حماس: أنس الشريف أيقونة الحقيقة وشاهد المجاعة في غزة    حامد حمدان ينعى مراسل الجزيرة أنس الشريف    بقوة 6.1 درجة.. مقتل شخص وإصابة 29 آخرين في زلزال غرب تركيا    الرئيس الأوكراني: نحن نفهم نية روسيا في محاولة خداع أمريكا ولن نسمح بهذا    محافظ الفيوم يكرم أوائل الثانوية والأزهرية والدبلومات الفنية    مأساة ضحيتي الشاطبي .. رحلة مصيف تنتهي أسفل عجلات ميكروباص    محافظ سوهاج يبحث تطوير النظام المالي والتحول الرقمي بالمحافظة    محافظ سوهاج يتابع معدلات الإنجاز في ملف تقنين أراضي أملاك الدولة    وصية الصحفى الفلسطينى أنس الشريف: أوصيكم بفلسطين درة تاج المسلمين    المعارضة الإسرائيلية: نتنياهو فشل فى تحقيق أهداف الحرب لمدة 22 شهرًا    هاني رمزي: ريبيرو يقلق جماهير الأهلي    برشلونة يمطر شباك كومو في كأس خوان جامبر    ملف يلا كورة.. نهاية الجولة الأولى بالدوري.. وصول ألفينا.. واعتذار حسام حسن    منافس المصري المحتمل.. الاتحاد الليبي يتأهل إلى الكونفدرالية الأفريقية    خلال ساعات.. تقليل الاغتراب 2025 تنسيق المرحلة الأولى والثانية «الموعد والرابط وضوابط التحويل»    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 11 أغسطس 2025 في القاهرة والمحافظات    هتقعد معاكي لأطول مدة.. أفضل طريقة لحفظ الورقيات في الثلاجة    يحسن وظائف الكبد ويخفض الكوليسترول بالدم، فوائد عصير الدوم    ياسر ريان: مصطفى شوبير رتمه بطئ والدبيس أفضل من شكري    ماس كهربائي.. إخماد حريق محدود داخل كنيسة قرية أبوان بالمنيا    النفطي: معلول إضافة للصفاقسي والجزيري يمتلك شخصية مصطفى محمد    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل الصحفي أنس الشريف في غارة على غزة    الإسكندرية السينمائي يطلق استفتاء جماهيري لاختيار أفضل فيلم سياسي مصري    لارا ترامب تتفاعل مع محمد رمضان لتصبح أحد متابعيه على السوشيال ميديا    يوسف الحسيني: اجتماع الرئيس بقيادات الهئيات الإعلامية يفتح آفاقًا جديدة للإعلام    تكريم اسم الفنان لطفي لبيب والإعلامي عمرو الليثي بمهرجان إبداع للشباب- (25 صورة)    فرصة ذهبية لطلاب الإعدادية.. تخفيض الحد الأدنى للالتحاق بالثانوي بدمياط    تتطلب مهارات.. وزير العمل: حريصون على توفير فرص عمل للشباب في الخارج    برشلونة يكتسح كومو بخماسية ويتوج بكأس خوان جامبر    "تضامن سوهاج" تكرم 47 رائدة اجتماعية وتمنحهن شهادات تقدير    موظفو طيران في بروكسل يطالبون بعدم استئناف الرحلات لإسرائيل    «لا يجب التنكيل بالمخطئين».. المسلماني: الرئيس طلب الاستعانة بكل الكوادر الإعلامية    الداخلية تضبط طالبا يستعرض بدراجة بخارية    قرار هام بشأن البلوجر مونلي صديق سوزي الأردنية بتهمة نشر فديوهات خادشة    السيطرة على حريق داخل مخزن مواد غذائية فى الزيتون دون إصابات.. صور    إخلاء سبيل طالب طعن زميله في شبرا الخيمة    اتهامات لمحامي بالاعتداء الجنسي على 4 أطفال بالدقهلية    المسلماني: الرئيس لا يريد شعبًا مغيبًا وجاهلًا (فيديو)    سعر الدولار اليوم أمام الجنيه والعملات الأخرى ببداية تعاملات الإثنين 11 أغسطس 2025    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 11 أغسطس 2025    عيار 21 الآن في الصاغة.. سعر الذهب اليوم الإثنين 11 أغسطس بعد الزيادة الأخيرة (تفاصيل)    4 أبراج «بيحققوا النجاح بسهولة»: يتمتعون بالإصرار والقوة ويتحملون المسؤولية    كشافين في القرى للبحث عن أم كلثوم والشعراوي.. المسلماني يكشف توجيهات الرئيس    اجتماع مديري الثقافة والتربية والتعليم لتعزيز الأنشطة الثقافية والتعليمية