من واقع إدراك القيادة المصرية الجديدة لمدى أهمية تطور العلاقات المصرية السودانية، لما لها من آثار تتعلق بالأمن القومي، يصل الرئيس محمد مرسي إلى الخرطوم، الخميس القادم، في أولى زياراته للسودان منذ توليه الرئاسة، التي وصفها مراقبون ب"التاريخية". العلاقات السودانية المصرية، علاقات قديمة حددتها عوامل الجغرافيا السياسية، والإرث التاريخي المشترك والدين وترابط الدم، لذلك هنالك العديد من المصالح المشتركة في مختلف المجالات، وهي من الأهمية بحيث إنها تعمل على تعزيز علاقات التكامل بين البلدين. وشهدت العلاقات بين البلدين، تأرجحا مستمرا، حيث تتطور إلى أفضل مستوياتها، ثم يبلغ التوتر فيها حد القطيعة، إلا أنه بعد ثورة 25 يناير 2011 ، أصبحت العلاقات السودانية المصرية، تأخذ منحنى آخر وتسير نحو اتجاه التعاون وتوطيد العلاقات، وأصبح ملف السودان يُحظى بكثير من الاهتمام والأولويات واستمرت العلاقات المصرية السودانية. فالحكومات السابقة في البلدين، لم تواجه ما يعيق استمرارها بالحل الشامل، واتخذت أسلوب التهدئة والتسكين للمشكلات العالقة بين البلدين لإدراكها لأهمية هذه العلاقة وضرورة استمراريتها. وفي ظل الثورة التي رفعت شعارات الوطنية، ومحاربة الفساد والإصلاح السياسي والإداري والاقتصادي، تجد مصر أنها في طريق العودة إلى موقع الريادة في الوطن العربي والإسلامي، وأن هذا الطريق يمر عبر بوابة السودان الذي ستحتاج لدعمه الأمني باعتباره العمق الإستراتيجي لمصر. وتصب الزيارة، التي وجدت ترحيبا واسعا لدى حزب المؤتمر الوطني الحاكم بالسودان، واعتبرت خطوة لتسريع خطوات التعاون والتكامل بين البلدين، في اتجاه دعم العلاقات المشتركة بما يحقق تطلعات الشعبين ويمكن أن تمضي في اتجاه التأسيس الجيد لانتقال العلاقات الأخوية بين البلدين، إلى واقع يمكن الأجهزة التنفيذية وحكومتي الدولتين من تحقيق الأهداف المشتركة. وخلال الزيارة التي تستغرق يومين، سيعقد الرئيس مرسي مع تنظيره السوداني عمر البشير، لقاء مغلقا يعقبه لقاء يشاركهما فيه عدد من وزراء البلدين لبحث الملفات الثنائية. كما سيلتقي الرئيس مرسي بمقر إقامته عددا كبيرا من المسئولين السودانيين؛ على رأسهم النائب الأول للرئيس السوداني "علي عثمان محمد طه"، ووزير المالية "علي محمود"، كما سيلتقي الأمين العام للحركة الإسلامية بالسودان "الزبير أحمد الحسن"، قبل أن يجمعه لقاء كبير مع قادة الأحزاب والقوى السياسية في السودان، وسيلتقي الرئيس كذلك بممثلي الجالية المصرية. وتحمل زيارة الرئيس مرسي، الكثير من الدلالات التي تتعلق بتطوير العلاقات السياسية المصرية مع الدولة الشقيقة، التي تمثل امتدادا إقليميّا مباشر لجنوب مصر، كما أن نهر النيل يربط بين البلدين ويشكل مصدر أساسي لاستمرار الحياة فيهما. وتمثل السودان بحكم الموقع، جوارا إستراتيجيا على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري؛ وهذا ما يجعل السودان بالنسبة لمصر أهمية إستراتيجية من الدرجة الأولى من منظور الأمن القومي والسياسة الخارجية، نظرا لأن تعزيز العلاقات المصرية مع السودان يعني حماية الأمن القومي. كما أن مصر والسودان، تتعاون بشأن اتفاقيات مياه النيل التي تعتبر موضع نزاع دائم بين دول الحوض، وذلك لتأمين حصة البلدين من المياه، في ظل تهديد دول الحوض بإعادة النظر في الاتفاقيات. ويؤكد البعد الإستراتيجي لهذه العلاقات، امتلاك كلا البلدين لمقومات وإمكانيات تعكس ضرورة التكامل لتحقيق المصالح المشتركة للأمن القومي لمصر والسودان، ويحقق خلق قوة في المنطقة لا يستهان بها، كما أن ارتباط الأمن القومي لكليهما هو حقيقة ترجع إلى واقع الجغرافية والتاريخ والظروف، وهذا ما يدعو إلى ضرورة التنسيق في كافة مجالات القوى الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاجتماعية، ويمكن أن يحقق التعاون بين مصر والسودان وضع إقليمي مستقر متطور يخدم مصلحة البلدين. وتحتاج السودان، في ظل مقتضيات الأمن القومي وظروفها الداخلية وبيئتها الإقليمية والدولية، إلى تطوير علاقاتها سياسيا وأمنيا وعسكريا مع مصر، لأن ذلك من شأنه تقدم الدولتين بشكل لا يدعو لإثارة البيئة المحلية والإقليمية والدولية.