عندما تكون الفكرة صادقة والهدف نبيلا فإن أحلام الشباب يُكتب لها النجاح، وتصبح واقعا نلمس آثاره، ولأن حلمها كان نابعا من قلب نابض بالحب والخير للناس، وعقل واع بقيمة الحياة الزوجية والبيت السعيد وتربية الأجيال، ورؤية شبابية عصرية تلمس هموم أقرانها الشباب.. استطاعت فاطمة المكى -فتاة فى الثالثة والعشرين من عمرها- أن تحقق حلمها بتأسيس صالون ثقافى للشباب المقبل على الزواج، يعتنى بتقديم دورات تدريبية بشكل عصرى وواقعى للشباب، مزجت فيه بين الأسس التربوية، وأساسيات التنمية البشرية لتقدم منظومة متكاملة للحياة الزوجية السعيدة. تدرس فاطمة المكى بكلية التربية قسم رياض أطفال بالجامعة المفتوحة، وحصلت على إجازة من معهد القراءات برواية حفص عن عاصم، وهى كذلك مدربة معتمدة للتنمية البشرية منذ عام 2010، وبدأت أول حلقة من الصالون فى 2011. اعرف نفسك أولاً "كثرة المشاكل بين المخطوبين وزيادة الخلافات الزوجية وحالات الطلاق هو ما دفعنى إلى التفكير فى تأسيس الصالون".. هكذا كانت نقطة البداية كما تقول فاطمة المكى، وتشير إلى أن دراستها فى مجال التربية والتنمية البشرية كانت لها أبلغ الأثر فى تحديد هدفها؛ حيث رأت أن مجال تكوين الأسرة والعلاقات الزوجية السليمة لم يصل إلى المستوى المطلوب من الاهتمام والبحث لدى للشباب، ولذا قررت أن تبدأ هى هذه الخطوة الجديدة لتعريف الشباب بقيمة البيت والزواج وتربية الأبناء وكيفية الحفاظ عليهم، وذلك من خلال دورات تدريبية تتضمن محاضرات وندوات يغلب عليها الطابع النقاشى والعملى أكثر من التلقين النمطى، وهذا هو سبب إطلاقها اسم (صالون) على تلك الدورات. وتوضح المكى أن مشكلة الشباب هى أن كلا الطرفين لا يعرف شيئا عن نفسه، ومعظمهم لا يضع أهدافا واضحة نصب عينيه للزواج، ولا يعرف شيئا عن الطرف الآخر، ولذا فإن ارتباط الطرفين قد يأخذ شكل المعركة بدلاً من الزواج، خاصة مع التدخل السلبى للأهل، ومن هنا تنتهى الحكاية بعد عدة شهور من بدايتها، ويُهدم البيت الجميل منذ أيامه الأولى وقبل أن يكتمل. وتبين أنها تسعى من خلال "الصالون" إلى تقديم منظومة متكاملة للشباب عن الحياة الزوجية منذ لحظة الاختيار، ومرورا بفترة الخِطبة والعقد حتى الزواج، بل إنها وضعت أسس الطلاق الصح كذلك من خلال الدورات التى تقدمها للشباب. وتوضح المكى المقصد من الطلاق الصح فى أنها تشعر دوما أن الزوجين المشرفين على الطلاق يسعى كل منهما إلى تدمير الآخر والانتقام منه، وهذا ما يؤدى إلى هدم الأسرة وتدمير نفسية الأبناء، إلا أن الشرع أجازه، ولكنه احتفظ بوصفه (أبغض الحلال). ووضع له أسسا وقواعد ربانية حتى يأخذ بها كلا الطرفين فى حالة فشل محاولات الصلح، ولم يعد هناك بديل غير الوصول إلى تلك النهاية؛ ولكن مع البقاء على قيمة الأب والأم واحترام الأبناء لهما والحفاظ قبل ذلك على نفسية الصغار. تصحيح المفاهيم وتحاول المكى من خلال الدورات العملية التى تقدمها إلى الشباب أن تصحح الكثير من المفاهيم المغلوطة عن الحياة الزوجية قبل بدايتها، فالتجمل والتكلف المبالغ فيه فى فترة الخِطبة ينقلب إلى صدمة بين الطرفين بعد الزواج، كما أن الكثير من الشباب لا يفقه معنى القوامة، ويظن أنها تعنى الضرب والقمع والاستبداد الدائم للزوجة، كما لا تدرك معظم الفتيات المعنى الصحيح لطاعة الزوج، وأنها قربة إلى الله عز وجل، وتتعالى أو تشعر بالندية أمام زوجها، وهذه أيضا عوامل تهدم البيت. وتضيف: "من هنا تكون البداية المهمة هى أن يعرف كل منهما نفسه وواجباته وحقوقه ومسئوليته تجاه البيت الجديد"، مشيرة إلى أن ذلك من خلال حلقات نقاشية عن الزواج تتناوله من النواحى الاجتماعية والاقتصادية والواقعية والشخصية، وليست من منظور دينى فقط. وتحرص فاطمة المكى على تقديم الصالون الشهرى فى كل مرة بشكل جديد ومتنوع، تغلبا على الروتين والجمود الذى تتسم به المحاضرات التقليدية، ولذا تنوعت أماكن عقد الصالون بين المكتبات والنوادى والحدائق والجامعات والمراكب النيلية، حتى إنها وزعت فى إحدى اللقاءات شربات، وزينت المكان بالبالونات؛ مما أشاع البهجة بين الشباب وكأنهم فى عُرس حقيقى. وعن الجمهور الذى يهتم بمتابعة الصالون تقول المكى: يتنوع بين الشباب والبنات المقبلين على الزواج من سن 18 إلى 30 سنة ما بين طلاب جامعة وخريجين، بل ويحرص عدد كبير من الآباء والأمهات على الحضور للاستفادة فى مشاركة أبنائهم بداية حياتهم الجديدة، إلا أن نسبة الحضور من البنات قد تتفوق على الشباب فى أحيان كثيرة"، وتُرجع ذلك إلى رغبة البنت الفطرية فى تكوين بيت سعيد، وهذا بالفعل هو الدور المهم والحيوى الذى تلعبه الزوجة والأم فى احتضان الصغار والحفاظ على استقرار وسعادة الأسرة. رخصة زواج وأشارت المكى إلى أنها تمول الصالون بشكل شخصى منذ عام ونصف العام، ولكنها حددت مؤخرا أجرا رمزيا بمبلغ عشرة جنيهات، حتى تتمكن من الاستمرار وتأجير مكان للمحاضرة، ويشاركها فى الحلقات النقاشية مع الشباب أخوها عبد الرحمن المكى، وهو مأذون شرعى ومصحح لغوى ومدرب تنمية بشرية؛ حيث يرافقها فى رحلاتها إلى المحافظات، وتستضيفه العديد من القنوات الفضائية للحديث عن الصالون بعد رفضهم ظهورها بالنقاب. وتعتبر فاطمة صالونها الشبابى الثقافى هو أول وأهم خطوة فى حلمها، حيث تتمنى أن تنتشر فكرة رخصة الزواج بين الشباب المقبلين كما طبقتها ماليزيا، التى انخفضت نسبة الطلاق فيها خلال سنتين من 38% إلى 9%؛ وذلك بعد اجتياز عدد من الدورات الإجبارية التى تؤهل الشباب لبداية الحياة الزوجية على أسس قوية ودعائم سليمة.