أقدم حداد مصري على قتل أبنائه الثلاثة برميهم في نهر النيل، والانتحار بالقفز وراءهم أسفل كوبري الساحل في منطقة روض الفرج بالعاصمة القاهرة، وذلك بعدما تراكمت عليه الديون جراء الارتفاع المتواصل لأسعار السلع الضرورية، ومروره بأزمة نفسية نتيجة الخلافات الأسرية مع زوجته، وهجرها منزل الزوجية. وتلقت الأجهزة الأمنية في مصر بلاغًا يفيد العثور على جثة مواطن في العقد الخامس غارقة في النيل، والذي تبين أنه يعمل حدادًا، ويقيم بحي السلام (شرق القاهرة)، وكان يعاني من ضائقة مالية، وأزمة نفسية بسبب عجزه عن العمل، والإنفاق على أبنائه، في الوقت الذي عُثر لاحقاً على جثة أحد أبنائه أمام مقر المسطحات بإمبابة، والابنة بكامل ملابسها أسفل كوبري الساحل، ولم تظهر بعد جثة الابن الثالث. وحسب رواية شقيقه أمام نيابة الساحل، فإن الضحية كان على خلافات مع زوجته، التي تركت له منزل الزوجية، وأقامت دعوى قضائية لخلعه، مشيرًا إلى أن الديون تراكمت عليه، وأصبح ملاحقًا من الدائنين، وعجز عن الإنفاق على أبنائه؛ ما دفعه لاتخاذ قرار بالتخلص من حياته، وأولاده معه، وهم عمرو (10 سنوات)، ومحمد (8 سنوات)، وملك (7 سنوات)، بالانتحار غرقًا في النيل. وأفاد شقيق الحداد المنتحر بأن زوجته هجرت منزل الزوجية منذ سنوات عدة، وأقامت دعوى خلع ضده؛ بسبب مكوثه في المنزل إثر إصابته بعجز بسبب العمل، وحاولت أخذ الأبناء بالقوة، ولكن أهل زوجها تصدوا لها، بينما قال أحد أصدقاء الضحية – خلال تحقيقات النيابة -: إنه كان مدينًا له بمبلغ من المال، وقال له قبل الحادثة: “لو ماعرفتش أديلك فلوسك في الدنيا.. هقابلك في الآخرة واديهالك!”. وفي أوائل سبتمبر الماضي، عثرت الشرطة المصرية على جثث أسرة كاملة في حالة تحلل تام، داخل مسكنهم بقرية “الرملة” التابعة لمدينة بنها بمحافظة القليوبية، بعد تقدم أهالي القرية ببلاغ إلى الشرطة يفيد بانبعاث رائحة كريهة من المنزل، ليتضح وجود جثامين 4 أطفال ووالدهم (عامل بمطعم) في حالة “تعفن” كامل، بعد ترك رسالة منه لزوجته مضمونها أنه “سينتحر لأنه مش لاقي فلوس يصرفها على الأولاد”. ويتزامن ارتفاع وتيرة وقائع الانتحار الفردي والجماعي في مصر مع الضغوط التي يتعرض لها المواطنون، نتيجة الزيادات المتوالية في أسعار السلع والخدمات، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة بشكل غير مسبوق، خاصة مع تردي الأوضاع الاقتصادية منذ انقلاب عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم عام 2014، وتنفيذه برنامجًا اقتصاديًا قاسيًا يستهدف تحرير الدعم عن السلع والخدمات كافة. أرقام مفزعة لا توجد إحصاءات رسمية سنوية بأعداد المنتحرين في مصر، بالنظر إلى أن أهل المنتحرين يرفضون الإعلان عن ذلك، ولذا لا توثق أغلب الحالات، وفق تصريحات مسؤولين بوزارة الصحة. لكن وزارة الصحة أعدت دراسة على عينة من طلاب مرحلة الثانوية العامة قدرت ب10638 طالبا في العام الحالي، وقالت الدراسة إن 21.7% من الطلبة يفكرون في الانتحار. وكان مركز السموم التابع لجامعة القاهرة أصدر تقريرًا عام 2016 يفيد أن مصر تشهد نحو 2400 حالة انتحار باستخدام العقاقير السامة سنويا. بينما كشف مركز المصريين للدراسات الاقتصادية والاجتماعية في تقرير أن مصر شهدت 4000 حالة انتحار بسبب الحالة الاقتصادية، في الفترة من مارس 2016 إلى يونيو 2017. وكانت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان قد وثقت 63 حالة انتحار في مصر منذ يناير وحتى أغسطس الماضي. فيما تكشف أحدث الإحصاءات المتاحة على الموقع الإلكتروني لمنظمة الصحة العالمية أن هناك 88 حالة انتحار من بين كل 100 ألف مصري، علمًا بأن عدد سكان مصر يبلغ 100 مليون نسمة، ما يعني انتحار قرابة 88 ألف شخص كل عام. أما التنسيقية المصرية للحقوق والحريات فأكدت في تقرير لها أن هناك تزايدًا ملحوظًا في عدد حالات الانتحار هذا العام، فمنذ يناير وحتى بداية أغسطس تم تسجيل أكثر من 150 حالة قام بأغلبها شباب في الفئة العمرية ما بيم 20 و 35 عامًا؛ ما جعل البعض يدق ناقوس الخطر، كما قام المغردون بإطلاق هاشتاغ #الشباب_بينتحر_علشان تصريحات الأزهر والمترو ومع زيادة حالات الانتحار الأخيرة والتي تم أغلبها أمام عجلات مترو الأنفاق، قال أحمد عبد الهادي، المتحدث باسم هيئة مترو الأنفاق: إن المترو ليس جهة انتحار، وأن تلك الحوادث تكبد الدولة خسائر فادحة بسبب تعطل عمل المترو لعدة ساعات في كل مرة، بخلاف عمليات الصيانة التي يتم إجراؤها بعد كل حادث، مشيرًا إلى تكوين فرق خاصة للرقابة على خطوط المترو الثلاثة لمنع مثل تلك الحالات؛ الأمر الذي أثار استهجانًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي وقتها. أما الأزهر فخرج عنه تصريح بأن المنتحر ليس كافرًا؛ الأمر الذي أثار جدلاً شديدًا، استنادا إلى أنه ليس كل المنتحرين سواء، “فليس كل من أقدم على قتل نفسه هو شخص كفر بنعمة الله أو اعترض على حكمه، لكن المشكلة أن مثل هذا الإعلان قد يفتح الباب لتزايد حالات الانتحار بعد أن كانت الناس تضبط نفسها ومشاعرها وتحافظ على حياتها التزامًا بقواعد الدين بأن الحياة ملك لله وأن الانتحار هو اعتراض على قدر الله وهروب من قدره”، بحسب تصريحات د. عمار علي حسن، أستاذ علم الاجتماع، لدويتشه فيله الألمانية. مضيفًا أن الأزهر كان عليه أن يستعين برأي علم النفس لضبط التصريح، فالمنتحر لأسباب مرضية كالاكتئاب العميق المؤدي للانتحار ليس بكافر لأنه شخص ليس مسئولاً عن تصرفاته، أما المنتحر لأسباب أخرى فلا يجب أن نبرر له قتل نفسه.