بعد أن تولى الدكتور عبد العزيز الرنتيسى قيادة حركة حماس داخل قطاع غزة بتاريخ الخامس والعشرين من مارس 2004 خلال تأبين الشيخ المؤسس أحمد ياسين الذى اغتيل قبلها بأيام، دأب الدكتور على التواصل مع جميع القوى على الساحة الفلسطينية من أجل إنجاز مشروع مشترك، وجلس مع العديد من القيادات الفلسطينية والرسمية والفصائلية رغم الظروف الأمنية التى كانت تحيط به وصعوبة التنقل نتيجة مطاردة الاحتلال له. من خلال عملية التواصل كان الدكتور عبد العزيز على موعد مع المكالمة الهاتفية الأخيرة بينه وبين الرئيس ياسر عرفات، الذى كان يعانى حصارا شديدا فى المقاطعة فى رام الله، فما قصة هذه المكالمة؟ وكيف تمت؟ وعلى ماذا اتفق الرجلان فى ذلك الوقت؟ كان الرنتيسى على موعد مع لقاء يجمعه وقيادات من السلطة الفلسطينية وحركة فتح للحديث عن خطة شارون للانسحاب الأحادى من قطاع غزة، وقد جرى الترتيب للقاء بين الشهيد سعيد صيام والقيادى سمير المشهراوى، فحُدد بعد عصر الأربعاء الموافق السابع من إبريل من العام 2004، وجرى تحديد مكان الانعقاد وهو منزل الشهيد إسماعيل أبو شنب الذى كان قد استشهد قبلها بثمانية شهور، وكان سبب اختيار المكان الوحدوية التوافقية للشهيد أبو شنب لدى الفصائل الفلسطينية كافة. لم يكن الوفد الفتحاوى يعلم بمكان انعقاد اللقاء، ولم يسأل عن ذلك، واكتفى بالانتظار حتى يحضر أحد الأشخاص يُرسل من قبل وفد حماس حتى يصحبهم إلى المكان المخصص للقاء، وهى دلالة واضحة على حالة الثقة العالية بين الطرفين، وفد حماس حضر متفرقا بسبب الظروف الأمنية التى كانت تحيط بإجراءات التنقل، وضم كلا من الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسى، والشهيد سعيد صيام وزير الداخلية فى الحكومة العاشرة، والأخ إسماعيل هنية رئيس الحكومة الحالى فى غزة ونائب رئيس المكتب السياسى فى الوقت الراهن. ذهب كل من الشهيد أكرم نصار مرافق الدكتور الرنتيسى والشهيد حسن نجل الشهيد المهندس إسماعيل أبو شنب لإحضار وفد السلطة وحركة فتح للمكان، وبالفعل حضر الوفد المكون من القيادى الفتحاوى محمد دحلان، الذى كان يعمل فى ذلك الوقت مستشارا للأمن القومى للرئيس عرفات، والقيادى البارز فى حركة فتح سمير المشهراوى، ولم يكن بصحبة الوفد أى من طواقم المرافقة الخاصة بهم ولم يحضروا بسياراتهم المعروفة للجميع، بل اكتفى القياديان دحلان والمشهراوى بالحضور بسيارة جيب، ولم يكن معهما سوى سائق ومرافق واحد. كانت الأجواء الإيجابية تسود اللقاء الذى استمر قرابة ثلاث الساعات، الذى ناقش سبل التعاون والأخطار المحدقة بالقضية الفلسطينية والرؤية المشتركة للتعامل مع قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلى منه، حيث أعلن شارون عن نيته الانسحاب أحادى الجانب من قطاع غزة، وكان طرح وفد حماس بأن الانسحاب لا يعنى انتهاء المعركة مع العدو بل على العكس هذا محفز لتطوير المقاومة ودعمها لحماية القطاع من الاحتلال، وكان طرح السلطة أنه بعد الانسحاب من قطاع غزة يجب ضبط السلاح وترتيب البيت الداخلى، وكان هناك تفهم واضح من قبل الطرفين بأن الهدف من الانسحاب المفاجئ هو ترك القطاع لصراع فصائلى خاصة بين فتح وحماس على السيطرة على القطاع، صراع فى ساحة مليئة بالبنادق والمتفجرات سيكون صراعا دمويا ينتج عنه مشهد همجى ومتخلف تلتقطه إسرائيل لتقول للعالم إن المشكلة لم تكن فى الاحتلال، إنما فى الشعب الفلسطينى نفسه، وأنه شعب قاصر لا يستحق استقلالا ولا يستطيع إدارة شئونه، وعرض وفد السلطة الشراكة الكاملة، وقد اتفق الوفدان على مجموعة من المبادئ العامة؛ أهمها تشكيل حكومة وحدة وطنية، وبناء جيش وطنى تشارك فيه الأجنحة العسكرية كافة بما فيها كتائب القسام الجناح العسكرى للحركة حماس، ينتشر على الحدود وفى مواقع إستراتيجية لحماية القطاع من الأخطار الخارجية. بعد الاتفاق على المبادئ العامة، طرح دحلان على الدكتور الرنتيسى أن يتم إطلاع الرئيس عرفات على هذه الرؤية وسماع رأيه بما تم التوصل إليه بين حركة حماس من جانب والسلطة والفلسطينية وحركة فتح من الجانب الآخر، فوافق د. الرنتيسى، وقام دحلان بالاتصال من هاتفه المحمول على الرئيس عرفات وشرح له ما تم الاتفاق عليه فى اللقاء، ثم نقل سماعة الهاتف للدكتور الرنتيسى الذى تحدث مع الرئيس عرفات واطمأن على صحته ووضعه خلال الحصار، وبارك الرئيس عرفات هذه الخطوة، واتفقا على مواصلة اللقاءات والتواصل المستمر، والجدير ذكره هنا أن رئيس المكتب السياسى لحركة حماس خالد مشعل كان على تواصل دائم ومستمر مع الرئيس عرفات طوال فترة حصاره. لقد نلت شرف حضور هذا اللقاء، ولكن الحال لم يدم طويلا، فما هى إلا عشرة أيام ليغيِّب الاحتلال الدكتور الرنتيسى عن المشهد الفلسطينى باغتياله، وبعدها فقط بأشهر كان الرئيس عرفات قد غُيِّب هو الآخر عن المشهد ولم يحضر كلاهما مشهد الانسحاب من قطاع غزة فى سبتمبر من عام 2005. أجواء وحدة وتفاهم رغم الاختلاف السياسى ورغم حالة التباعد والشرخ التى أوجدها أوسلو على الساحة الفلسطينية، ولكن سرعان ما عادت روح التفاهم والحوار لمقارعة الاحتلال، وما حوارات نابلس عام 1997 ومؤتمر غزة للوحدة الوطنية عام 1998 وحالة الالتفاف الداخلى فى انتفاضة الأقصى إلا رسالة وحدة وتعاضد فى وجه الاحتلال حتى لا يبقى أحد فى الساحة وحيدا.