قد كان مصدر استغراب ودهشة بالنسبة لى وبالنسبة لكل أفراد الإخوان المسلمين، أن يكون نصيبهم فى النهاية هذا الكم الهائل من النقد والتجريح والهجوم، إلى الحد الذى يترحم فيه البعض على أيام مبارك، ويودون أن لو عاد الزمان بهم، فلا كانت ثورة، ولا ذهب مبارك، ولا جاء الإخوان. مع التفكير والبحث تبين لى مجموعة من النقاط هى من وجهة نظرى السبب فى هذا الانتقاد، وحنين البعض إلى ذلك الزمان الماضى: 1- الفاسدون يحنون إلى زمان الفساد: لقد طال الفساد كل الحياة وأغلب الناس، ثم ها هم يفقدون ذلك الحاكم الذى كسبوا الكثير والكثير من وراء منظومة الفساد التى سمح بها لإلهاء النس عن فساده وإفساده. 2- ظاهرة حب الجلاد والتعاطف معه (متلازمة ستوكهولهم): نسبة إلى حادثة حدثت فى مدينة ستوكهولم فى السويد، حيث سطا مجموعة من اللصوص على بنك (كريديتبانكين) هناك عام 1973، واتخذوا بعضا من موظفى البنك رهائن لمدة ستة أشهر، خلال تلك الفترة بدأ الرهائن يرتبطون عاطفيا مع الجناة، بل وقاموا بالدفاع عنهم بعد إطلاق سراحهم. هكذا تعاطف الكثير من المصريين مع جلادهم ودافعوا عنه. 3- ظاهرة الهروب من الحاضر بالحنين إلى الماضى (النوستالجيا): وهى ظاهرة نفسية أيضا، فدائما ما يلجأ الناس للهروب من واقعهم الضاغط إلى الحنين إلى الماضى وتذكره بالخير مهما كان هذا الماضى فى فساده وظلمه. 4- ظاهرة رفض التغيير والركون إلى الواقع: فالناس يميلون للهروب من ضغط واقعهم إلى الحنين إلى الماضى والثناء عليه، وفى ذات اللحظة يرفضون الخروج من هذا الواقع إلى غيره، فهم يعتادون واقعهم مع طول المعايشة والملازمة، وحجتهم فى ذلك تلك الجمل الشعبية التى تلوكها ألسنتهم (الذى تعرفه خير من الذى لا تعرفه)، وهى ليست مجرد جمل تردد، ولكنها ثقافة حياة. 5- العداء الدفين للمشروع الإسلامى من البعض: فالبعض لا يعادى الإخوان إلا لأنهم يحملون على أكتافهم ذلك المشروع الإسلامى العظيم، وهؤلاء بعضهم يكره الإسلام كدين كبعض غير المسلمين، والملحدين الذين لا يعلنون عن هوياتهم، وبعضهم لا يعادى الدين ولكنه يعادى تحكيم الدين فى دنيا الناس، وذلك إما بقناعة عقلية منهم بأنه لا يصلح، وأن الدين يجب أن يظل فى النطاق الضيق بين الإنسان وربه، أو لحبهم للفساد والإفساد وهم يرون أن هذه الشريعة الحاكمة لن تترك لهم مجالا لفسادهم. 6- الآخر السياسى المنافس: تيارات وأحزاب ومنافسون سياسيون، لا يستطيعون بأى حال من الأحوال أن يصفقوا للإخوان ويقفوا من خلفهم فى معركة بناء الدولة والنهضة، ولكنهم تستولى عليهم فكرة المنافسة التى تصل بهم إلى الحسد الحقيقى، فيسيرون ناحية إسقاط مشروع الإخوان بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، ويصل الأمر عند بعضهم إلى ألا يبالى بسقوط البلاد كلها فى سبيل إسقاط الإخوان وحكمهم. 7- عُبّاد المعارضة والنقد: وهناك من الناقدين والمعارضين من أصبحت المعارضة هى إلهه ومعبوده ومعشوقه، فهو يعارض لأجل المعارضة، يرى فى معارضته حياته ووجوده وقيمته، ولسان حاله (أنا أعارض إذا أنا موجود)، وهؤلاء سيعارضون كل الأنظمة وكل التوجهات بل وكل القرارات، كان هؤلاء من أشد المعارضين لمبارك ولحكمه، وقد أسهموا بحظ وافر فى إسقاطه وتغييره، لكنهم لا يجعلون حدودا لمعارضتهم ولا يتوقفون عنها. 8- الجهل عند البعض: لا بد ألا ننسى أننا فى بلاد حكمها الظلم والطغيان طيلة العصور الماضية، وقد أنتج شعوبا لا تعرف إلا ما يعرف ولا ترى إلا ما يرى، زرع فيها الجهل وأنبته وتعهده حتى أثمر وأينع، فنرى الكثير من الناس لا يعرفون كيف يحكمون على الأمور، ولا يعرفون من يصدقون ومن لا يصدقون، ويصل الأمر إلى أن يجلسوا بجهلهم أمام شاشات التلفاز فيجرعون من سمومهما دون أدنى وعى أو محاولة للفهم والتحليل منهم.