أعلنت سلطات الانقلاب البدء في استيراد الأرز، وتحولت مصر بقدرة قادر من دولة مصدرة إلى دولة مستوردة، وقال رئيس وزراء حكومة الانقلاب شريف إسماعيل إن مصر ستبدأ استيراد الرز، وهو محصول كانت عادة ما تحقق فائضاً فيه، وذلك لزيادة المعروض ومن أجل ضبط السوق. يأتي ذلك بعد حملة شنتها سلطات الانقلاب لتقليص الإنتاج المحلي من الرز، وعمدت حكومة العسكر هذا العام إلى تقليص زراعة الرز، كثيف الاستهلاك للمياه، من أجل تقليل استهلاك ماء النيل مع تأهب إثيوبيا لملء خزان سد النهضة العملاق البالغة كلفته أربعة بلايين دولار، والذي تبنيه في منابع النيل وتخشى القاهرة من أنه قد يهدد ما لديها من مخزون مائي. وزادت سلطات الانقلاب في وقت سابق من هذا العام غرامات زراعة الرز في شكل غير قانوني، وأصدرت قراراً يسمح بزراعة 724 ألف فدان فقط بهذا المحصول، بانخفاض حاد عن 1.1 مليون فدان العام الماضي، و1.8 مليون فدان يعتقد تجار الغلال أنها كانت تزرع فعلياً. وتوقع خبراء ومزارعون أن يؤدي ذلك لمضاعفة أسعار الأرز، الأمر الذي سيزيد تدهور أوضاع المصريين الاقتصادية، حيث يعتبر الأرز من السلع الغذائية الرئيسية ويأتي في الأهمية بعد القمح. ووفق مراقبين، فإن القرار سيضطر حكومة الانقلاب للتوسع في استيراد الأرز، وهو ما سيزيد الضغط على النقد الأجنبي حيث يبلغ سعر الطن المستورد أربعمائة دولار (قرابة سبعة آلاف جنيه)، في حين كانت الحكومة تشتري الطن المحلي من الفلاحين بنصف هذه القيمة. كما حذر خبراء من فساد خصوبة نحو مليوني فدان بعد إصابتها بالملوحة التي كانت زراعة الأرز تقوم بغسلها سنويا، وكذلك ارتفاع أسعار البذور والأسمدة، أما نقيب الفلاحين السابق عبد الرحمن شكري فيعتبر القرار انعكاسا واضحا وجليا لحالة الفساد المستشرية في مفاصل الانقلاب، وانحيازا لصالح رجال الأعمال والمقربين من السيسي المنتفعين من عمليات الاستيراد المنتظرة للأرز بعد قرار خفض زراعته محليا. وتساءل شكري باستنكار عن سبب استهداف محصول رئيسي للمواطن المصري كالأرز بحجة مواجهة أزمة الماء، في حين توجد محاصيل أقل أهمية تستهلك كميات مياه كبيرة كالموز، وكشف عن فساد أكثر من ثمانين ألف طن أرز تم استيرادها الموسم الماضي بسبب رداءتها. ويرى نقيب الفلاحين السابق أن عصابة السفيه السيسي تعمل وفق خطة ممنهجة للقضاء على قطاع الزراعة عامة والمحاصيل الرئيسية خاصة، وأن تلك الخطة بدأت بمحاصيل القمح والقطن وقصب السكر، وتستهدف الآن الأرز. ويعتبر شكري سياسة السفيه السيسي في التعامل مع ملف سد النهضة "خيانة عظمى" تستدعي المحاكمة، ويرى أن الآثار المتوقع ترتبها على ذلك ستتجاوز قطاع الزراعة إلى مياه الشرب والثروة السمكية والحيوانية والنقل النهري. كما يرى الإعلامي المتخصص في الشأن الزراعي جلال جادو أن ضرر فلاحي مصر يزيد بسبب قرار خفض المساحات المزروعة بالأرز، فهؤلاء سيتجرعون نار ارتفاع أسعاره، ويفقدون العمل في محصول عائده الاقتصادي مرتفع، وكشف عن ارتفاع سعر طن الأرز بمقدار مئة جنيه غداة القرار الحكومي، متوقعا ارتفاعات غير مسبوقة لأسعاره الموسم المقبل، وهو ما يشكل كارثة كبرى ستتزامن مع تدهور قطاع الزراعة بسبب خروج رقعة كبيرة من المساحة الزراعية. وأوضح أن المصريين يستهلكون قرابة خمسة ملايين طن من الأرز، ومع خفض المساحة سينخفض الإنتاج كثيرا، وهو ما ستكون معه مصر مجبرة على استيراد أكثر من مليوني طن من الأرز الذي لن يكون بجودة الأرز المصري، فضلا عن ارتفاع أسعاره. وحذر فلاحون مصريون من تبعات القرار، وقال عاطف حسن، مزارع: "لا أتخيل أنه يمكنني وملايين المزارعين من أصحاب المساحات الصغيرة الاستغناء عن زراعة الأرز أو عن طهيه بشكل يومي، أو التربح من محصوله كل صيف"، واصفا ما قد يحدث للأسر المصرية والفلاحين بأنه "خراب للبيوت". مضيفاً: "يا سيدي على الحكومة أن تجد لي البديل قبل أن تتخذ هذا القرار"، مؤكدا أن الأرز بالنسبة لكل بيت في مصر وخاصة الريف أهم بكثير من رغيف الخبز، فهو يمثل مع أي خضار الوجبة الرخيصة التي يعتمد عليها كل بيت، في ظل ارتفاع أسعار اللحوم والأسماك.