فى إطار سعينا نحو تأكيد استقلاليتنا وعدم تبعيتنا فقد جاء موضوع القمح على رأس الإنجازات التى تحققت، وبعد أن كنا أكبر مستورد للقمح فى العالم ها نحن نقترب من إنتاج 9.5 ملايين طن، وهو رقم سحرى له دلالة؛ لأن هذا يعنى أننا وبعد أربع سنوات سنكتفى بالإنتاج المحلى. ليست هذه هى الدلالة الوحيدة؛ فلدينا دلالات أخرى مرتبطة بإنتاج القمح والحبوب عموما وهى دلالات سياسية مرتبطة بالأمن القومى المصرى، فشعب لا ينتج خبزه بالتأكيد لا يمكنه الحديث عن الكرامة والاستقلالية، خصوصا فى منطقة لطالما عرفت بتبعية حكامها ونظمها السياسية لكل من يقدم لها القمح والدقيق، رغم أن ما كان يقدم لنا قمح ردىء وسيئ وفرز ثالث، وكنا مضطرين لأكله من أجل أن تمتلئ بطون مافيا القمح فى مصر. وثمة دلالة اقتصادية أخرى لا تقل أهمية عن الدلالة السابقة وهى عودة الثقة بين الفلاح المصرى الذى عانى لعقود من تهميش دوره ومحاربته لصالح المستوردين والدولة التى انتبهت إلى ضرورة إنصاف الفلاح المصرى وتشجيعه على زراعة القمح مقابل الحصول على سعر عادل لما ينتجه. ودلالة ثالثة وهى العملة الصعبة التى كنا نجمعها وتستنزف الاحتياطى النقدى المصرى من أجل شراء قمح شهد كل الخبراء بأن بعضه لم يكن يصلح للاستهلاك الآدمى. إن تحديد سعر عادل لتوريد القمح المزروع على أرض بلادى يعنى إسعاد ملايين الفلاحين وتشجيعهم على الاستمرار، كما يعنى أننا بحاجة إلى إنشاء صوامع جديدة وضخ استثمارات جديدة لدعم الزراعة والتخزين ومطاحن الدقيق حتى يأتى اليوم الذى يكون يوم الحصاد هو يوم الإنجاز والإنصاف. وأضع بين يديك عزيزى القارئ هذا الجزء من مقال للأستاذ عبد الحافظ الصاوى وهو كاتب اقتصادى نشر مقاله فى موقع أون إسلام فى 17 أغسطس 2010 يشرح فيه الخيارات التى اعتمدها النظام آنذاك للتعامل مع قضية القمح "وفى كل مرة تتصاعد فيها أزمة القمح تتناول وسائل الإعلام تصريحات المسئولين المصريين عن وجود خطط وإستراتيجيات للوصول لحل معضلة القمح، فمنذ اقتراحات وزير التموين السابق بزراعة القمح فى كندا، أو أوغندا أو السودان، وغيرها، لم يتحقق شىء وبقيت مشكلة القمح كما هى، تتزايد احتياجات مصر من القمح عاما بعد عام". لقد حدث تحول إستراتيجى فى العقلية التى تدير ملف القمح فى مصر، فلم يكن مطروحا فى العهود السابقة إنتاج القمح محليا، وجاء "مرسى" ليؤكد أن زراعة القمح فى مصر ممكنة وليست مستحيلة؛ لأنها لا تحتاج إلى شىء قدر حاجتها إلى إرادة سياسية وخطة عمل واقعية.