كانت توقعات المتفائلين تشير إلى أن سلطة الانقلاب قد تلجأ إلى تخفيف القبضة الحديدية المستمرة منذ انقلاب 3 يوليه 2013، وفق تصور أن الأمور استقرت للانقلاب بعد الإجراءات القمعية و36 مذبحة للشعب وامتداد القمع لكل السياسيين لا الإخوان فقط، والدعم المتواصل من الخليج والغرب للانقلاب. بيد أن ما حدث كان العكس تماما، بل وتشددت سلطة الانقلاب في عمليات القمع والاعتقالات والتضييق على الشعب امنيا واقتصاديا بصورة غير معهودة، ما يعطي مؤشرا ودلالات واضحة على عدم استقرار نظام الانقلاب واستمرار مخاوفه من السقوط والمحاسبة على الجرائم التي ارتكبها. واللافت هنا أن المنظومة الانقلابية التي تتشكل من جنرالات الجيش والشرطة وقضاة الانقلاب والنيابة وبعض رجال الاعمال والتكنوقراط، توافقت في دعمها وتنفيذ قدر كبير من البطش مع بدء الفترة الثانية المغتصبة من رئاسة السيسي، لأنهم جميعا متورطون في القتل والقمع واصدار الاحكام الباطلة المفبركة والاستفادة من نظام الانقلاب والنهب المنظم من قبلهم لأموال الشعب. من هنا يمكن فهم عمليات القمع المتزايدة والاعتقالات التي تطال جميع السياسيين إخوانا وحتى مؤيدي الانقلاب ومن يسمون "تيار 30 يونية 2013" الذي مهد للانقلاب، وصمت 0خرين مثل فريق حمدين صباحي، والتي طالت نشطاء مثل حازم عبد العظيم أحد اعضاء حملة السيسي الانتخابية 2014 الذي أعلن توبته وهاجم السيسي بعنف، ووائل عباس الذي رفض 30 يونية منذ بدايتها، وشادي الغزالي حرب وعشرات 0خرين من التيارات اليسارية والليبرالية، بخلاف استمرار اعتقالات الإخوان. ويتوقع خبراء أن تكون هذه الحملة أوسع وتتحول "موجة"، تستمر حتى 30 يونية المقبل، لأن هناك حزمة إجراءات خطيرة متوقعة سيترتب عليها تغيرات واسعة في البنية التحتية لمكونات المجتمع واختفاء الشريحة المتوسطة والانتقال إلى شريحة الفقر والفقر الشديد، لن يسلم منها أحد. ولذلك يتوقعون أن تطال حملة الاعتقالات الجارية الكل؛ لأن سلطة الانقلاب في حاجة لتأمين الساحة قبل القرارات القادمة، ورفع الجزء الأكبر من دعم الطاقة فضلا عن قرب إعلان ترامب لصفقة القرن الشهر القادم. ويتوقعون أن يسبق 30 -6 إجراءات شاملة ضد الشعب كله وليست ضد فصيل سياسي بعينه أو معارضي الانقلاب والهدف منها تجفيف منابع أي شخص يمكن أن يعترض على هذه الإجراءات وتكبيل الساحة الشعبية لمنعها من اتخاذ أي مواقف ثورية. وتشمل هذه الإجراءات حملات الاعتقال الواسعة التي تتم في كافة المحافظات، واعتقال كافة المعارضين حتى ممن سبق وأيدوا الانقلاب، إجبار وايت نايتس والتراس أهلاوي على حل روابطهم التي ازعجت الانقلاب وكانت تهتف ضده في المدرجات وتحرك الشارع، وتكثيف الانتهاكات داخل المعتقلات لإرهاب الناس من فكرة دخول المعتقل في ظل الوضع الحالي. فمن الواضح أن تزايد وتيرة الانتهاكات مرتبط بالتمهيد لإجراءات 30 – 6 القادمة والتي ستشهد زيادات غير مسبوقة في الأسعار في أول مواجهة من نوعها ضد كل مكونات الشعب المصري، وهي إجراءات يتوقع الخبراء أن تكون واسعة وشاملة وضاغطة ولن يتمكن الشعب المصري من تحملها أو التعامل معها، وستزيد حالة الغليان في الشارع بصور أكبر من انتفاضة المترو العفوية ولكنهم يسعون لاعتقال وتخويف من يفكر في الاعتراض. لهذا تأتي الحملات الأخيرة ضمن استعدادات سلطة الانقلاب بكتلة إجراءات قمعية غير مسبوقة تمهيدا لإجراءات 30-6 وما بعدها، ولضمان التمهيد لتثبيت دعائم نظام انقلابي مستقر 30 عاما على الاقل على غرار نظام حسني مبارك سواء بالتمهيد لتدشين الحزب الوطني الجديد، أو تعديل الدستور لبقاء السيسي مدي حياته. هل تنجح إجراءات القمع؟ ستكون الآثار التي ستترتب على إجراءات 30 -6 شديدة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، أكثر منها على المستوي السياسي، فالاعتقالات لرموز سياسية شهيرة بغية منع الاحتجاجات كليا ولو على مواقع التواصل، لن يغير كثيرا من واقع وجود قرابة 60 ألف معتقل وراء القضبان وقتل الانقلاب المستمر للمحتجين في الشوارع والمعتقلات وبالإعدامات. فالإجراءات الاقتصادية والاجتماعية تطال 100 مليون مصري بعكس الاجراءات السياسية التي تطالب السياسيين أو المواطنين المعارضين للانقلاب سياسيا، ما يعني صعوبة التحكم في تيار النهر الشعبي الجارف بمثل هذه الاجراءات القمعية بسجن واعتقال معارضين، بدليل انتفاضة المترو العشوائية التي يتوقع أن تتكرر في مناطق اخري ومحطات نقل الركاب او الاسواق وغيرها. لهذا يمهد الانقلاب من الان لتكرر مشهد تحويل محطات المترو عقب انتفاضة المترو الي ثكنات عسكرية من الداخل والخارج ونشر قوات الجيش والشرطة في كل انحاء مصر بدعاوي تامين احتفالات 30 يونية التي اختفت اصلا، بينما الامر متعلق بتأمين الانقلاب قبل قرارات رفع اسعار الوقود والكهرباء وعشرات السلع والخدمات عقب ذلك مباشرة. فنظام السيسي يشعر بالذعر الشديد من ثورة شعبية غاضبة على نظامه الغير شرعي خصوصا بعدما انتهي عصر السهوكة والخداع، لذلك يحاول نشر الخوف في اوساط خصومة، المطالبين بالديمقراطية، بمزيد من الاعتقالات التعسفية المغلفة بقرارات نيابة، للظهور بها كإجراءات غير شرعية يدعمه فيها رموز الدولة الانقلابية العميقة في النيابة والمحاكم. لا يتوقع بالتالي أن تنجح الإجراءات القمعية ضد السياسيين في منع الشعب نفسه من الغضب والثورة ولو نجحت الة قمع السيسي في منع ووأد أي احتجاجات قبل ان تطور إلى ثورة فلن يزيد هذا سوى الغضب الشعبي الذي سيتصاعد ويتحول الي ثورات ضد الجوع والافلاس والقتل الممنهج لمن يحتجون علي الغلاء ولن تفرق الاجراءات القمعية بين السياسيين أو الصحفيين أو الحزبيين أو النشطاء او الشعب نفسه والموظف الغير قادر علي الانفاق علي اسرته أو العاطل الذي لا يجد امامه سوي الانتحار او الغضب ففي الحالتين هو يعتبر نفسه "ميت".