يشهد التاريخ على أن اندلاع أى ثورة يصاحبه ميلاد مضادات لها تشكل ثورة مناوئة تقاوم بضراوة عبر أدوات كثيرة. تلملم الثورة المضادة شتات كل أقطاب النظام القديم والكارهين للجديد سواء للاختلاف الأيديولوجى أو للخوف من تبعات فسادهم. تبدأ الثورة المضادة دفاعها مستخدمة قاعدة الهجوم أفضل وسائل الدفاع، فتستخدم ضحايا النظام القديم من الفقراء أو البلطجية والمقهورين، ثم بعده يتم استخدام أخطاء النظام الجديد "لا سيما إن كان قليل الخبرة". ولذلك تلوك ألسنة المناوئين للرئيس مرسى دوما خطايا الإعلان الدستورى الذى أصدره بشكل مفاجئ ولامه عليه الجميع. المشهد تنامى بدءًا من صورة مرفوعة على استحياء لمبارك فى أثناء محاكمته إلى 13 مليونا منحوا أصواتهم لشفيق فى الانتخابات، رغم كونه رمز الفلول وأحد أقطاب الثورة المضادة. معظم الخاسرين فى انتخابات الرئاسة يحركون الشارع، ويصطادون فى الماء العكر، ويشجعهم إعلامهم الذى يعد أقوى أذرع الثورة المضادة. يذكر التاريخ أيضا فشل قوى الثورة المضادة فى مناوئة الثورات فى دول كثيرة انتفضت فيها شعوبها طلبا للتغيير، غير أن هناك بعض النماذج لدول عجزت فيها الثورة الأم عن الصمود، وانتصرت فيها الثورة المضادة. الحالة فى مصر نعم مختلفة لكونها عبر التاريخ عصية على التقسيم، عصية على لىِّ ذراع أهلها عكس ما يريدون. لكن هناك خطورة إذا لم تتوخَّ السلطة الحاكمة الحذر وتتعامل مع الموقف بشكل سريع وإجراءات حاسمة قوية وخطوات محسوبة تنال من أولئك البلطجية والخارجين على القانون حتى لو دافع عنهم الإعلام ومنحهم صفة "ثوريين أو نشطاء سياسيين" كدفاع جبهة الإنقاذ عن دومة وعبد الفتاح وغيرهما. إذا لم يملك النظام المصرى الحاكم الذى أفرزته الثورة توصيفا دقيقا للأحداث الحالية، ومن ثم يتعامل معها بدقة متناهية ستنتصر الثورة المضادة وتعود مصر إلى الوراء. مطلوب من الرئيس ثورة تخلص مصر من المحرضين على العنف "المخططين والممولين" طوعا أو كرها، بعيدا عن سياسة القفازات الحريرية التى يرتديها، والبعد عن الفكر المتردد أحيانا والقرارات المتباطئة أحيانا أخرى والتلميحات على رجال أعمال فاسدين بتدبيرهم للمؤامرات، ما يمنح الفرصة لأقزام فى الإعلام بالتطاول على شخصه فى إهانة لا تمس الرئيس وحده، على أن يترك للقانون مهمة التخلص من المنفذين للعنف باسم الثورة، لأن الثورى الحقيقى هو الذى يبنى ولا يهدم، وأذكر أن ثورة 1952 رفعت عدة شعارات منها «نبنى ولا نهدم»، «نصون ولا نبدد»، «نقوى ولا نضعف» وإن كانت لم تحققها جميعا. على الشعب أن يصبر مليا؛ لأن أنصار الثورة المضادة فى مصر متغلغلون فى كل مؤسسات الدولة بكثافة، خاصة فى الأمن والإعلام والقضاء بحسب ذلك الترتيب. هؤلاء يمكن للرئيس أن يقوضهم، لكن من الصعوبة بمكان مجاراتهم إذا تمكنوا من الوجود بين الثوار الحقيقيين أنفسهم، وهذا هو الطريق الذى سلكه أقطاب الثورة المضادة فى مصر وخارجها لتحقيق هدفهم الأسمى فى الداخل بإفشال الرئيس ووأد تجربة المشروع الإسلامى، وفى الخارج بإضعاف مصر سياسيا واقتصاديا وأمنيا. على جميع القوى السياسية تقديم مصلحة الوطن على ما سواها؛ للقضاء على الثورة المضادة، لأن الشتات وفقدان الرؤية والتناحر فيما بين الجميع كفيلة بانهيار الدولة ووقوعها فريسة فى يد أعدائها.