حتى يوم الجمعة الماضى لم أكن أقدِّر حجم الإجرام الذى يتصف به العسكر الانقلابيون الدمويون.. أعلم أنهم جاءوا لإتمام مهمة قذرة بإبعاد الإسلام عن الحكم، لكن لم أكن أتوقع خلوهم من إنسانية أو شىء من الوطنية. ما جرى فى شوارع مصر، خصوصًا القاهرة، وما رأيته بعينى، جعلنى أجزم بأن الحرب صارت واضحة وضوح الشمس، بين حق وباطل، وإسلام وعلمانية لا تريد الدين، وما يقال عن (خارطة طريق) أو (تصحيح ثورى) أو (تفويض شعبى)، فتلك مهاترات أريد بها العبور على جثث المصريين لإتمام المؤامرة الكبرى بسيطرة العلمانيين والملاحدة على الدولة تحت رعاية القوة الغاشمة للعسكر التى رأينا أحد فصولها المخزية فى قتل الآلاف بالرصاص الحى، وقصف المظاهرات السلمية بالطائرات، وتصفية الأسرى فى السجون، واقتحام المساجد وحرقها، فى سابقة لم تحدث إلا على أيدى الصهاينة التابعين لجيش الدفاع الإسرائيلى. والله ما فعله مبارك على مدار ثلاثين عامًا، بما فيها أحداث ثورة يناير، ليتصاغر أمام مجزرة واحدة من مجازر العسكر العلمانيين التى ارتكبت خلال الأيام الماضية.. لقد شاركت فى جمعة الغضب الأولى عام 2011، وكان أقصى ما فعلته الداخلية هو إطلاق قنابل الغاز على المتظاهرين، باستثناء قلة قاموا بضرب الرصاص الحى.. وشاركت يوم الجمعة الماضى فى المسيرة المليونية التى خرجت من منطقة الهرم، ولضخامة المسيرة التى كنت فى مقدمتها فى منطقة المنيل ولايزال آخرها فى نصر الدين -ظننت أن هذه الأعداد سوف تقنع المجرمين بمراجعة أنفسهم والاستجابة لمطالب الشعب، وقد علمت أن مظاهرات أخرى تقدر بعشرات الملايين انطلقت فى الوقت نفسه فى جميع مدن الجمهورية.. لكن -كما قلت- لم أكن أقدر حجم هذه المؤامرة التى شاركت فيها كل الأطراف، المحلية والعالمية، الكارهة للإسلام الراغبة فى إبقاء مصر فى دائرة التبعية والتخلف.. فما إن اقتربت المسيرة من فندق (الفورسيزون) حتى انهمر علينا الرصاص الحى بطريقة جنونية كأننا فى جبهة من جبهات القتال الحقيقية.. لقد تساقط أمامى عشرات الشهداء الذين كان سلاحهم الهتاف، وسقط مئات المصابين، شبابًا وشيوخًا وأطفالا ونساءً، وهم يلعنون كل من شارك فى المؤامرة أو أمر بتوجيه نيران البنادق والرشاشات إلى صدورهم. عادت المظاهرة من حيث أتت، وقد استقبلها البلطجية بالرصاص من كل مكان مرت به.. وظن الانقلابيون الدمويون أنهم نجحوا فى كسر إرادة المشاركين فيها، وخابوا وخسروا.. والله الذى لا إله غيره، لقد رأيت فى عين كل رجل وامرأة منهم تحديًا وإرادة لم أرهما من قبل، ولا يعلم المجرمون، وقد غرتهم قوتهم، أنهم قد صنعوا ثأرًا شعبيًا كبيرًا لن ينهيه إلا الدم والقصاص. إن شعب مصر الحر لن يقبل أبدًا بالمهانة، ولن يدع الأمور تستقر لعلمانى أو ملحد، ولو كان الجيش فى صفه، ومن أغرى هؤلاء (المغاوير) بجرائمهم فليسرع بالهرب أو