"الشعب المصري عزيييييم"، ليست مجرد عبارة فحسب بل ملعقة من مرهم الحروق يغترفها السفيه قائد الانقلاب بيده ويضعها على لحم المصريين المشوي بالغلاء، واليوم الثاني من عيد الفطر استغل جنرال الخراب إلهاء الناس في مباريات كأس العالم وعطلة العيد ورفع أسعار البنزين والسولار وأسطوانات الغاز المنزلي بنسب تصل إلى نحو 50%، وذلك عقب رفع أسعار الكهرباء والماء قبل أيام ، ويستمر غلاء الأسعار في ازدياد منذ انقلابه الدموي المشئوم في 30 يونيو 2013. وفيما يبدو أن السفيه السيسي يريد مظاهرات مثل الأردن على أمل أن تقوم دول الخليج بضخ مليارات الأرز تارة أخرى مثل السابق، وهو ما تم عقب الانقلاب الدموي على الرئيس محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد، يقول الكاتب الصحفي محمد عرفة :"كنت بأركب توكتوك مسافة قصيرة وادفع 5 جنية مش عارف هادفع كام الآن بعد ما زاد سعر البنزين؟ كده هاضطر اركب أوبر". وانتشرت دعاوى الجيش للمواطنين بالنزول للتظاهر أيام الرئيس محمد مرسي، وطبعت تشيرتات واستمارات وعلى الحوائط عبارة صاغتها المخابرات الحربية "انزل 6/30 عشان الأسعار غليت البنزين وصل 2 جنيه والدولار 6 جنيه والغاز 15 جنيه"، ويقول الإعلامي والناشط الحقوقي هيثم أبوخليل:" السيسي ينتقم ويشعل النار في أجساد المصريين صباح ثاني أيام عيد الفطر وزيادة هائلة للمرة الثالثة في أقل من عام ونصف في أسعار البنزين والبوتجاز لماذا تعمد إفساد فرحة المصريين في رمضان والعيد بزيادة أسعار الكهرباء والبنزين والبوتجاز؟ لماذا لم ينتظر يومين فقط بعد انتهاء العيد؟". قمع اقتصادي المفاجأة أن موجة الغضب جراء القمع الاقتصادي وسياسية الإفقار المتعمدة، جاءت أعلى نبرة وحدة من صفوف الشريحة التي أيدت انقلاب السفيه السيسي في السابق، لتكشف عن تزايد الشكاوى من الغلاء والحالة الاقتصادية الصعبة، وفيما جاءت بعض ردود شريحة تأييد الانقلاب ناقمة فإن بعضهم أكدوا على استمرارهم في الوقوف معه، وهم فئة الجيش والشرطة والقضاء وبرلمان الدم والعاملين بالجهات السيادية، الذين تضاعفت أجورهم ورواتبهم عشرات المرات منذ الانقلاب الأسود، لكنهم دعوا السفيه السيسي على استحياء للنظر بعين الرحمة للفقراء وأن تكون سكينة القمع الاقتصادي حادة حتى لا يشعرون بالألم جراء ذبحهم بالغلاء. يأتي ذلك بينما تستمر موجة الغلاء مطيحة في وجهها بأحلام البسطاء، ومن المتوقع أن تحدث التغييرات الاقتصادية التي يقوم بها السفيه السيسي بتغيير وجه مصر خلال (5 – 10) سنوات، وسيرى المصريون وطناً لا يعرفوه ولم يتعودوا ويتأقلموا عليه، بلد مختلفة تماما، والثابت إن مصر المعهودة في عقود ناصر والسادات ومبارك ستختفي تماما. وبرأي خبراء ومراقبين سوف تبرز أنماط معيشة جديدة، ونظام طبقي مريع ومرعب، وسوف تتولد ثقافة اجتماعية مختلفة تماما وقاسية جدا، والتضامن الاجتماعي بين المصريين سوف يختفي تدريجيا، وسوف يسود منطق السوق أكتر واكتر، وليست العائلات الكبيرة التي ستختفي فحسب ، بل وحتى التزام الشباب أمام أسرتهم الصغيرة سوف يتقلص وسيرفع الجميع شعار"يالا نفسي". الغلاء سوف يتغلغل أكثر في أكثر حتى يصل إلى نخاع العيشة في مصر، ومن جملة ذلك أن العقارات ستقفز أسعارها، وسوف تخلق نظام جديد مبني على فكرة شقة بمساحة شخص، لأن المستقبل لن يكون معني بتكاليف الزواج وأنماط العيش التقليدي. كما