المسرح.. من أقدم الفنون وأكثرها احتكاكا بحياة الشعوب، يرجع هذا إلى عدة أسباب، منها إمكانية إنتاجه بتكلفة وإمكانيات بسيطة وتنوعه ومرونته كفن يمكن تقديمه فى أى مكان وأى زمان كمسرح السامر الذى عرف قديما بعقد حلقات السمر فى الليالى القمرية ومسرح الشارع الحديث. وكان المسرح من أكثر ألوان الفنون تأثرا بالمجتمع وتأثيرا فيه، وفى ظل التموج الذى يمر به المجتمع المصرى ما بين التفاؤل والتشاؤم، تتموج نفوس المسرحيين ومشاعرهم، وتتموج رؤاهم عن المستقبل وكيفية الوصول للحلم الذى يحلم به أى فنان برؤية مجتمعه فى تطور ونمو، فتتلون بذلك إبداعاتهم الفنية التى يحاولون من خلالها تقديم حلول لما يعانيه المجتمع من مشاكل وأزمات. الدكتور أيمن الشيوى -الأستاذ بالمعهد العالى للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون- يؤكد دور المسرح فى التعبير عن هموم المجتمع والتأثر به، مشيرا إلى حالة عدم وضوح الرؤية التى يمر بها القطاع الثقافى ككل من تغيير فى القيادات وضعف الميزانية التى انعكست على حال المسرحيين، فأوجدت حالة من التخبط؛ مما أفرز أعمالا غير معبرة ذات رؤية ضبابية، مضيفا أن تلك الحالة ستستمر ما دام استمرت حالة التخبط الموجودة بالقطاع الثقافى فلا يوجد مسرح جيد بلا استقرار. وعن ظهور عدد من العروض المسرحية التى أبدعها شباب المسرحيين فى بعض المهرجانات الأخيرة كالمهرجان الختامى لنوادى المسرح، الذى كان الدكتور أيمن الشيوى أحد أعضاء لجنة الندوات به، قال إن مسرح العبث مدرسة مسرحية مهمة ندرسها للطلاب فى الأكاديمية ليكونوا على دراية بكل ألوان المدارس المسرحية، ولكنه لا يتناسب مع المجتمع المصرى الذى يعانى الكثير من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية؛ حيث يكون من الترف تقديم عروض مسرحية فلسفية أو تقدم الفن من أجل الفن، فالمجتمع فى حاجة إلى عروض أكثر تعبيرا عن همومه وتبحث فى إمكانية حلها. وأبدى المخرج الشاب أحمد رجب تفاؤلا كبيرا بتغير حال المسرح إلى الأحسن فى ضوء وصول الفنان فتوح أحمد إلى رئاسة البيت الفنى للمسرح، الذى اعتبره وفاء من الدكتور علاء عبد العزيز وزير الثقافة بوعوده؛ حيث قال له فى إحدى المقابلات إنه لن يأتى بأحد من خارج المؤسسة الثقافية؛ حيث تفرز كل مؤسسة قاداتها ومديريها، وهذا ما اعتبره رجب أيضا ردا عمليا على كل من يقولون إن الوزير الجديد أتى ل"أخونة الوزارة". وأضاف رجب أنه لن ينصلح حال المسرح إلا إذا ترك المسرحيون البحث عن تحصيل حقوق وأهداف شخصية، وبدلا من ذلك يبحث كل منهم عن دوره فى بناء الدولة والمجتمع وإعلاء مصلحة مصر الثورة، فعلى المسرحيين واجبات قبل أن يكون لهم حقوق. وشدد على أن دور الدولة فى دعم العقول قبل دعم البطون؛ لأن العقل المثقف يمكنه أن يعى ويجيد التصرف مع الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، فيختار ما بين البدائل التى تبنى وتنمى اقتصاد الدولة ويبتعد عن إهدار الأموال فى الفرعيات، ويأتى دور المسرحيين مكملا لدور الدولة بأن يعيدوا ربط الجمهور بالمسرح من خلال الاهتمام بالقضايا التى تمس حياة المواطنين وعدم الانعزال عنها، والذى يترتب عليه هجر الجمهور للمسارح. من جانبه، يرى سامح بسيونى -أحد المخرجين الشباب- أن الأزمات السياسية والاقتصادية أثرت بالسلب على النشاط المسرحى الذى صار شبه متجمد تقريبا لولا مجموعة من العروض التى تحاول توصيل بعض الرسائل إلى المجتمع. وأشار إلى أنه ما بين التفاؤل والتشاؤم يسعى المسرحيون، وننتظر النتيجة التى نأمل أن يعود المسرح بها من جديد لرونقه الذى غاب عنا طويلاً، ونأمل أن نرى من جديد طوابير الجماهير العريضة تتزاحم على شبابيك التذاكر فى انتظار الحصول على مقعد يتلقون منه فنا راقيا يرتقى بأفكارهم وثقافتهم ويمتعهم.