كشفت مجلة "نيويوركر" الأمريكية عن استفحال السيطرة الإماراتية على مصر بفعل علاقاتها بسلطات الانقلاب، والدعم السخي الذي تم الاتفاق عليه بين ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد وقائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي بتقديم منحة عشرين مليار دولار حال النجاح في الانقلاب على الرئيس محمد مرسي. وقالت المجلة نقلا عن أحد صحفييها المخضرمين، ديكستر فيلكينز، في تقريرها اليوم الخميس، إنه بعد انتخاب الرئيس محمد مرسي، جُنّ جنون الإماراتيين والسعوديين، وبدأ محمد بن زايد استثماره في مصر، لكن بشكل مختلف هذه المرة. فبالتعاون مع رئيس الاستخبارات السعودية في ذلك الوقت، بندر بن سلطان، تواصل محمد بن زايد مع وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي، والذي كان قد عُين في منصبه قبل ذلك بأسابيع. كان العرض الذي قدمه بن زايد للسيسي بسيطًا، ويبدو أنه كان من النوع الذي لم يمكن رفضه، 20 مليار دولار فورًا إذا انقلب على الرئيس مرسي. ولم يرفض السيسي، لكنه طلب وعودًا بالنجاح. بعد أن حصل عليها، وبعد أشهر من قيام الإمارات بالتنسيق لبناء حملة «تمرد»، التي وفرت الغطاء الشعبي لحركة السيسي، كان الفريق يتلو بيانًا يعلن فيه الانقلاب. الجيش شريك رجال الأعمال وقال التقرير إن الجيش قدم نفسه، ليس كمنافس للقطاع الخاص فحسب بعد الانقلاب، ولكن كشريك لرجال الأعمال أيضًا. في العام الأول للانقلاب، حصل الجيش على عقود من وزارات الصحة والنقل والإسكان والشباب بقيمة مليار دولار على الأقل لتنفيذ مشاريع بنية تحتية كبيرة. وأضاف أن التوسع الكبير لاقتصاد الجيش كان يحتاج لعدد من التعديلات القانونية والتشريعية. يمتلك الجيش ما يُقدر ب87٪ من أراض البلاد بفضل قرار رئاسي صدر عام 1997 منح القوات المسلحة الحق في إدارة جميع الأراضي غير الزراعية وغير المستثمرة. هذا الحق يتطور في التشريعات اللاحقة، والتي صدرت في العام الذي تلا ثورة يناير، والأعوام التي تلت تحرك الجيش في 2013، ليصبح حقًا في استثمار هذه الأراضي مع شركاء محليين وغير مصريين، وليصبح له الحق في أولوية الحصول على الأراضي قبل بقية الوزارات وأجهزة الدولة، وكذلك حق نزع ملكية الأراضي والمنشآت من أي جهة. هذا بخلاف القدرة الهائلة للجيش على استخدام الموارد بلا مقابل تقريبًا، إذ يمتلك الجيش قوة هائلة من الأيدي العاملة الرخيصة قوامها المجندون الإلزاميون، بالإضافة إلى أن واردات الجيش معفاة تمامًا من أي جمارك، كما أن أرباحه معفاة من الضرائب. وأشارت إلى أن الجيش استغل علاقته بحكام دولة الإمارات بعد الانقلاب العسكري، ووقّعت الحكومة المصرية ودولة الإمارات اتفاق منحة في أكتوبر 2013، تموِّل بموجبها الإمارات عدة مشروعات تنموية في مصر. ويعهد الاتفاق إلى الجيش على وجه التحديد الإشراف على بناء وتنفيذ عدد من هذه المشاريع الحيوية. وتبلغ قيمة المنحة عدة مليارات من الدولارات في شكل مساعدات اقتصادية وتنموية بقيمة 4 مليارات و900 مليون دولار. مشروعات إماراتية وقال الباحث أحمد مرسي، خلال تقرير في "كارنيجي للسلام"، في النصف الأول من عام 2014، وقّع الجيش عقداً لإقامة مشروعين إسكانيين مع شركات إماراتية، بمعزل عن المبالغ المالية الكبيرة التي تعهّدت حكومة الإمارات بتقديمها