رغم سنه الذي تجاوز الثمانين عاما، ورغم مرضه وإصابته بجلطة دماغية تجبره أن يعيش مثل الكسيح على كرسي متحرك، إلا أن قرار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الذي أعلن انسحابه من السباق الرئاسي بعد ضغوط شعبه الثائر، وأيضا أعلن تأجيل انتخابات الرئاسة الجزائرية لأجل غير مسمى، وأنت تسمعه كمواطن عربي، تتذكر مشهد الطفولة، أنت وأصدقاؤك حينما كنت تلعب بالكرة، وتصادف أن يكون صاحب الكرة الذي دائما ما يلعب بنا أمام بيته، حينما تهزمه أو يماطل من أجل إلغاء هدف صحيح دخل فيه، يقوم بالانسحاب من الملعب بالكرة التي يمتلكها، ولا يكتفي فقط بأخذ الكرة بل يقوم أيضًا بالبكاء لأمه واستعطافها أن تنثر المياه أمام البيت حتى لا يلعب أحد غير ابنها. قد يكون المشهد عبثيًا، لكن ما فعله الرئيس الجزائري يذكر حقًّا بهذا الواقع الطفولي لرئيس حكم أكثر من عشرين عاما، وتجاوز عمره الثمانين، حينما أعلن تأجيل الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في 18 أبريل المقبل متعهدا بعدم الترشح في أي سباق رئاسي. حكومة تكنوقراط ودعا بوتفليقة إلى تشكيل حكومة من التكنوقراط لإدارة شئون البلاد واجراء حوار شامل قبل إجراء أي انتخابات مقبلة، إلا أنه لم يترك للشعب الجزائري تعيين هذه الحكومة من داخل الشعب، بل قام بتكليف وزير الداخلية بتشكيل هذه الحكومة، من أجل قهر الشعب الجزائري، بعدما وقف الجيش الجزائري على الحياد، لتثبت الجيوش العربية أنها لا تقف سوى مع الشخصيات التي تعبر عن مصالحها فقط. وقال بوتفليقة في بيان نشره أمس الإثنين: “لن أترشح لعهدة خامسة.. لا شك في ذلك بالنسبة لي.. بالنظر إلى حالتي الصحية والعمر، فإن واجبي الأخير تجاه الشعب الجزائري هو الإسهام دوما في تأسيس جمهورية جديدة”. وشهدت عدة مدن جزائرية مسيرات رافضة لإعلان بوتفليقة بتأجيل الانتخابات لأجل غير مسمى، ودعا ناشطون لمظاهرات الجمعة. انتهاك الدستور ونقلت شبكة “بي بي سي” البريطانية عن نائب حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض، عثمان معزوز، اتهامه للرئيس الجزائري بانتهاك الدستور، موضحا أن الحالة الوحيدة التي تتيح تمديد فترته الرئاسية هي حالة الحرب. وجاء قرار الرئيس الجزائري في أعقاب مظاهرات حاشدة ضد ترشحه لعهدة رئاسية خامسة شهدتها البلاد خلال الأسابيع القليلة الماضية. وتصاعدت وتيرة الضغط على بوتفليقة لسحب ترشحه بعد أن أعلن أكثر من ألف قاض جزائري رفضهم الإشراف على الانتخابات الرئاسية إذا ظل بوتفليقة مرشحا فيها. وقال رئيس أركان الجيش الجزائري، أحمد قايد صالح: إن الجيش والشعب لديهما رؤية بشأن المستقبل، في أقوى إشارة حتى الآن بأن القوات المسلحة أبدت تعاطفا مع الاحتجاجات، إلا أن الجيش لم يتخذ موقفا ضد بوتفليقة، حيث عد خبراء متابعون تصريحات الجيش بأنها مناورة على غرار مناورات الجيوش العربية في الثورات العربية التي تم الانقلاب عليها مثل مصر. كما انتقد رجال دين بارزون الضغوط عليهم لإصدار خطب دينية مؤيدة للحكومة، وقال الإمام جمال غول، رئيس المجلس الوطني للأئمة في الجزائر، للصحفيين: “اتركونا نعمل دون تدخل”. كان بوتفليقة قد تعهد الأسبوع الماضي بأنه سيعلن عن انتخابات مبكرة خلال أقل من عام في حال إعادة انتخابه في أبريل المقبل، وعاد بوتفليقة إلى بلاده الأحد الماضي بعد قضاء أسبوعين في مستشفى سويسري “لإجراء فحوص طبية روتينية”، بحسب الرئاسة الجزائرية. وكان بوتفليقة، البالغ من العمر 82 عاما، قد سافر إلى جنيف في 24 فبراير الماضي بعد يومين من خروج عشرات الآلاف من الجزائريين في مظاهرات احتجاج ضد ترشحه لولاية رئاسية خامسة. وزير الداخلية من ناحية أخرى، ذكرت قناة “النهار” التلفزيونية أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عيَّن وزير الداخلية نور الدين بدوي رئيسًا جديدًا للوزراء خلفا لأحمد أويحيى، الذي قدم استقالته إلى الرئيس الجزائري الإثنين 11 مارس 2019. وأضافت القناة الجزائرية أن رمطان لعمامرة، الذي كان مستشارًا دبلوماسيًا لبوتفليقة، عُيِّن نائبًا لرئيس الوزراء. واستقبل رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة امس الإثنين، بالجزائر العاصمة، الوزير الأول أحمد أويحيى، الذي قدم له استقالته. كما استقبل بوتفليقة، نائب وزير الدفاع الوطني، قائد أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أحمد قايد صالح. وخلال هذا اللقاء، قدَّم الفريق أحمد قايد صالح تقريرًا عن الوضع الأمني على المستوى الوطني، لا سيما على طول الحدود.