بين الطلاب    ويزو تحكي أسرار "مسرح مصر": «أشرف عبدالباقي كان بيأكلنا ويصرف علينا من جيبه»    94 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال تداولات جلسة بداية الأسبوع    خالد الغندور: التوأم يوصي فتوح بالالتزام للمشاركة مع الزمالك    فوائد اليانسون، يهدئ المعدة ويعالج نزلات البرد والإنفلونزا ويقوي المناعة    المنوفية تُطلق عيادات الدعم النفسي بخمس وحدات رعاية أساسية | صور    مدير الرعاية الصحية بالأقصر يتابع أعمال التطوير في المجمع الدولي ومستشفى الكرنك    أمين الفتوى: لا يجوز كتابة كل ما يملك الإنسان لبناته لأنه بذلك يعطل أحكام الميراث    أمين الفتوى يوضح: المال الموهوب من الأب في حياته لا يدخل في الميراث    حكم الدردشة مع صحابي بالموبايل في الحمام؟.. أمينة الفتوى تجيب    هل يجوز إجبار الزوجة على الإنفاق في منزل الزوجية؟.. أمينة الفتوى تجيب    اتحاد عمال الجيزة يضع خطته للتأهيل والتدريب المهني    موعد إجازة المولد النبوى الشريف 2025 للقطاعين العام والخاص    الشوربجي يشكر الرئيس السيسي على زيادة بدل التدريب والتكنولوجيا للصحفيين    دعاء صلاة الفجر.. أفضل ما يقال في هذا الوقت المبارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ يكتب: محمد عبد الله الخطيب يكتب: شمول النظام الإسلامى

أُنْزِلَ القرآن الكريم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متضمنًا نوعين من الأحكام.. النوع الأول منها هو أحكام العبادات، وتشمل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والصلاة والزكاة والحج، وتنظيم الأسرة من خطبة وزواج ونفقة وعدة وطلاق ونسب وحضانة وميراث ووصية. وقد جاءت السنة الشريفة -قولية كانت أو فعلية أو تقريرية- بتفصيلات ما أجمله القرآن الكريم من قواعد هذه الأحكام، ومن ثَمّ فهى ثابتة لا تتغير بتغير الزمان أو المكان.
والنوع الثانى من هذه الأحكام هو أحكام المعاملات، وهى التى تحكم علاقة الفرد بغيره من الأفراد، وقد جاءت أحكام هذا النوع بقواعد عامة مجملة ومبادئ كلية من غير تعرُّض لتفصيلات أو جزئيات؛ ذلك أن مصالح الناس وعلاقاتهم تتغير بتغير حاجاتهم وبتغير الزمان والمكان؛ ولذلك اكتفت الشريعة الإسلامية بتحديد الإطار الخارجى لهذه العلاقات، وتركت الجزئيات والتفصيلات لتنظيم الأفراد حسب زمانهم ومكانهم؛ شريطة ألا تتعارض أو تخرج عن نطاق هذا الإطار المحدد.
وقد تضمنت هذه القواعد العامة تنظيم النواحى الاجتماعية والاقتصادية فى المجتمع الإسلامى، كما شملت -وفقًا للتقسيمات الحديثة للقوانين الوضعية- أحكام القانون المدنى والقانون التجارى والدستورى، والقانون المالى والضريبى، وقانون المرافعات، وقانون العمل والإجراءات الجنائية وقانون العقوبات.
وقبل التعرض للقواعد العامة فى الشريعة الإسلامية للقوانين سالفة الذكر، يجمل البدء ببيان النظام الاجتماعى والاقتصادى فى المجتمع الإسلامى.
حق الملكية فى الإسلام:
جاءت مصادر التشريع الإسلامى بالقواعد والمبادئ التى كفلت حقوق الأفراد وحريتهم فى التملك للمنقول والعقار بقدر وسعهم، وأباحت لهم التصرف فيما يملكون؛ شريطة أن يكون هذا الملك والتصرف فى غير ما حرَّم الله، وسند ذلك من القرآن الكريم قوله عز وجل: "ولا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ"، "وإن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ ولا تُظْلَمُونَ"، "ولا تَقْرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إلا بِالَّتِى هِى أَحْسَنُ"، كما أن أحكام الزكاة والبيع والشفعة والوصية والهبة والوقف كل ذلك دليل على إباحة الإسلام حق الملكية للأفراد.
