هي الحال مع البرنامج الساخر الذي يقدمه يوسف حسين (جو شو)، هو نمط جديد من أنماط مقاومة السلطة، يتجاوز البنى التقليدية للسياسة، ويندرج تحت ما يسمّيها عالم الأنثروبولوجيا السياسية الأميركي، جيمس سكوت، “المقاومة في النسق اليومي”، والذي يعني الأشكال غير الرسمية، أو غير التقليدية، لمقاومة كل أشكال القمع والظلم والاستبداد التي يقوم بها أناسٌ عاديون، من خلال سلوكهم اليومي. وهي مقاومةٌ تأخذ أشكالاً مختلفة، وغير متوقعة، وهذا سرّ قوتها وخطورتها، فمنها ما قد يأخذ شكل مبادراتٍ وإبداعاتٍ فردية، على غرار ما يفعله معتز مطر و”جو شو”، ومنها ما يجري عن طريق الفن أو النكتة أو الأدب أو العصيان الفردي. كما أنها مقاومةٌ ليست محدودة بجغرافيا مؤطرة، أو ببلد معين، ولكنها عابرة للحدود، ومخترقة للهّم المحلي بمعناه الضيق. لذا يتفاعل معها “عاديون” من خلال إثبات وجودهم ومقاومتهم الاستبداد.
ربما لن تسقط حملة “اطمن أنت مش لوحدك” النظام، الآن، وربما ليس غداً، أو في المدى القريب. ولكنها قطعاً تحيي أملاً كان قد غاب وانقطع في نفوسٍ اعتقدت أن الظلم قد انتصر، وأنه لا مناص من الاستسلام للطغيان، والتعايش مع مآسيه وابتلاع مرارته، من دون مقاومة، حتى وإن كانت عن بُعد.
المقالات لا تعبر عن رأي بوابة الحرية والعدالة وإنما تعبر فقط عن آراء كاتبيها


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.