أثار تكليف فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين لمجموعة من المعنيين بالشأن الإعلامى بالجماعة بالتعاون مع مجموعة من إعلاميى حزب الحرية والعدالة بزيارة المؤسسات والشخصيات الإعلامية والصحفية العديد من التساؤلات لدى بعض المحبين للإخوان عن ماهية الزيارات وأهدافها والنتائج المرجوة من ورائها. وطالب البعض بعدم إتمام تلك الزيارات، حيث إنهم يرون أنها لا فائدة منها مع الإعلاميين الذين يشنون حربا إعلامية متعمدة على الجماعة ومؤسساتها ومرشحيها منذ أكثر من عامين، وأن تلك الزيارات لن تؤثر فيهم ولن تجعلهم يغييرون مواقفهم من الجماعة وقياداتها. ولكونى أحد من كلفهم فضيلة المرشد العام بالقيام بتلك الزيارات، فأود أن أوضح عدة أمور حول تلك الزيارات قد تكون خافية على البعض أو غير واضحة له. فبداية لا يجب أن ننسى أننا دعاة إلى الله قبل أى شىء، وقبل أن نكون إعلاميين أو سياسيين أو متصديين للعمل العام، ولنا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فى كيفية دعوته للناس وتحمله الأذى المادى والمعنوى، وعلى الرغم من ذلك لم يحد عن طريق دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة وتواصله مع كافة التيارات والاتجاهات والقوى على الرغم من معاداتهم له ومحاربتهم لدعوته واصطناعهم للعقبات والعراقيل وإساءتهم إليه؛ لأن الله عز وجل قال: (وَلا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِى أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِى حَمِيمٌ). إن الدعوة إلى الله توجب على صاحبها حقوق لا تعرفها الصراعات السياسية والمناكفات الإعلامية لأن فيها كثيرا من الاحتساب للجهد والوقت والعرض لوجه الله. إن تكليف فضيلة المرشد العام كان غاية فى الوضوح، وهو ما عبر عنه تصريح المتحدث الرسمى حين قال: "حرصا على التواصل مع وسائل الإعلام وتوضيح الصورة وبيان المواقف على حقيقتها، ولإزالة أى عقبات فى سبيل الحصول على المعلومة الصحيحة، ولإقامة جسور من التواصل بين الإخوان المسلمين ووسائل الإعلام لكل ما فيه الخير لمصر وشعبها ونهضتها". فالهدف الرئيس من تلك الزيارات إقامة جسور من التواصل بين الإخوان المسلمين ووسائل الإعلام والإعلاميين لبيان حقيقة المواقف والقرارات على حقيقتها، ومن مصدرها، دون الاعتماد على المصادر المجهولة التى افترت علينا كثيرا، والتى اتخذت ذريعة لتسويق تشويه الجماعة وقراراتها، كما أن فى تلك الزيارات إقامة الحجة على تلك المؤسسات والشخصيات بأننا نمد أيدينا لهم ونتواصل معهم ونسعى جاهدين إلى إزالة أى عقبات قد تعترض طريقهم للوصول للمعلومة الصحيحة وفتح صفحة جديدة ومستقبل مبشر بإذن الله لمصر والمصريين. إن دور الإعلام فى نهضة الأمم لا يخفى على أحد، ولقد خصص فضيلة المرشد العام رسالة من رسائله الأسبوعية عن الإعلام بعنوان "الإعلام رائد النهضة"، تحدث فيها عن مكانة الإعلام ودوره الريادى لنهضة الأمم، والواجب المطلوب منه، والأدوار الملطوبة لأداء رسالته، وكان مما قاله فيها: "إن الإسلام يدعو إلى الإعلام النبيل برسالته السامية؛ الذى