في 30 أكتوبر الماضي، أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن أنها تنازلت عن رئاسة الحزب المسيحى الديمقراطى، مؤكدة أنها لن تترشح لولاية أخرى. وقالت ميركل- فى مؤتمر صحفى- إنها لن تترشح مجددًا لرئاسة حزبها المسيحى الديمقراطى، مضيفة أن الولاية الحالية لها كمستشارة هى الولاية الأخيرة، وأنها ستتخلى حتى عن الترشح للانتخابات البرلمانية المقبلة، والتى من المقرر إجراؤها فى 2021. وستترك ميركل بعد نهاية حكمها كافة المناصب السياسية. جاء ذلك بعد أن حقق حزب الاتحاد الديمقراطى المسيحى المركز الأول فى الانتخابات الإقليمية، إلا أنه لم يحظَ بالتأييد الكبير، خاصة في تصويت ولاية “هيسه الغربية”. ويفتح قرار المستشارة الألمانية الباب أمام أي رئيس أو امرأة جديدة لحزب الاتحاد الديمقراطى المسيحى ببناء ملامح قبل الانتخابات الوطنية المقبلة، المقرر إجراؤها فى عام 2021. أما خليفة ميركل المفضل فهو الأمين العام لحزب الاتحاد الديمقراطى المسيحي أنجريت كرامب. يأتى قرار ميركل رغم الإنجازات الكبيرة التي حققتها على كافة المستويات منذ 2005، والغريب أن إعلان ميركل جاء متزامنًا مع زيارة السيسي لألمانيا!. ودخلت أنجيلا ميركل العمل السياسي سنة 1989 بعد سقوط جدار برلين، حيث جاءت من ألمانياالشرقية وفازت بالانتخابات البرلمانية سنة 1990 عن الحزب المسيحي الديمقراطي، وأصبحت أصغر وزيرة في الحكومة، وقد بدأت بوزارة المرأة والشباب، وبعدها وزارة البيئة والسلامة النووية. ثم خسر الحزب المسيحي الديمقراطي الانتخابات سنة 1998 وتحول للمعارضة، وتم تعيين ميركل في منصب أمين عام الحزب، وقامت بإخراج عدد من القيادات التاريخية بسبب تجاوزات مالية، وفازت برئاسة الحزب سنة 2000. وفي 2005 فاز حزبها بالانتخابات، وفازت ميركل بلقب المستشارة “رئيس الحكومة” كأول مستشارة في تاريخ ألمانيا، ومن وقتها استمرت 4 دورات انتخابية متتالية بسبب نجاحها المستمر. إنجازات ميركل في 2005 كانت ألمانيا تعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة، أهمها تراجع معدل النمو، وارتفاع معدل البطالة إلى 12.6% ، وهو المعدل الأعلى منذ 1933، أي من وقت هتلر، وبعد 12 سنة من حكم ميركل أصبح معدل البطالة 4.9%، وهو الأقل من الثمانينات، وأقل من معظم دول أوروبا. كما حققت الميزانية العامة الألمانية في 2017 ، نحو 38 مليار يورو فوائض مالية، وهو الفائض الأكبر في الميزانية العامة منذ 1990 ، كما نجخت ميركل في أن تتخطى بألمانيا أكبر الأزمات المالية في التاريخ سنة 2008، رغم أنها أصابت أمريكا والكثير من الدول بالركود؛ وذلك بسبب سياسات اقتصادية بدأها المستشار الألماني السابق شرودر وأكملتها ميركل، وهي مرتبطة بضخ الأموال في السوق بشكل مستمر، والتصدير من خلال الشركات متوسطة الحجم، وبعدها استعادت معدلات نمو أعلى من معظم بقية دول اليورو. وكذلك ارتفعت الصادرات الألمانية منذ عام 2009 حتى الآن بزيادة ملحوظة، وحقق الميزان التجاري الألماني العام الماضي فائضا بنحو 280 مليار دولار، وهو ما يمثل ثاني أكبر فائض في الميزان التجاري في العالم بعد الصين. وفي عهد ميركل، زاد الإنفاق على التعليم من 4.2% من الناتج المحلي في 2006 إلى 4.9% في 2016، والرعاية الصحية زادت من 10.2% من الناتج المحلي في 2006 إلى 11.9% في 2017 ، علما أن 1% زيادة في الإنفاق في دولة مثل ألمانيا