كان الهدف من انقلاب 30 يونيو 2013م، ليس إنهاء لحكم الإخوان المسلمين في مصر بعد أن وصلوا إلى الحكم بنزاهة الصندوق وفي انتخابات حقيقية كانت مثار انبهار العالم كله منتصف 2012م، وفوز الرئيس محمد مرسي بانتخابات الرئاسة، وقبلها فوز الإخوان بالأكثرية في انتخابات البرلمان، بل كان الهدف هو القضاء عليهم كقوة شعبية كبرى تهدد السلطوية العسكرية والحكم الشمولي، وتدفع باتجاه الديمقراطية كإجراء سياسي يحقق أعلى درجات التمثيل الشعبي في الحكم، ويضمن تداولا سلميا للسلطة، وعدم إقصاء أي فصيل سياسي، مع ضمان حرية التعبير عن الرأي واحترام حقوق الإنسان. ظن تحالف الطغيان والاستبداد العربي المتحالف مع القوى الصهيونية في "إسرائيل" وعواصم غربية أخرى منها واشنطن وباريس وغيرها، أن وقف الربيع العربي بدعم الثورات المضادة سوف يحقق لهم ثلاثة أهداف: الأول ضمان حماية المشروع الصهيوني وضمان بقائه واستمراراه؛ لأن الربيع العربي- خصوصا في مصر- كان يمثل أكبر تهديد لهذا المشروع الاستيطاني الاحتلالي المدعوم غربيا. وربما كانت الحرب التي شنها الصهاينة على غزة أواخر عام 2012، والموقف الجريء الذي لم تعهد إسرائيل من قبل من جانب الرئيس مرسي، وأوامره لرئيس وزرائه الدكتور هشام قنديل وعدد من الوزراء، التوجه إلى غزة لدعم الأشقاء، وتحذير الصهاينة من غضبة مصرية، أفضى ذلك إلى وقف العدوان بعد أسبوع واحد، كان ذلك اختبارا لتوجهات الحكم الديمقراطي الجديد في القاهرة، ولما رأى الصهاينة وحلفاؤهم هذا الموقف الشجاع أدركوا أن بقاء الحكم الديمقراطي يمثل خطورة شديدة على وجود الكيان الصهيوني. والهدف الثاني: هو تأديب الشعوب العربية حتى لا تتطلع مرة أخرى إلى الحرية، وتحرير قرارها الوطني من نظم مستبدة أدمنت التبعية لإسرائيل والغرب، ورهنت بقاءها بضمان مصالح الغرب وإسرائيل. وهو ما يفسر عمليات التنكيل والانتقام المتواصلة بحق أنصار ثورة يناير في مصر، خاصة مؤيدي شرعية الرئيس مرسي، كما يفسر الوحشية في الانتقام من الشعب السوري لمجرد مطالبه بالحرية مثل باقي شعوب الأرض. ثالثا: تكريس السلطوية العسكرية بنفوذها الواسع، ما يضع حكم المؤسسة العسكرية في مأزق الشرعية، وبذلك يبقى حكمها ضعيفا وهشا وقابلا للابتزاز، ما يضمن لإسرائيل والغرب وضع جنرالات فسدة على رأس أكبر دولة عربية ورهن شرعيتهم، برضا واشنطن وتل أبيب وعواصم غربية أخرى. الإسلاميون والدولة العميقة وخلال ثورات الربيع العربي، وما جرى خلال وجودها الصغير من انتخابات واستحقاقات ديمقراطية كشفت عن الوزن النسبي للقوى السياسية، والتي كشفت عن أن الصراع غالبا يدور بين تيارين رئيسيين: الأول هم الإسلاميون الديمقراطيون، وهم القوى السياسية التي تؤمن بالعمل السياسي والمسار الديمقراطي كوسيلة للتنافس السياسي عبر الاحتكام إلى صناديق الاقتراع والفوز بثقة الشعب كوسيلة للوصول إلى الحكم، وتمثل هذا التيار في الإخوان المسلمين ومن ثار على دربهم في معظم البلاد العربية التي شهدت موجات الربيع العربي مثل تونس واليمن، وغيرها من النظم التي تسمح بهامش من الحرية