لمساعدة الدولة المصرية. تم توقيع المشروع الأول في فبراير، عندما وقعت شركة إعمار مصر، وهي شركة تابعة لشركة إعمار العقارية في الإمارات، اتفاقاً مع وزارات الدفاع والإسكان والتنمية المحلية لبناء مشروع «إعمار سكوير»، كجزء من المشروع الإسكاني «أب تاون كايرو». وتتضمّن صفقة «إعمار سكوير» نقل معسكرات تابعة للجيش إلى أماكن جديدة وتطوير مستوى البنية التحتية في المنطقة. وأعقب هذا الاتفاق توقيع عقد مشروع إسكاني آخر لذوي الدخل المنخفض بقيمة 40 مليار دولار، في مارس، مع شركة بناء إماراتية أخرى هي «أرابتك». وتتضمّن الصفقة بناء مليون شقة تغطّي 160 مليون متر مربع (1.722 مليون قدم مربعة) في 13 موقعاً في مصر. وفي صيف 2017، وافق السيسي على إنشاء شركة تنمية رئيسية مشتركة بين الهيئة العامة الاقتصادية لمنطقة قناة السويس ومجموعة موانئ دبي العالمية لتنفيذ مشروعات في منطقة قناة السويس الاقتصادية. مناطق سرقتها الإمارات واضطرت مئات العائلات في مثلث ماسبيرو للرحيل عن المنطقة بعد هدم منازلهم من أجل تطوير المنطقة بالشراكة مع شركات خليجية واستثمارات إماراتية ضخمة، وأكمل الإماراتيون محاولات استثماراتهم في القطاع العقاري المصري على الرغم من عدم استطاعتهم إتمام صفقة بناء العاصمة الإدارية الجديدة مع الحكومة المصرية، بسبب «عدم التوصل لاتفاق يرضي الطرفين»، حسبما قال رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار، رئيس مجلس إدارة شركة إعمار العقارية. عاد العبار من جديد، ولكن إلى قلب القاهرة هذه المرة، من خلال تطوير مثلث ماسبيرو، والذي تحدثت مصادر مختلفة عن استثمارات إماراتية وخليجية هائلة من أجل «تطوير» المنطقة المحورية في القاهرة. تطوير المنطقة سيقتضي إخلاء ما يقارب من 70 فدانًا من الأرض التي تمتلك منها الدولة حالياً 10% فقط، في حين تخضع 25% من الأرض لملكية الأفراد. والمساحة المتبقية مملوكة لأربع شركات سعودية وكويتية بالإضافة إلى شركة إعمار الإماراتية التي دخلت في شراكة مؤخرًا، وأيضاً لشركة ماسبيرو للتنمية العمرانية. وعلى الرغم من أن الإمارات كانت ثالث أكبر دولة من حيث الاستثمار في مصر عام 2013، والثانية عربيًا بعد المملكة العربية السعودية، غير أن أبوظبي تصدرت الترتيب بتصريحات لوزير الاقتصاد الإماراتي سلطان المنصوري في مارس من العام الجاري أكد فيها أن «استثمارات الإمارات بمصر هي الأكبر بين استثمارات الدول العربية، كما أنها الأكثر تنوعاً». وبحسب المنصوري فإن عدد الشركات الإماراتية العاملة في مصر يتجاوز حالياً 877 شركة تعمل في 15 قطاعاً اقتصادياً مختلفاً. سيطرة إماراتية صحية وفي القطاع الصحي نجحت شركة أبراج كابيتال الاقتصادية الإماراتية العملاقة، والمتخصصة في إدارة الملكيات الخاصة، في إتمام أكثر من صفقة استحواذٍ لها على أكبر كيانات طبيّة داخل مصر، نقلتها من مجرد مُستثمر إلى مُحتكر لهذا القطاع الذي يخدم الملايين من المواطنين. شملت صفقات الاستحواذ للشركة الإماراتية، شراء 12 مستشفى خاصًا، أبرزها مستشفى «القاهرة التخصصي»، و«بدراوي»، و«القاهرة»، و«كليوباترا»، و«النيل»، بجانب معامل التحاليل الأشهر: «المختبر» و«البرج»، وتأسيس شركة جديدة تضم المعملين، وإتمامها صفقة شراء شركة آمون للأدوية. تقرير آخر صدر من وزارة الاستثمار