توقفت فى المقال السابق عند عرض التحديات الداخلية التى سيواجهها الرئيس "مرسى"، ولم أستكمل عرض هذه التحديات كاملة، نظرا لطول الموضوع، ولذلك سوف أطرح بقيته، حينما توقفت بعد عرض التحدى الأول ألا وهو وضع الدستور الجديد، أماالتحدى الثانى فهو انتخاب برلمان جديد. حالما يُعتمَد الدستور الجديد، أى فى موعد ما فى الخريف المقبل على الأرجح، وعلى إثره ستجرى الانتخابات البرلمانية، فى حالة حكم المحكمة الإدارية بقانونية حل البرلمان أو عدمه، فكلا الحكمين فى صالح التيارات الإسلامية، فإعادة الانتخابات الثلث أو إعادتها كاملة ستصب فى فوز الإسلاميين؛ لأن التيارات العلمانية بعيدة عن الشارع، وليس لها أثر فعلى، ومن ثم سيبدأ خصوم الإخوان المسلمين والإسلاميين بحملات تشويه وتشهير ضد التيار الإسلامى عامة فى كافة وسائل الإعلام، فهم يتوقّعون حسب وجهة نظرهم ألا يفوز الإسلاميون بمقاعد عديدة كما حصلوا فى الانتخابات التى أُجريَت فى وقت سابق من هذا العام، ذلك أنهم فقدوا ثقة العديد من المصريين فيهم، قد يكون هذا التوقّع صحيحًا، إلا أنه يستحيل التأكّد منه الآن. لكن الواضح أن الأحزاب العلمانية ستخسر فى الانتخابات البرلمانية إذا تمت إعادتها بشكل كبير، وستكون السيطرة كاملة للتيار الإسلامى أكبر من الانتخابات السابقة، فقد كانت حجة هذه الأحزاب أن أداءها فى الانتخابات السابقة كان ضعيفا؛ لأنها لم تجد متُسعًا من الوقت لإجراء التنظيم اللازم، وهى أيضًا حاليًا فى حالة الضعف، ولا يبدو أنها تبذل الجهود الهائلة لبناء نفسها كما يجب لتحقيق النجاح فى المرة المقبلة، ومن ثم ستكون الخسارة من نصيبها، لكنها ستلجأ إلى التشويه والإساءة لحكم الرئيس "مرسى" بامتلاكها كافة وسائل الإعلام الورقى والمرئى والمسموع. التحدى الثالث: النظام السابق فهذا التحدى يعتمد على القرارات التى سيتّخذها المجلس الأعلى والرئيس "مرسى"، وبشكل أشمل المؤسسات والشخصيات التابعة للنظام القديم، فالنظام السابق لا يزال يسيطر على مؤسسات الدولة وكافة الأجهزة الحكومية، فهل تتناغم هذه المؤسسات مع برنامج مشروع النهضة لمصلحة الوطن أم أن تكون إعاقة لمشروع النهضة وإعاقة بناء الوطن؟ فتطهير هذه المؤسسات وإعادة هيكلتها يتطلب فريقا وزاريا قويا ويخشى الله ويتقيه، ولكن هل يترك المجلس العسكرى الرئيس "مرسى" نحو تغيير بعض الشخصيات الفاسدة فى مؤسسات الدولة، وعلى الأخص مؤسسة الرئاسة؟! فإن القيادات العليا فى الرئاسة من رجال "زكريا عزمى" ومنهم العسكر، ومن ثم سيمثل هذا معضلة للفريق الرئاسى الجديد (فريق محمد مرسى) فهذا يمثل تحديا قويا؛ لأن نجاح مؤسسة الرئاسة مفاده نجاح الرئيس فى إدارة أمور الدولة، فالرئاسة أصابها العطب والعفن؛ نتيجة سيطرة رجال "زكريا عزمى" على مقدراتها ومخصصاتها مما أدى إلى تهميش أصحاب الكوادر والخبرات فيها، فالمجلس العسكرى قد أظهر مؤخرا أنه مصمّم على استعمال نفوذه هذا فى عدم استبعاد بعض