يؤدى مهمته فى بيان الحق وليس كتمانه، ورد الشبهات وليس إثارتها، والدعوة إلى الأخلاق الإنسانية الراقية وليس رصد سفاسف الأمور وتوافهها، وتلمُّس حاجات المجتمع وليس ترَّهاته، فلم يعد الإعلام ترفا، بل أصبح ضرورة، لا يمكن للناس أن تستغنى عنه، وهو وإن اصطلح على أنه "السلطة الرابعة" لكنه فى الحقيقة صاحب التأثير الأول". ليس من مصلحة أى فصيل الاختصام مع بقية الفصائل أو الهيئات، بل ليس من مصلحة مصر كلها، فالواجب علينا جميعا إعلاء المصلحة العامة على الخاصة ومد يد العون مع الجميع وعدم الانتصار لمصالح خاصة ضيقة، فالقضية ليست انتصارا لجماعة أو حزب ولكنها قضية وطن يحتاج إلى تضافر الجهود والطاقات كافة لإعادة بناء ما أفسده النظام السابق، وألا نقف أمام قضايا شكلية تعيقنا عن أداء دورنا الأصيل ورسالتنا الأساسية. إن فى مد يد التعاون مع وسائل الإعلام فرصة كبيرة لتوضيح الصورة واستجلاء الغامض منها ولإقامة الحجة وتذليل العقبات، وليس فيها أى نوع من التنازل، وقد قال رسول الله: "ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا"، وقد علمنا الأستاذ مصطفى مشهور -رحمه الله- حكما رائعة؛ منها: "اسمعوا منا ولا تسمعوا عنا"، و"قدم النصيحة على أكمل وجه واقبلها على أى وجه". كما أن الملكفين بالزيارات بفضل الله من أحرص الناس على صورة الجماعة وتوضيحها وتصحيح الصورة الخاطئة عنها، ومن ثم فإنهم لن يقبلوا بأية حال من الأحوال بالمساس بمكانة وقدر الجماعة، كما أنهم يجيدون عرض وجهات نظر الجماعة وتوضيحها، ومن ثم فإن إيجابيات اتصالهم بالإعلاميين أكبر بكثير من التخوفات غير المبررة على الجماعة أو الحزب ومكانتهما. إن الانفتاح على المجتمع يتطلب منا التواصل مع من يعارضنا ويختلف معنا لعرض الأمور الغامضة عليه، للإعذار لله أولا، ثم لدحض شبهة التعالى أو عدم توافر المعلومات التى يحاول البعض وصمنا بها، أو أن يبرر بها إساءاته إلينا. كما أن علمنا بحقيقة الأمور والأشخاص لا يعنى ألا نتخذ الوسائل والأسباب لإقامة الحجة وبيان الحقيقة لهم، وهذا ليس استرضاء أو توددا ولكنه إعذار، ووضع كل فرد ومؤسسة أمام مسئولياته أمام الله ثم أمام الشعب والتاريخ. كما أن محاولة الربط بين الزيارات وبعض التقارير الغربية هى محاولة يائسة للالتفاف على إيجابيات الزيارات وتشويهها ولىٍّ لعنق الحقائق ومحاولة للالتفاف عليها. إن ما لاقيناه من حسن استقبال من الشخصيات والمؤسسات التى قمنا بزيارتها إلى الآن توحى بسلامة القرار وتوفيق الله له، حيث كان الترحيب الجم والحرص على تعميق سبل التواصل هما السمة الغالبة فى تلك المقابلات. كما أن محاولات البعض إقامة حواجز بين الإخوان وبين المجتمع والمؤسسات يجب أن تقابل بالمزيد من التواصل وإزالة العقبات وليس التقوقع على الذات أو الانكفاء على النفس. إن مصرنا الحبيبة تحتاج منا إلى التقدم بخطوات جادة للأمام نحو إعادة بنائها وعدم الوقوف كثيرا أمام أمور شكلية أو الانتصار لآراء ونظريات شخصية، وأن نبذل جل الجهد والعرق لنهضتها وتقدمها ورقيها. والله من وراء القصد وهو الهادى إلى سواء السبيل.