في زمن الانقلاب يتحول المصريون وجراحهم وآلامهم إلى مزار سياحي، حتى إنك تستطيع بحفنة دولارات أن تلتقط صوراً مع مواطن شنق نفسه بعدما عجز عن سداد ديونه، أو صورة أخرى مع جثة أم التهم جسدها الحريق بعدما أصابها اليأس وفشلت في إطعام أولادها، وصورا كثيرة مع المشردين من أطفال الشوارع، أو حتى صورا مع جثث أطفال بلا أحشاء وجدوهم على قارعة الطريق، تثبت جثامينهم أن مصر قد غرقت في بحر الأمن والأمان، أو لو كنت تجيد الغوص والسباحة فبإمكانك رؤية حطام عبارة مصرية غرقت بعدما تجاهلت استغاثتها القوات المسلحة، وتركتها تصارع الأمواج وأسماك القرش طوال 9 ساعات، وستروي لك الحطام بعد 27 عاما من الرعب الذي عاشه الضحايا، وربما سمعت صوتا يأتي من أعماق المأساة لبكاء طفل ونحيب أم وصراخ أب. الكارثة.. متحف مائي ولأن السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي يسارع الزمن لبيع كل شئ في مصر حتى آلام الضحايا، فقد تحول موقع غرق العبارة «سالم إكسبريس» في 15 ديسمبر 1991، أثناء قدومها من ميناء جدة السعودي وقبل وصولها ميناء سفاجا فى البحر الأحمر بنصف الساعة، إثر اصطدامها بالشعاب المرجانية، إلى أهم مناطق رحلات سياحة الغوص على حطام السفينة بالنسبة للسائحين الأجانب من مختلف الجنسيات، وهو ما يجلب الدولارات ويضخها في جيوب العسكر. يقول الناشط محمد القنصل:" 1991 سفينة سالم إكسبريس ورحلة عمال مصريين غلابة راجعين مصر السفينة غرقت وغرق معاها حوالي 470 روحا وبعد اكتر من 20 سنة من غرق السفينة المكان اتفتح للغطس ودي صور منها مع كل صوره هتشوف حكاية أب ربنا يرحمهم جميعا..". لن تسقط ولأن الجريمة لا تسقط بالتقادم فإن السفينة التي راح ضحيتها 500 راكب، نمت على جسمها وبداخلها الشعاب المرجانية الصلبة والمرنة، وكأنها تحفظ الأدلة لعل جيلا قادما من المصريين يفتح التاريخ الأسود للعسكر ويحاكمهم ولو على الورق، حتى تهدا أرواح الضحايا وتثأر من القاتل الذي تركها تغرق وترقد في سلام، ويتجول الغطاسون داخل العبارة وكبائن الركاب والمطعم والجراج، ويتحركون بين متعلقات الركاب وعجلات الأطفال والحقائب وأدوات الطعام والسيارات الغارقة وقوارب الإنقاذ التي لم تستخدم والتي لا تزال قابعة بالقرب من حطام العبارة. والتقطت عدسات الغواصين قوارب نجاة غارقة فى القاع، وهياكل رماثات نجاة تبدو متلاشية المعالم بفعل الصدأ والتآكل، وراديو وراديو كاسيت أصابهما الصدأ بفعل الغرق ومرور الزمن، وحقيبة مفتوحة ليس فيها ملابس لإنسان أو أى أشياء ويملؤها الماء، وأخرى ممزقة ومثقوبة منظرها يثير الأحزان، وحذاء يخلو من الجلد ساكنا فى القاع ويشهد على الهول الذى كان ومرور الزمان، وصندوق مفتوح تبرز منه أشياء لا تُرى بوضوح ما تكاد تراها العين حتى تضع أمامها علامات استفهام، وآلة كاتبة ساكنة فى القاع صمتُها أبلغ من كل ما كتبته من كلام على مَرِّ ما سبق من أيام قبل غرقها فى الماء. وبجوار تلك الأشياء ترقد على جانبها الأيمن غارقة فى الماء