لا يقصي أحدا، مثل المغرب والأردن والكويت. التيار الثاني، هم الدولجية، أو المنضوون تحت تيار شبكات المصالح التي تأسست في ظل نظم الاستبداد، وهؤلاء عبارة عن كبار الجنرالات في الجيش والشرطة والمخابرات وقضاة وإعلاميين وصحفيين وموظفين كبار بالجهاز الإداري للدولة، وكان يطلق على كل هؤلاء خلال الربيع العربي "الدولة العميقة" كتعبير عن القوى الخفية التي تتحكم في مفاصل الدولة وتعمل على تقويض النظام الجديد الذي جاء ثمرة لثورة 25 يناير. وهؤلاء دفعوا باتجاه إثارة الفوضى خلال المرحلة الانتقالية وحرضوا على الاحتجاجات وزيادة معدلات الجريمة من أجل الوصول إلى كفر الشعب بالديمقراطية والثورة، وهم من قادوا الانقلاب على ثورات الربيع العربي وفي مصر خصوصا. يعزز من هذا التصور، أن انتخابات الرئاسة في مصر منتصف 2012 كانت بين محمد مرسي، ممثل التيار الأول "الإسلاميين الديمقراطيين"، والفريق أحمد شفيق "ممثل الدولة العميقة والمؤسسة العسكرية"، كما كانت الانتخابات البرلمانية في تونس بين تيارين كبيرين، الأول حزب النهضة التونسي بزعامة الشيخ راشد الغنوشي ممثلا عن تيار "الإسلاميين الديمقراطين، وحزب نداء تونس، الذي تشكل من مراكز القوى في دولة زين العابدين بن علي وبعض رجال الأعمال وعلمانيين جمعهم كراهية حركة النهضة فقط دون أن يكون له أي برنامج سياسي واضح المعالم. الخريطة السياسية بعد الانقلاب وبعد مرور خمس سنوات على الانقلاب، هل تغيرت خريطة القوى السياسية في مصر؟ وما هي القوى السياسية الرئيسية التي كانت قبل الانقلاب سواء منها القديم أو ما نشأ بعد الثورة؟ وما هي القوى السياسية الحالية بعد مرور خمس سنوات من الانقلاب؟ وما هي القوى السياسية التي اختفت عن الساحة بعد خمس سنوات؟ وما هي القوى السياسية الجديدة؟ وما هي القوى السياسية التي تتصدر المشهد السياسي في مصر خلال هذه المرحلة؟ وما هي القوى السياسية التي أفل نجمها وانتهى دورها؟. لا شك أن الحياة السياسية في مصر تراجع دورها وانزوت ولم يعد هناك حياة سياسية حقيقية بعد خمس سنوات من الانقلاب، حيث تراجع دور كافة القوى السياسية التي ارتبطت بالانقلاب تأييدا وصمتا وقبولا، ولم يعد لها وجود على الساحة السياسية حتى بالحد الأدنى من التواجد الصوتي. وبقيت القوى السياسية الرافضة للانقلاب والتي تمسكت بالمسار الديمقراطي هي من تملك رصيدًا شعبيًّا مؤثرًا على الساحة السياسية، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين وكافة القوى المعارضة للانقلاب. بلا شك فإن هذا الرصيد الشعبي ضخم يقدر بالملايين، وإن كان كامنا في ظل تصاعد معدلات القمع الوحشي من جانب السلطات العسكرية الفاشية وأجهزتها الأمنية التي تحولت بفعل الانقلاب إلى مليشيات بلا شرعية أو أي مظلة دستورية أو قانونية. ويبدو مستقبل المشهد السياسي في مصر عبثيا، فلا توجد أصلا سياسة في ظل اعتماد النظام على عصاه الأمنية وتكريس السلطوية العسكرية بالحديد والنار، وتأميم الفضاء السياسي والإعلامي، فلم يبق إلا الموالون للسلطة في السياسة والمطبلون لها في الإعلام.