أكتب الآن وأجواء المحنة تخيم حولى، محنة الانقلاب العسكرى على السلطة الشرعية المنتخبة قبل إعلان البيان الثانى للقيادة العامة للقوات المسلحة المتوقع عصر الأربعاء 3 يوليو، محنة التآمر التام على مصر من بعض أبنائها الذين وثق الجميع فيهم وظنوا أنهم سيكونوا حراسا أمناء على مستقبل الدولة بعد ثورة 25 يناير 2011، وإذا بهم يعيدوننا مرة أخرى إلى المربع صفر، ويتركونا حائرين عاجزين أمام سيناريوهات مستقبلية مظلمة لا أحد يعلم إلا الله كيف ومتى وإلام تنتهى. لقد خدع الجميع، وعلى الجميع أن يتحملوا مسئولياتهم بعد أن أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من احتراب أهلى، نتيجة قرار غير مسئول اتخذته القيادة العامة للقوات المسلحة دون الرجوع إلى أحد ودون أن تحسب عواقب هذا القرار، فقد انحازت لبعض الشعب على حساب بعضه الآخر، واستنفرت الجميع للنزول إلى الشارع بعد أن مر يوم 30 يونيو دون مشاكل ودون إراقة دماء. والآن نحن على أعتاب سيناريوهات مخيفة، أقلها أن العنف يمكن أن يطل برأسه مرة أخرى، وتتسع دوائره إلى مدى لا يستطيع أحد إيقافه، إذ أن سرقة الحلم المصرى الجميل فى الحرية والعدالة والديمقراطية لا يمكن أن تمر دون مقاومة، وأرجو ألا تتطور الأمور إلى حد لا يمكن السيطرة عليه. وإذا لم يطل العنف برأسه، ونتمنى ألا يطل، فإن الشرعية التى سرقت وأبيدت وتم نسفها على رءوس الأشهاد لن تقوم لها قائمة بعد ذلك، لأنه مهما أحسنا الظن وتخيلنا أن ما حدث كان لصالح مصر وشعبها-ظاهريا على الأقل- فإن من يأتى للحكم، اختيارا أو إجبارا، سيكون عاجزا عن إدارة أمر نفسه فضلا عن عجزه عن إدارة أمر البلاد، ولن يكون قراره نابعا من نفسه وقناعاته، بل سيتحكم فى القرار من خلف ستار من أتوا به، وليشرب الشعب المصرى مرارات جديدة ويتحسر على ثورته ويندم أشد الندم بعد أن أضاع الفرصة الوحيدة التى تحفظ كرامته وحريته بالشرعية المنتخبة، وساعتها لن يجلس على كرسى الحكم أى رئيس سوى من يرضى عنه الشعب وينتخبه. ستمارس الوصاية من الآن فصاعدا على الشعب المصرى من جديد، وسيعود الظلم والقهر والفساد ليطل برأسه ولكن من يضمن أن الشعب الذى ذاق طعم الحرية سيستسلم ويخضع هذه المرة؟ من قال إن الشعب سيقبل بسهولة مصادرة إرادته ولن يقاوم؟ من يستطيع أن يوقف اندفاع الشباب المحبط الغاضب بعد أن أطاح العسكر بكل تطلعاته فى حياة كريمة؟ الدولة تسير نحو مجهول، والجيش هو من يتحمل أى نتائج أو عواقب قد تحدث لا قدر الله، ولسنا ندعو هنا إلى عنف أو سفك دماء، ولكن نرجو أن يفكر القادة فى الخروج بالبلاد إلى بر الأمان بأقصى سرعة ممكنة، وأن يعيدوا إلى الشعب حلمه، بانتخابات سليمة نزيهة تحترم إرادته، وبإجراءات يخرج الجيش بها من المشهد معززا كريما ويعود إلى ثكناته، دون أن ينصب نفسه وصيا على الشعب، لأنه جزء من هذا الشعب، وهو إحدى مؤسسات الدولة التى يجب ألا تفتئت على المؤسسات الأخرى أو تلغيها أو تتحكم فى عملها. لقد جربنا حكم العسكر 60 عاما وانتهى الأمر إلى ثورة عليه، ومن الحكمة أن ينظر قادة الجيش إلى التاريخ ويقرءوا دروسه بعناية ويقدروا إرادة الشعب لأنه صاحب القرار الأول فى أى خطوات تخص الدولة ونظامها ودستورها ومؤسساتها، واحترام إرادة الشعب هى السبيل الوحيد لتخطى أى أزمة وتفادى الانزلاق إلى أفعال تضر بالبلاد من أى طرف أيا كان. هل ينصاع الجيش لصوت العقل ويعيد حساباته بالسرعة الممكنة، أم سيصر على موقفه ويعلى راية العناد فتنزلق البلاد إلى الفوضى؟ لدينا أمل كبير فى أن تخرج البلاد من النفق المظلم الذى وضعها فيه قادة الجيش، وأن يعود حلم المصريين فى العدل والحرية والكرامة الإنسانية ليتحقق قبل أن تقودنا كوابيس الإحباطات إلى ما لا تحمد عقباه.