من حق أى حزب أن يحدد خياراته، ويختار تحيزاته السياسية، إزاء تطورات الوضع الراهن، على النحو الذى يراه منسجما مع برامجه فى ضوء القانون والدستور، لذا فمن حق "مصر القوية" برئاسة د. عبد المنعم أبو الفتوح، أن يتموضع فى أى موقع على خريطة الممارسة السياسية، داعما للنظام أو معارضا، أما أن يكون متمردا فهنا تكمن الإشكالية. قبل أيام غردت على صفحتى بموقع "فيس بوك" حول موقف "مصر القوية" من حركة تمرد وتركه الحرية لأعضائه إذا رغبوا فى الانضمام إليها، بدعوى استمرار الفعل الثورى -حسب تصريحات المتحدث باسم الحزب محمد عثمان- وإزاء ذلك انصبت التعليقات فى معظمها على مواقف د. أبو الفتوح بوصفه أشهر من حزبه، فريق رأى أنه فقد البوصلة، وذهب إلى حد نعى تاريخه، والسبب فى تقديرى أنه كان يعلق عليه تطلعات عريضة فى اتخاذ مواقف أكثر إنصافا للنظام الجديد، سيما أنه يعرف رموزه ويدرك مدى إخلاصهم ووطنيتهم، غير أنه خيب آمالهم، وتحامل عليه مع المتحاملين، وفريق آخر رأى مشروعية نقد مواقفه السياسية دون التعريض لشخصه أو الإساءة إليه، وهذه هى طبيعة العمل السياسى، وفريق ثالث غلب عليه الورع ورأى أنه لا ضرورة فى تناول مواقفه أصلا، مذكرا بتاريخه، ودارت مساجلات انبرى فيها كل طرف مدافعا عن وجهة نظره. ولأننى من أنصار الرأى الوسط، فلا أرى فى تقييم مواقف د. أبو الفتوح أى غرو أو غضاضة، بشرط الالتزام بالمعايير الموضوعية، وعدم الجنوح نحو الشخصنة، لا سيما أنه بالفعل قامة وطنية، وسيظل يذكر له التاريخ أنه وقف فى وجه المستبدين بكل جرأة وشجاعة. لذا، حين يتخذ الحزب أو رئيسه موقفا، فمن الطبيعى أن يحظى باهتمام من كانوا ينتظرون منه مواقف أكثر إيجابية فى اتجاه دعم الاستقرار، خاصة بعد أن التحف بعض أدعياء الثورة مع الفلول والبلطجية بغطاء الفعل الثورى، وراحوا يحرقون الممتلكات والمنشآت العامة والخاصة ويخربونها ويدمرونها بأيديهم الآثمة. إشكالية حزب مصر القوية أنه فى تصورى يمارس السياسة منذ انطلاقته تابعا وليس لاعبا ، كما دل على ذلك العديد من مواقفه، التى كانت وما زالت محل استغراب قطاع غير قليل من المصريين، فلم نر له باستثناء لقاءات رئيسه المثيرة للجدل أى موقف يحمل أى مبادرة أو فعل سياسى يصب فى توجيه الشعب الى العمل والإنتاج، أو ترشيد الحراك الشعبى. فحينما أطلقت جبهة التخريب العنان لمنتسبيها والمرتزقة لتنظيم "مئويات" الحرق والتدمير والمولوتوف، لم يكن لحزب مصر القوية أى موقف سياسى فى مواجهة غلواء هذه الممارسات المغلفة بشعارات الثورة باستثناء بيانات خجولة لا تسمن ولا تغنى من جوع، بل كان الحزب يقرر المشاركة فى بعضها وكأنه يمارس السياسة بأسلوب رد الفعل، وينتظر من يفكر له، ليقول نحن هنا!. موقف آخر.. إن جبهة التخريب وبعض قياداتها ممن قامت مشاريعهم السياسية على الأنانية ومحاولة القفز على كرسى الرئاسة بأى ثمن، طالبوا منذ فوز الرئيس مرسى بانتخابات رئاسية مبكرة، ومن ثم كان الانسحاب الشهير من الجمعية التأسيسية؛ لأن الدستور لم يساير هواهم فى هذه النقطة تحديدا، ثم توالت احتجاجاتهم التى اتسمت بالعنف طوال الوقت فى تحالف بغيض مع الثورة المضادة، وبينما كان هناك من السياسيين الشرفاء من يرفض هذه الممارسات، ويؤكد أنه لا مساس بالشرعية، فوجئنا بالسيد أبو الفتوح يلف لفهم ويطالب بانتخابات رئاسية مبكرة!. نعود إلى حركة تمرد التى ستلحق بعشرات السيناريوهات التى فشلت فى إسقاط النظام، ليفاجئنا "مصر القوية" بالوقوف فى خندق حمدين صباحى عاشق كرسى الرئاسة والجنرال الهارب شفيق وحازم عبد العظيم المتهم فى قضايا عنف وتخريب وغيرهم، ويعطى الحق لمن شاء من أعضاء حزبه للانضمام إلى المتمردين!. وفضلا عن استمرار سيناريو التبعية لدى حزب مصر القوية أتصور أنه اتخذ هذا الموقف الأخير لتجنيب الحزب المزيد من التشظى والاستقالات الجماعية، لا سيما أنه يضم خليطا غير متناغم من الإسلاميين والعلمانيين.