الاختباء؛ لأن دماء الشهداء لن تضيع هدرًا.. وإن غفر الشعب، وذوو الشهداء جزء منهم، فلن يغفروا للجيش؛ لأن الرصاصات التى انطلقت من مدافعه إلى صدور رجالنا ونسائنا كان الأولى أن توجه إلى صدور الصهاينة المحاربين، كما كان الأولى أن تسير الآليات والمجنزرات إلى سيناء منزوعة السيادة واستردادها إلى حضن مصر، بدلا من إرهاب المعتصمين فى النهضة ورابعة ودهس العديد من الشباب تحتها وحرق جثثهم بالقنابل الحارقة. ومن ثم فليس لأحد عذر فى ترك هذا الانقلاب يقر؛ لأنه ليس انقلابًا ضد الإخوان كما يحاول إعلامهم الساقط أن يصور ذلك، فى الداخل والخارج، فإن تقديراتى الميدانية لمشاركة الإخوان فى المظاهرات لم تتعد (1%) وقد شاركت فى تقديرات سابقة وثبتت صحتها.. إنما الحرب فى الحقيقة على الإسلام، وقد وضحت جلية من أقوال وتصريحات قائد الانقلاب، ومن الصمت المخزى للدول والهيئات والمنظمات الدولية، ومن تصريحات قادة الصهاينة، ومن فرح الطائفيين الطاغى لهذه الخطوات، وإنفاقهم على مؤيدى الانقلاب بسخاء.. بل إن ما جرى من استهداف المساجد وحرقها وملاحقة الدعاة وشيطنتهم، ليدل على أن المواجهة صارت صريحة، وأن هؤلاء الناس لا يريدون إسلامًا فى هذا البلد، بل يريدونها إباحية جنسية ولهو وفساد.. صحيح سوف يلجأون للقوة، وسوف يستعينون بالجميع علينا، لكننا والله لا نخاف سوى الله، ولا نخشى جبروتهم وقوتهم؛ لأن الله معنا، وهو يدافع عن الذين آمنوا. كل الدماء التى سالت يتحملها العسكر، الذين أيقظوا الفتنة، وأشعلوها لتصير نارًا، أجزم أنها لن تخمد إلا بالثأر.. ولن ينسى الناس، ونحن فى عصر الاحتفاظ بالحدث والمعلومة، ما جرى فى مذبحتى الحرس الجمهورى، وكيف قتل الجيش وضباطه الركع السجود بدم بارد، ولن ينسوا ما جرى فى مذبحة المنصة، ولن ينسوا ما جرى فى رمسيس، ولن ينسوا ما جرى من قتل للشباب العزل فى سجن (أبوزعبل)، وجميعها مذابح لا تقل بشاعة عما قام به جيش الصهاينة ضد (أعدائه) الفلسطينيين.. أما ما جرى فى النهضة ورابعة والفتح، فأعتبرها مذابح تاريخية، لكثرة الشهداء والمصابين الذين وقعوا فيها، فضلا عن اقترانها بجرائم أخرى لا تقل عن القتل نفسه، ضاعت معها الإنسانية والمروءة. أقول للدمويين: والله لن تفلتوا من العقاب، ولو استطعتم لفعلها من سبقكم من المجرمين الذين يتصاغر إجرامهم أمام إجرامكم، والمجرم المخلوع مازال ماثلا أمامكم درسًا وعبرة.. لن أقول لكم أفيقوا، فقد مضى وقت هذا الطلب، ولن أقول لكم كفوا عن إجرامكم.. لكن أبشركم بأن حتفكم صار تحت أرجلكم، قد لا تشعرون لغبائكم ونفاقكم، لكن -والله- لتقتلون القتلة نفسها التى قتلتم بها أشرف الناس وأكرم الناس: الشهداء؛ الذين سوف يقبضون على رقابكم يوم القيامة، وساعتها تتمنون لو قتلتم ألف قتلة، ولكن لا تستطيعون.. وأفوض أمرى إلى الله إن الله بصير بالعباد.