اقترب مسلسل "البراءات" من نهايته، ولم تعد هناك سوى الحلقة الأخيرة التى سيتم فيها براءة حسنى مبارك من التهم الموجهة إليه بقتل الثوار والكسب غير المشروع، فمنذ عدة أيام هناك محاولات لإحداث حالة من التهيئة النفسية للشعب لتقبل حكم براءة المخلوع من خلال إصدار قرارات بإخلاء سبيله، وفى الوقت نفسه الدفع بمناصريه من الفلول لتصدر المشهد والمطالبة بالإفراج عنه، حتى وصل بهم الأمر إلى حد قطع الطريق أمام مستشفى المعادى العسكرى لمنع نقله إلى سجن طره، وهى المرة الأولى التى يعلن فيها هؤلاء عن أنفسهم بهذا الشكل الفج الذى يمثل تحديا لمشاعر الشعب عامة وأسر شهداء الثورة والمصابين على وجه الخصوص. احتمالات براءة مبارك باتت ممكنة، خاصة بعد قرار إعادة محاكمته وإلغاء الحكم بحبسه 25 سنة، وهناك بالطبع مبررات يسوقها البعض حول عدم كفاية الأدلة فى القضايا التى تنظرها المحكمة، ولا يجد القاضى فى الأوراق والدلائل ما يستوجب حبس مبارك. والسؤال الذى يفرض نفسه باستمرار: إذا كانت الأدلة المادية فى القضية غير كافية لإدانة مبارك فلماذا لا يطلب القاضى أدلة أخرى؟ ولماذا لا يتخلى عن نظر القضية إذا لم يكن لديه قناعة بكفاية الأدلة؟ القاضى من هذا الشعب، ومن المؤكد أنه تابع وقائع قتل الثوار، ويعلم يقينا مسئولية مبارك عن تلك الجرائم حتى لو لم تكن هناك أوامر مباشرة منه بالقتل، وبالتالى ليس من المنطقى أن يكون الدليل "الورقى" هو فقط سند القاضى للحكم؛ وإنما تلك الوقائع المسجلة بالصوت والصورة، فإذا لم يكن لديه ما يسعفه للحكم فى القضية فلا أقل من رفض الاستمرار فى نظر الدعوى. لقد فتح مسلسل "البراءات" الباب للمطالبة بتطهير القضاء، وهو أمر مشروع طالما أن الأحكام الصادرة تتجاهل آلام أسر الشهداء، وتتعامل مع القضية من خلال دلائل قد تكون فى الغالب غير قطعية الثبوت، وهذا هو السبب وراء تنظيم مليونية "تطهير القضاء" التى هاجمها بلطجية نظام المخلوع وأذناب بعض القضاة، والمنتفعون من حصانة رجال القضاء الذين يقفون الآن أمام أية محاولة لتعديل قانون السلطة القضائية، الذى أدخل عليه مبارك تعديلات كانت بمنزلة رشاوى لاسترضاء القضاة من خلال السماح بمد سن القاضى إلى 70 عاما، بالمخالفة للدستور الذى يؤكد على المساواة بين العاملين فى المؤسسات كافة عند التقاعد فى سن الستين، لا حاجة هنا للتأكيد على احترام القضاة، وأن تخفيض السن إلى 60 عاما لا يشكل مساسا بهم، أما محاولة تسييس القضية والحشد من خلال عقد جمعيات عمومية طارئة لنوادى القضاة للدفاع عما يسمونه "استقلال القضاء" فهى محاولات مكشوفة، وعلى الجميع أن يدرك أن القاضى بشر يصيب ويخطئ، ولكم فى النائب العام السابق الدليل، بعد ما أقر بحصوله على هدايا من مؤسسة الأهرام، وهى سقطة لا تليق بمكانة المنصب، ولا داعى هنا لفتح ملف التوريث فى سلك القضاء، أو ندب قضاة فى أماكن بعينها، سواء فى شركات أو هيئات اقتصادية، نظير مكافآت مالية تحوم حولها الشبهات.