سينهار نمط الوظائف التقليدي تماما، وسوف تنتهي الوظيفة الحكومية للأبد، وتظهر أنماط جديد في الشركات والعمل الخاص وستزيد ضراوة ووحشية التنافس الشرس بين المصريين على لقمة العيش الحاف، ويختفي نمط الاستقلال الصوري، الذي كانت تمنحه الوظيفة الحكومية، ويختفي ويكون دور المواطن المصري في جمهورية الغلاء الجديدة "يا راكب يا مركوب". وباختفاء وتلاشي تضامن الدولة مع الفقير ومحدود الدخل، فأنماط المواصلات والخدمات والأسواق، سوف تتحول إلى نمط حدي، بمعنى أن عالم الأغنياء سيشهد تصاعد أفقي ورأسي، وتكون لهم حكومتهم وخدماتهم وترفيههم وشركاتهم ووظائفهم ورواتبهم. وعالم الفقير سوف يتوسع بأنماط خدمات يتشارك فيها البؤساء ووظائف عبودية جديدة، وستظهر الأسوار العازلة بينهم وبين الطبقة الغنية بدرجاتها، كما يحدث الآن ويتم بنائه في العاصمة الإدارية الجديدة التي ستقصر على الأغنياء والفسدة والانقلابيين وأسرهم وعائلاتهم وحدهم، وحتى لو احتاج هؤلاء لتشغيل بعض البؤساء من الفقراء سيكون بمداومة يومية تنتهي قبيل غروب آخر شعاع من الشمس، ليتم طردهم كل يوم في ذلك الموعد من "يوتوبيا" العسكر وإغلاق الأبواب خلفهم. مفيش رحمة ويضيف الناشط "أبو خليل" :"ما فعله السيسي اليوم حرق لغالبية المصريين، أنبوبة البوتاجاز في يونيو 2017 كانت 15 جنيه، ثم أصبحت بعد زيادتين ب50 جنيه ؟!، بزيادة230٪، لتر السولار في يونيو 2017كان ب235 قرش، ثم أصبح بعد زيادتين 550 قرش بزيادة130٪ ، هل دخول ومرتبات المصريين زادت بمثل هذه النسب؟". الغلاء في جميع الاتجاهات يحيط بالمواطن المصري، ومعاناة شبه يومية في العمل، وأوجاع متكررة في ظل ظروف اقتصادية صعبة استمرت لأكثر من 7 سنوات بعد ثورة 25 يناير 2011، باستثناء العام (2012 /2013) اليتيم الذي انتخب الشعب فيه الرئيس محمد مرسي، حيث استقرت الأسعار عند أدني مستوياتها مقارنة بالمحرقة الدائرة اليوم. وحدثت خلال تلك السنوات زيادات متكررة بأثر رجعي في أسعار السلع والخدمات الضرورية للمعيشة مع ثبات دائم للأجور والرواتب للمدنيين دون غيرهم، والتي تتحرك ببطء شديد مثل السلحفاة وحياة أقرب إلى التقشف لم يعد يتحملها أحدهم مع كل زيادة جديدة في الأسعار. يقول الناشط أنس حسن:"وفي ظل كل المعطيات دي مش هيفيدك دلوقت حالا شجب الواقع ده والاعتراض عليه وإنما أمامك قرار تختار تكون في أي فريق من الاثنين، وتشتغل على ده لأنه مفيش رحمة ف اللي جاي". في إطار خطة إلغاء الدعم المقدم للمصريين والذي هو في النهاية ناتج ثرواتهم الطبيعية المنهوبة والتي منحها الله لهم، ارتبط ذلك الخراب العسكري والإفقار المتعمد ببرنامج القرض الدولي المقدم من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار، إلى حكومة العسكر، وفي مقدمتها تأجيل إلغاء دعم الطاقة وتخفيض عجز الموازنة العامة للدولة بحلول يونيو 2019 ، وبدأت حكومة الانقلاب في زيادة الأسعار للمرة الثالثة خلال عامين دون أن تكون هناك أي زيادات في الرواتب للموظفين والعاملين بالدولة. ويتابع الناشط "أبو خليل" :"كل واحد قاعد دلوقتي علي الفيس وتويتر يقولك الشعب يستاهل لإنه راضي بالذل! لا يا محترم الشعب مش راضي والشعب الآن فيه آلاف منه شهداء في المقابر وعشرات الآلاف معتقلين في السجون علشان مش راضي بس حضرتك بتبرر هروبك وخوفك وبترميه علي الشعب وكأن حضرتك كائن فضائي مش من البلد دي!".