ولم تكتفِ شريعة الإسلام بإقرار الملكية الفردية وإنما حضَّت على كسبها، وذلك بالحث على العمل الذى هو المصدر الأول والأساسى فى كسبها وتوجبه على الأفراد، فيقول الحق تبارك وتعالى: "وقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ ورَسُولُهُ والْمُؤْمِنُون"، "فَإذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِى الأَرْضِ وابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ"، "هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا وكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وإلَيْهِ النُّشُورُ".
وقد جاء الإسلام بالنصوص التى كفلت صيانة هذا الحق وحمايته من أى اعتداء "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إلا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ"، "والسَّارِقُ والسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ".
وأوجب الإسلام البُعْد عن كسب الملكية عن الحرام والغش والخداع والإكراه والاستغلال والخديعة، فيقول عز وجل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً واتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"، "وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وإذَا كَالُوهُمْ أَو وزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ".
ويقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((من غشَّ أمتى فليس منِّى))، ((لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به))، ويقول: ((لا يحتكر إلا خاطئ))، ويقول: ((من دخل فى شىء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقًّا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة))، كما حرَّم الإسلام استخدام الملكية أو استعمالها فى استغلال النفوذ الاجتماعى أو الاقتصادى أو السياسى، فيقول الحق جلَّ جلاله "ولا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وتُدْلُوا بِهَا إلَى الحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإثْمِ وأَنتُمْ تَعْلَمُونَ".
حق الفرد فى الملكية مُقيَّد بالمصلحة العامة:
الإسلام وإن أباح حق الملكية وصانه وحماه، إلا أنه لم يتركه طليقًا بلا قيود، فقيَّده ببعض القيود حتى لا يتعارض مع صالح الجماعة، فاستعمال صاحب الحق لحقِّه يجب ألا يضرّ الآخرين؛ وإلا حدَّ من حرية صاحب الحق آخذًا بقاعدة "لا ضَرَر ولا ضرار"؛ ولذلك تُقرِّر الشريعة حق الشنّة، أى شرب الإنسان ودوابه من عين الماء المملوكة لغيره وليس لمالكها أن يمنعها عنه، ويُروى فى هذا الشأن عن عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- أن قومًا ذهبوا إليه وأخبروه أنهم كانوا فى سفر، ووردوا ماء فطلبوا من أهله السماح لهم بالشرب منه والسقى لدوابِّهم فأبوا عليهم، فقال لهم عمر -رضى الله عنه- هلا وضعتم فيهم السلاح.
ويُروى عنه أيضًا أن الضَّحاك بن خليفة الأنصارى أراد أن يروى أرضه وكان لا يمكنه ذلك إلا عن طريق مرور الماء بأرض محمد بن مسلمة الذى أبى عليه ذلك، فشكا إلى عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- الذى سأل محمد بن مسلمة إجابة الضحاك إلى طلبه فرفض، فقال له عمر "والله ليمرَّنَّ ولو على بطنك"، وأمر الضحاك أن يمرّ به ففعل.
قيَّدت الشريعة أيضًا حق الملكية بالإرث؛ فليس للمُورِّث المالك أن يحابى بعض الورثة على حساب البعض الآخر، كما أنه لا يملك التصرف فى ماله كله بعد وفاته بالوصية لمن يشاء، بل لا يملك حق التصرف فيه إلا فى حدود الثلث.
وعلى المالك فى الإسلام مداومة استثمار ماله؛ وإلا كان فى هذا ضرر عليه وعلى المجتمع، وهذا القيد التكليفى ثابت من قول النبى -صلى الله عليه وسلم-: "ليس لمحتجز حق بعد ثلاث سنين"، وقد طبَّق عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- هذا القول على بلال بن الحارث المزنى، وكان النبى -صلى الله عليه وسلم- قد أعطاه جميع أرض العقيق، فلما جاء عمر -رضى الله عنه- قال له إن النبى -صلى الله عليه وسلم- لم يعطك لتحجز عن الناس، وإنما أقطعك لتعمل، فخذ منها ما قدرت على عمارته، وردّ الباقى، ثم قال خاطبًا فى الناس: "من أحيا أرضًا ميتة فهى له، وليس لمحتجز حق بعد ثلاث سنوات".
ومن حق ولى الأمر فى الإسلام التدخل فى تسعير السلع ومنع احتكارها أو بيعها بسعر أكثر من سعر المثل، ويجوز له أيضًا أن ينزع ملكية الأفراد للمنفعة العامة؛ شريطة أن يكون ذلك من متطلبات المصلحة العامة للمسلمين؛ ذلك أن المصلحة العامة مقدَّمة على المصلحة الخاصة، وذلك أسوة بما فعل عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- عند توسيع المسجد الحرام، ولكن يجب على ولى الأمر فى هذه الحالة تعويض الفرد المنزوع ملكيته تعويضًا عادلاً من بيت المال.