رجاله من العسكر، ولا سيما فى أقواس المحاكم ومؤسسة الرئاسة، من أجل كبح الإخوان. التحدى الرابع: تشكيل حكومة ائتلافية وهذا أهم اختبار للرئيس "مرسى"، وهذا يتطلب استعداد الإخوان المسلمين وحزبهم للإسراع بتشكيل التحالفات والمصالحة الوطنية، والعمل بفاعلية مع القوى السياسية الأخرى التى تسعى إلى التغيير، وهذا يعنى أن الرئيس "مرسى" يحتاج إلى مساندة القوى الليبرالية لتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة، وهو ما بدأه الرئيس الجديد عبر لقاءاته مع مختلف الكتل والشرائح وخطابه الوطنى والقومى الانفتاحى الذى ألقاه فى ميدان التحرير يوم الجمعة 19/6 أمام الحشود المليونية التى هتفت للرئيس الجديد ونددت بالإجراءات الأخيرة لحكم العسكر والذى يسعى المجلس العسكرى للحفاظ على حقه -كما يدعى- للدفاع عن مدنية الدولة، وكذلك الحريات العامة عبر حماية عملية صياغة الدستور. ويذكر أن "مرسى" ينوى مدّ اليد إلى الأحزاب السياسية الأخرى والمستقلين، لتتعاون معه من أجل تشكيل حكومة ائتلافية موسعة تشمل الجميع، وهو فى سباق مع الزمن من أجل هذا، فهل ينجح "مرسى" ومعه التيار الإسلامى كاملا فى الحصول على الحقائب الوزارية السيادية، خاصة الداخلية والقضاء، أم تكون من نصيب المجلس العسكرى؟ وإذا حصل عليهما هل ينجح فى إعادة هيكلة الداخلية كاملة وإعادة دورها المنوط بأمن المواطن، وأن يتولى إدراتها شخص مدنى وليس أحد من رجال الشرطة؟ وهل ستتعاون الشرطة مع الرئيس "مرسى" فى تحقيق المنظومة الأمنية، وكذلك القضاء واستقلاليته وتحقيق العدالة؟ العدل أساس الملك، فإذا نجح "مرسى" ومعه حزبه فى تحقيق العدل ورفع الظلم فستكون دولة فى نصاب الدول العظمى، ولكن يبقى أن ننتظر لنرى ما إذا كان يستطيع ذلك وينفّذ وعده بتحقيق القصاص والعدل، وأنه بلا شك سيعتمد على قدرة الإسلاميين، حيث أثبتوا أنهم يحظون بالدعم الشعبى، ويتمتّعون بالتنظيم الفعّال فى كل محافظات مصر، ومن ثم سينجحون فى هذا التحدى، ولكن المشكلة فى الوقت؛ لأن المواطن البسيط يريد ما وعد به "مرسى" خلال مائة يوم (توفير رغيف العيش- الأمن- توفير أنابيب الغاز- توفير السولار والبنزين- المرور- التصدى لارتفاع الأسعار...) فهذا ما يبتغيه رجل الشارع، وهذه أمور ليست بالهينة، ولهذا من الأفضل له أن يسارع فى تشكيل حكومة تحظى بتوافق، وقبول فى الشارع، ويكونوا أصحاب ضمير، ولديهم وازع دينى. ولعل من الإشكاليات التى ستواجه الرئيس "مرسى" فى هذا التحدى، ما يتردد عن هيمنة المجلس العسكرى على صناعة القرار والاحتفاظ بوزارات سيادية فى الحكومة المقبلة كوزارات الدفاع والخارجية والداخلية والعدل بما يعود بالمشهد المصرى مجددا إلى المشهد الجزائرى حيث الصراع بين العسكر وجبهة الإنقاذ الجزائرية. وللحديث بقية فى مقال قادم إن شاء الله. ------------------------------------------- مدير مركز رصد الأحداث برئاسة الجمهورية [email protected]