يعني حوالي 40 مليار دولار؛ لأن الناتج المحلي هناك حوالي 4 تريليونات دولار في واحد من أكبر 5 اقتصاديات بالعالم. إخفاقات السيسي ولعل ما يثير الاستغراب فيما يجري بمصر ومقارنته بدولة كألمانيا، هو إصرار العسكر على جر مصر لمستنقع الفشل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ففي ظل حكم العسكر تراجعت مصر في كافة مؤشرات جودة الحياة، وزاد الفقر وانتشرت الجرائم ولم يتحقق أي أمان مجتمعي بالبلاد المنكوبة بحكم العسكر، ورغم ذلك يتشبث إعلام الانقلاب بأنه لولا السيسي لبقيت مصر مثل سوريا والعراق، وهو مصطلح صنعته المخابرات الحربية لإخافة الشعب المصري من التغيير أو رفض الانقلاب العسكري. الوضع الاقتصادي المصري الذي بلغ 4 تريليونات جنيه من الديون الداخلية، ونحو 102 مليار دولار من الديون الخارجية، بجانب العجز التجاري غير المسبوق، ولكن رغم ذلك تكثر دعوات تغيير الدستور من أجل تأبيد حكم السيسي. برغم أن المقارنة بين مصر وألمانيا تبدو غير منطقية على المستوى الاقتصادي، أو في الحريات، أو في الديمقراطية وطبعا في النظام السياسي وطبيعة الرؤساء والمسئولين والبرلمانيين هنا وهنا. وعلى الرغم من أن ميركل إحدى أهم النماذج الناجحة في تاريخ ألمانيا، والنظام هناك ديمقراطي برلماني لا يحدد فترة محددة للحكم. وهو ما حدث مع ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني عندما خسر استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي تقدم باستقالته مباشرة تحملا للمسئولية، مع أن الاستفتاء لم يكن على شخصه وحزبه، وكان يتمتع بالأغلبية. الدرس الأهم إن نجاح أي نظام سياسي واستقرار أي بلد ليس بأن يحكم رئيس من غير حروب وقتل، إنما في تداول السلطة بشكل سلمي بين الجميع، والمؤسسات القوية هي التي تحمي حق المواطنين في الاختيار، وأن أي إنجاز يقدمه الرئيس أو الحكومة هو حق للشعب، وليس بسبب الإنجازات– إن تحققت- بأن يبقى في الحكم مدى الحياة. ويرى خبراء أن تعديل الدستور كي يتمكن من الحكم مدى الحياة هو أكبر خطر على أي بلد، حتى لو تحققت الإنجازات الاقتصادية؛ لأن غياب الديمقراطية يمنع التوزيع العادل لأرباح النمو الاقتصادي، وهذا ما يجعل الدول الديمقراطية ترفع مستوى رفاهية المواطن؛ لأن الاستقرار والتنمية مرتبطان بالديمقراطية. خيبة السيسي وافتتح السيسي التمهيد للحديث عن تعديل الدستور بنفسه، حين ألمح في كلمة له سبتمبر 2015، لإمكانية تعديل الدستور أو تغييره قائلا: “دستور مصر كتب بنية حسنة والدول لا تبنى بالنوايا الحسنة”. وفي فبراير 2016 أثناء تدشين مبادرة «رؤية مصر 2030» بمسرح الجلاء بالقاهرة، قال السيسي للحضور: «إنتوا فاكرين إني هسيبها (سأتركها) يعني وللا حاجة؟ لا والله، لا والله ما هسيبها… لحد ما تنتهي حياتي أو مدتي»!. ومنذ ذلك الحين بدأت الفرق الانقلابية في البرلمان والإعلام والأحزاب الورقية تعزف على ما قاله السيسي وتطالب بتعديل الدستور. وخلال عام 2015 ظهرت حملة لتمديد الرئاسة للسيسي بعنوان: “الحملة الشعبية لجمع 40 مليون توقيع مصري”، قادها شخص مجهول يدعى “ياسر التركي”، منسق الحملة، قال إنها تسعى لجمع توقيعات لمنح السيسي فترة رئاسية جديدة مدتها 4 سنوات بدون إجراء انتخابات توفيرا للنفقات، حتى يتسنى له إنجاز المشروعات القومية الكبرى التي أعلن عنها!. ثم طرح النائب إسماعيل نصر الدين، في نفس الشهر، فكرة