أعلن مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، افتتاح أول دورة لعسكرة الصحافة باسم الكاتب الصحفي "أنيس منصور" تحت عنوان "الدراسات الاستراتيجية والأمن القومي" برعاية رئيس المجلس واللواء أركان حرب "صفوت الديب" مدير أكاديمية ناصر العسكرية العليا، والتي تُنفذ بالتعاون مع كلية الدفاع الوطني وذلك في الفترة من الثاني عشر من أغسطس الجاري وحتى الرابع من سبتمبر المقبل في مبنى الإذاعة والتلفزيون. وبحسب تصريحات مكرم فإن هذه الدورة التي تقام بشكل علني لأول مرة مخصصة لمديري تحرير الصحف والقنوات بإجمالي 61 متدربا من 22 جريدة و5 قنوات، تحت إشراف لواء أركان حرب ياسر عبد العزيز، مستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا. وفي بداية كلمته، رحب مكرم محمد أحمد" باللواء أركان حرب بهجت محمد فريد مدير كلية الدفاع الوطني والحضور ، مؤكدا أهمية هذه الدورة واعتبرها العمود الفقري لكافة الدورات التي عقدها ويعقدها المجلس الأعلى، مؤكدا أهميتها والتي تتضمن كافة المناصب ابتداءً من رئيس قسم وحتى رئيس تحرير وعملها على تأهيل القيادات الصحفية والإعلامية لمواجهة التحديات الراهنة بتعاون الأكاديمية مع المجلس وزيادة وعي الصحفي وتأهيله لمعرفة أهمية الأمن القومي المصري حتى يستطيع تقييم الأحداث ومعرفة العدو من الصديق. وللتأكيد على هذ الدورة وأنها ليست الأولى ، صرح مكرم محمد أحمد أن كبار الصحفيين حصلوا على هذه الدورة وضرب مثلًا بالكاتب الصحفي ياسر رزق، الذي يتولى حاليا رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم والمقرب من النظام، وقال: "أتوقع الفائدة من هذه الدورة التدريبية ستنعكس على مانشيتات الصحف والحكم العادل في كل القضايا خاصة أن الأمن القومي أصبح معرفة حقيقية مطالب بها الصحفي في مكانه". واختتم مكرم كلمته بمطالبة الحضور بالتفاعل وإبداء الرأي والمساهمة الفاعلة ونبه إلى ضرورة الحضور "مش تسجل الحضور ومتحضرش الندوة.. لازم تحضروا كل الندوات". أهداف الدورة وتستهدف الدورة تشكيل فكر القيادات الصحفية والإعلامية الموالية للنظام وتأتي في سياق سيطرة النظام على مفاصل الإعلام ماليا واقتصاديا وتحريريا وحتى بلورة أفكار القيادات الإعلامية التي يفترض أن تتولى مناصب كبرى في مشروعات النظام الإعلامية. وبحسب مراقبين فإن هذه الدورات تستهدف تصنيف القيادات الإعلامية في الصحف والفضائيات الموالية للنظام ومراقبة أفكار وأطروحات المشاركين لمعرفة توجهاتهم تجاه النظام لاختيار من يقودون الآلة الإعلامية للنظام صحفيا وفضائيا وإبعاد من تحوم حولهم شبهات عدم الثقة في النظام وتوجهاته. يتزامن هذا الإجراء مع توجهات النظام الرامية لإبعاد وجوه إعلامية قديمة خدمت في بلاط النظام لسنوات طويلة، حتى استهلكت وفقدت مصداقيتها وشعبيتها بين الناس. عسكرة القضاء والسلك الدبلوماسي يشار إلى أنه حين تم الكشف في يوليه 2017 عن تنحية وإبعاد 12 دبلوماسيا مصريا بدعاوى أنهم مؤيدون لثورة يناير والإخوان، تم الكشف أيضا أنه يجري ضمن "عسكرة الخارجية" إرسال الملحقين الدبلوماسيين الجدد للتدرب ستة أشهر في "الكلية الحربية" بالنسبة للشباب، و"معهد التمريض" بالنسبة للفتيات بجانب شهر تقريبًا في المخابرات العامة، كي يكتسبوا "صفات عسكرية"!. وروى قاض في إحدى الهيئات القضائيّة ل "المونيتور" أنّه تلقّى دورة "الدراسات الاستراتيجيّة والأمن القوميّ" في أكاديميّة ناصر العسكريّة العليا "بتكليف رسمي"، مشيرا إلى أنّ "حضور هذه الدورات أصبح إلزاميّا ومعمّما على جميع أعضاء الجهات القضائيّة" وهذه الدورة مدّتها أسبوعان، بواقع 6 ساعات تدريبيّة في اليوم الواحد. وإلزام الصحفيين والدبلوماسيين والقضاة بحضور تلك الدورات يعتبر نوعا من التجنيد الفكريّ، ولا ينبغي أن يفصل عن سياقه الأكبر في إطار محاولات النظام للسيطرة الكاملة على المؤسّسات فهذه الدورات تمثّل الجانب الأيديولوجيّ للسيطرة، واعتناق أفكار النظام العسكري. وأمام عسكرة جميع مفاصل الدولة، دائما ما تبرر وسائل الإعلام المصرية التي تهيمن عليها أجهزة المخابرات والأمن الوطني، هذه العسكرة بالإلحاح على رسم صورة وردية لضباط الجيش خصوصا كبار الجنرالات. ويدللون على ذلك بالحديث الضعيف الواهي "إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا ، فذلك الجند خير أجناد الأرض. فقال له أبو بكر : ولم ذلك يا رسول الله؟ قال : لأنهم في رباط إلى يوم القيامة"، متجاهلين الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم الذي يوصي فيه بالشعب لا الجيش؛ فعن أبي ذر عن النبي (صلى الله عليه وسلم): "إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم ذمة ورحما". فهل الصورة الوردية للمؤسسة العسكرية وجنرالاتها الكبار وضباطها والتي تلح عليها وسائل الإعلام تتطابق أو حتى تقترب من الواقع والحقيقة؛ أم هي حملة تضليل وتدليس مع سبق الإصرار والترصد؟ وإذا كانوا شرفاء وأكفاء ومخلصين إلى هذا الحد فلماذا يتفشى الفساد في بلادنا؟ ولماذا تخلفنا إلى هذا الحد المهين عن باقي أمم وشعوب الأرض؟ ولماذا بتنا عالة على الجميع فلا نجيد الفخر إلا بالماضي البعيد بينما واقعنا شديد البؤس والشقاء، ومستقبلنا تحاصره الكوابيس والألغام؟!