بحكومة الانقلاب قال إن حجم استثمارات قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الإماراتي في مصر بلغ حوالي 2.08 مليار دولار، وأضاف التقرير أن رأس المال المصدر لهذه الشركات 2.6 مليار دولار، في حين بلغ رأس المال المدفوع 2.6 مليار دولار أيضًا. ولذلك فإن توسُّع الإمارات بهذه الاستثمارات الضخمة في هذا القطاع الذي تضع الجهات الأمنية الكثير من القيود عليه، أمر كاشف عن حجم النفوذ السياسي الذي تتمتع به أبوظبي في مصر. قطاع النفط كما توسّعت أنشطة شركة إمارات مصر البترولية خلال الأعوام الأخيرة، إذ بلغ عدد محطات الخدمة وتموين السيارات التي تتبعها 15 محطة، وسط خطة رسمية بمضاعفة أعدادها خلال السنوات الخمس المقبلة. كما دخلت الشركة الإماراتية في شراكة مع شركة مصر للبترول التي تتبع الهيئة العامة للبترول في مشروع «أمصرجيت» لتموين الطائرات بمطار برج العرب الدولي منذ عام 2014، والذي يضم أنابيب ومستودعات وتشغيل وإدارة محطة لتموين الطائرات باستثمارات أكثر من 50 مليون جنيه. ويمتد تعاون الشركة الإماراتية من مشروعات تموين الطائرات إلى العمل في 12 مطارًا إقليميًا بمصر من خلال اتفاقية تجارية بين الجانبين. وبدأت شركة أدنوك للتوزيع – إحدى شركات مؤسسة بترول أبوظبي الوطنية، خطة استثمارية جديدة داخل مصر، تستهدف توزيع الزيوت والمنتجات البترولية للشركة في 26 محافظة، أي تغطية السوق المصري بالكامل من خلال وكيلها في مصر وهو شركة كابيتال. ومنحت استثمارات الشركة الإماراتية داخل مصر حق الاستحواذ على 10% من السوق المصري، فضلًا عن البدء في استثمارات جديدة تتعلق بفتح ورش لصيانة السيارات تتبع الشركة. السيطرة على النقل وفي قطاع النقل بدأت الاستثمارات الإماراتية في قطاع النقل في الازدهار منذ منتصف العام الماضي، بعد البدء في مشروع النقل الجماعي الذكي داخل محافظاتالقاهرة الكبرى من خلال 180 حافلة، وهو المشروع الذي استثمرت فيه شركة مواصلات مصر، التي تستحوذ مجموعة الإمارات الوطنية على 70% من رأسمالها، بنحو مليار دولار. وطرحت شركة مواصلات مصر، التي نجحت الشركة الإماراتية في الاستحواذ عليها العام الماضي، مؤخرًا مناقصة لتوريد 236 سيارة نقل جماعي، بدأت مرحلتها الأولى من خلال 100 ميني باص و80 أتوبيسًا ذكيًا، 30% منها معدة لاستخدام ذوي الاحتياجات الخاصة. كما أعلنت عنها وزارة الإنتاج الحربي في عام 2017 خطة لزراعة 20 مليون نخلة مع شركة إماراتية وبناء مصنع لصناعة السكر من إنتاجها من التمور. وفي مارس 2015 أعلنت مصر إطلاق اسم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على الطريق الواصل بين القاهرة والعاصمة الإدارية الجديدة، ومازال تدفق الحكم الغماراتي يسيطر على الأمور في مصر، حتى أن الإمارات كانت تشرف على اختيارات الحكومة، وتدريب الوزراء العاملين بها، وتدريب الكوادر الحكومية والشكل الإداري الذي تدير به دولة الانقلاب مصالحها الحكومية. وعلى السلاح أيضا بخلاف ذلك، يبرز الدور الإماراتي في استيراد مصر للأسلحة، فقد تحدثت تقارير صحفية عن دعم الإمارات لصفقات سلاح مصرية فرنسية شملت طائرات وسفن حربية، وضعت مصر في المرتبة الثالثة عالميًا من حيث حجم استيراد السلاح، كما أهدت الإمارات لمصر منظومة فرنسية للمراقبة الإلكترونية واسعة النطاق.