تعديل الدستور لتغيير مدة الرئاسة، وأثار بدء “نصر الدين” في جمع توقيعات أعضاء مجلس النواب لتعديل الدستور مستندا على المادة 226 من الدستور التي تجيز لخمس أعضاء مجلس النواب التقدم بتعديل للدستور، جدلا برلمانيا حينئذ. جاء في نص مذكرة النائب إسماعيل نصر الدين اللاحقة، للمطالبة بتعديل الدستور، أن “الهدف هو تغيير نظام الحكم، بمنح صلاحيات أوسع لرئيس الجمهورية بما يمكنه من أداء عمله، وتعديلات تتعلق بزيادة مدة ولاية رئيس الجمهورية لتصل إلى (6) سنوات بدلا من (4) سنوات. 6 سنوات أيضا في أغسطس 2017، دعا علاء عابد، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس نواب العسكر، إلى الإسراع في تعديل الدستور لجعل فترة الرئاسة 6 سنوات، مبررا ذلك بأن “فترة الأربع سنوات لا تكفي لتحقيق الاستقرار، ومحاربة الإرهاب”، بحسب زعمه. وتصدت رموز مثل الدكتور مصطفى الفقي، مستشار مبارك السابق والمدير الحالي لمكتبة الإسكندرية، ورموز إعلامية مثل عماد الدين أديب، لحملة الترويج لدعاوى تعديل مواد الدستور. وكان المؤشر الأوضح على نوايا التعديل، هو حديث رئيس مجلس إدارة صحيفة أخبار اليوم ياسر رزق، في مقال نشره أغسطس 2017، عن سيناريوهين للإبقاء على السيسي، (أولهما) يتعلق بمد فترة رئاسة السيسي، الثانية بدعوى إنجاز مشروعاته. والسيناريو (الثاني)، هو تعديل الدستور لإزالة النص على فترتين للرئاسة فقط، أي أن تصبح مفتوحة كما فعل السادات وجعلها “لأجل غير مسمي”، ولكنه لم يهنأ بها وجرى اغتياله ليستفيد من التعديل الدستوري الرئيس السابق مبارك، الذي ظل في منصبه 30 عاما قبل خلعه بالثورة. وزعم “رزق” أن القلق لديه هو على من سيتولى الرئاسة بعد السيسي بعد انتهاء الفترة الرئاسية الثانية، معللا ذلك ب”خلو الساحة السياسية والحزبية من الكوادر التي لديها قدرة على المنافسة”، معتبرا أن فوز السيسي أمر محسوم في انتخابات 2018، والقلق نابع من قصر فترة الرئاسة الثانية، بحسب زعمه. رغبة الشعب وعلى طريقته المتكررة في إظهار عزوفه عن المنصب، واستدعاء مسرحية نزوله على رغبة الشعب، حاول السيسي الظهور دوليا على أنه عازف عن فترة رئاسية جديدة بعد 2022، تاريخ انتهاء ثاني وآخر فترة له وفق دستور 2014، حين قال في لقاء “سي إن بي سي” الأمريكية: إنه لن يترشح لولاية ثالثة في عام 2022، وسيحترم نص الدستور بفترتين فقط!. وزعم في 6 نوفمبر 2017 أنه “لن أتدخل في صياغة الدستور، فأنا مع الحفاظ على فترتي رئاسة كل منهما أربع سنوات”. قبل هذا وخلال اللقاء الذي أجراه السيسي مع رؤساء تحرير الصحف القومية، مايو 2017، كشف “رزق” عن موقف السيسي من الترشح لفترة انتخابات رئاسية ثانية، في مداخلة هاتفية مع برنامج “كل يوم” المذاع على قناة “On e”، مؤكدا أنه “غالبًا ما سيرشح نفسه في الانتخابات القادمة استجابةً لإرادة الشعب”، بحسب زعمه. وما إن انتهت تمثيلية انتخابات الرئاسة 2018، وأُعلن فوز عبد الفتاح السيسي ب98 بالمائة، على منافسة (الكومبارس) موسى مصطفى موسى، رئيس حزب الغد، الذي احتل المرتبة الثالثة بعد الأصوات الباطلة، حتى انطقت الدعوات مجددا لمد فترة الرئاسة إلى أكثر من 4 سنوات، وأكثر من مدتين. وشارك رئيس حزب الوفد السابق “السيد البدوي” والحالي (محمد أبو شقة)، في الدعوة لتمديد رئاسة السيسي، بزعم “أن أربع سنوات غير كافية على الإطلاق لأي رئيس لانتشال مصر مما تعانيه”.