السفينة الكبيرة التى غُطت مساحات كثيرة من بدنها العملاق بالطحالب البحرية والشعاب المرجانية التى لم تسلم منها حتى الدفة والرفاص، شعار الشركة المالكة المثبت على مدخنة السفينة الغارقة تكاد تخفيه الطحالب والشعاب.. واسم السفينة البارز فوق جانبى المقدمة والمؤخرة بصعوبة بالغة يمكن قراءته الآن تحت الماء. كما التقطت عدسات الغواصين سلحفاة وأسماكا وثعبان ماء رصدتها الكاميرات تتجول بين تلك الأشياء التي يبدو بينها الغواص وكأنه رائد فضاء يصور مأساة في كوكب آخر من كواكب السماء، وصارت سفينة الركاب التي كانت تضج بالحياة وتضيق بالزحام مثل كهف في قاع البحر تحت الماء تتخذه الأسماك كمخبأ تدخل فيه وتخرج منه ببطء بصورة تثير الحزن. ما قبل الغرق أبلغ ربان السفينة الكفء "حسن مورو" ميناء سفاجا الساعة 11 مساءً بأنه سيدخل منطقة الشمندورات خلال نصف ساعة، ثم أردفها برسالة أنه يعاني من جنوح السفينة نتيجة اصطدامها بالشعاب المرجانية الموجودة في جنوب الميناء على بعد 16 كيلو متر من الميناء وأنه يتعرض للغرق وطلب الإنقاذ والنجدة الفورية نظراً لاندفاع الماء داخل السفينة وميلها 14 درجة تماما. وعلى الرغم من وضوح إشارة الاستغاثة وضرورة التحرك الفوري لإنقاذ الركاب إلا أن أولى عمليات الإنقاذ بدأت في الساعة 8 صباح اليوم التالي أي أن الركاب تُركوا أكثر من 9 ساعات كاملة معرضين للمياه الباردة والرياح العاتية مع عدم وجود أدوات إنقاذ. أول اتصال من ميناء سفاجا بمسئول كان في الساعة الثالثة صباحاً أي بعد ثلاث ساعات كاملة حين تم إيقاظ محافظ البحر الأحمر وإبلاغه بالحادث، وكما يقول المثل الشعبي (جاي بعد الهنا بسنة) دفعت القوات البحرية بثلاثة لانشات للإنقاذ ودفعت القوات الجوية بخمس طائرات للقيام بعمليات البحث والإنقاذ ولم يعثر للسفينة على أثر ووجد بعض الركاب الناجين الذين تم نقلهم إلي مدينة سفاجا وكان إجمالي عدد الناجين من الحادث 178 راكباً، حيث لم يتم إخلاء العبارة بالطريقة الطبيعية بنزول القوارب ولكنها أحتكت بالشعاب المرجانية وتدفقت المياه داخلها ثم غرقت في أقل من ربع ساعة. جحيم تحت الماء وتعتبر المنطقة التي غرقت فيها العبارة سالم إكسبريس، هي منطقة جحيم للمتواجدين بالمياه حيث أنها مليئة بأسماك القرش والباراكودا، وبالرغم من هذا فقد نجت ممرضة العبارة التي ظلت تسبح لمدة 8 ساعات كاملة حتى وصلت إلى الشاطئ. جدير بالذكر أنه نجا من الكارثة نحو 178 راكب، بينهم ممرضه ظلت تسبح لثمانية ساعات كاملة حتي وصلت للشاطئ، وأحد أفراد طاقم السفينة الذي ظل يسبح لمده 35 ساعة، أما بشأن القضية فقد حكم علي مالك السفينة «سالم عبد الرازق» بالبراءة، وكانت مسئوليته الوحيدة هي دفع التعويضات المالية والتي وصلت ل50 ألف جنيه، حسب وثيقة التأمين، فيما كانت «اللامبالاة» شعار المخلوع مبارك، كما هو شعار السفيه السيسي في كوارث القطارات وغيرها، فكم من التعقيدات التي تواجدت في إجراءات نقل جثث المتوفين وكان أغلبهم من الصعيد.