أوجب الإسلام أيضًا إنفاق المال فى سبله المشروعة وهى سدِّ حاجة المحتاج ومواساة البائس، ومدِّ يد العون للفقير، ومسح أحزان اليتيم، ووصل القريب، وتفريج كربة المكروب، والمساهمة فى أعمال البر، فيقول الخالق العليم: "لَيْسَ البِرَّ أَن تُوَلُّوا وجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ والْمَغْرِبِ ولَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ والْمَلائِكَةِ والْكِتَابِ والنَّبِيِّينَ وآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِى القُرْبَى والْيَتَامَى والْمَسَاكِينَ وابْنَ السَّبِيلِ والسَّائِلِينَ وفِى الرِّقَابِ"، "والَّذِينَ فِى أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ والْمَحْرُومِ"، "لَن تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ"، "إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحْسَانِ وإيتَاءِ ذِى القُرْبَى"، "مَن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً واللَّهُ يَقْبِضُ ويَبْصُطُ وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ"، ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس المؤمن الذى يشبع وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم"، ويقول عليه الصلاة والسلام: "أيّما أهل عرض أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله".
وليس للمسلم أن يتخلف عن تنفيذ ما أمر الله به فى هذا الشأن؛ لأن المال فى الأصل هو مال الله سبحانه وقد استخلفه الله عليه "وآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِى آتَاكُمْ"، "ولا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ ولِلَّهِ"، "وأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ"، "إنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ والْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ".
التكافل الاجتماعى هو أساس المجتمع فى الإسلام:
إن الودَّ والبرَّ والتعاون والتراحم السابق الإشارة إليها ليس إلا صورة من صور التكافل الاجتماعى الإسلامى، وركيزة من ركائزه، والزكاة ليست إلا موردًا رئيسيًّا من موارد تمويل هذا التكافل الاجتماعى، فهى ليست متروكة لاختيار المسلم أو إحساسًا منه، وإنما هى فريضة من فرائض الإسلام وأحد أركانه، وللزكاة أوجه معينة فى توزيعها ولا يجوز الخروج عليها "إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ والْمَسَاكِينِ والْعَامِلِينَ عَلَيْهَا والْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وفِى الرِّقَابِ والْغَارِمِينَ وفِى سَبِيلِ اللَّهِ وابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ"، وقد فسَّر العلماء الغارمين بأنهم كل من تنزل بهم خسارة مالية؛ بسبب حريق أو سيل أو دَيْن فى غير معصية، وإذا كان المَدِين يملك مالاً ولكنه مستغرق بالدَّيْن فإنه يأخذ من أسهم الغارمين.
والتكافل الاجتماعى الإسلامى لا يقتصر على النواحى المادية؛ وإنما يشمل سائر النواحى الأدبية من حُبٍّ وعطفٍ وحسن معاملة وتعامل فى السرَّاء والضرَّاء، كما يشمل التكامل الاجتماعى والتكامل العلمى، فيجب على المسلم ألا يكتم علمه على الآخرين انفرادًا برئاسة علمية أو تمييزًا، وفى ذلك قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((من كتم عِلْمًا أَلْجَمَه الله بلجامٍ من نار يوم القيامة))، كما يشمل التكافل السياسى، ويدخل ذلك فى عموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته))، ((المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم)).
ويشمل أيضًا التكافل الدفاعى "وأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ومِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وعَدُوَّكُمْ"، "انفِرُوا خِفَافًا وثِقَالاً"، كما يشمل التكافل الجنائى وأن فى القسامة لأكبر دليل على ذلك.
كما يتضمَّن التكافل أيضًا الناحية الروحية كصلاة الجنازة؛ لأن الميت إذا مات وجب تكفينه والصلاة عليه، ثم دفنه فإن لم يَقُم أحد بذلك أثم المجتمع كله، ولقد كان لهذا التكافل الاجتماعى أثره فى عام الرمادة؛ عندما أصابت المجاعة جزيرة العرب، فتكافل المسلمون فى المشرق والمغرب لدفع غائلتها عن إخوانهم، وقد قال عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- بعد انتهائها: "لو أصاب الناس السّنة لأدخلت على كل أهل بيت مثلهم، فإن الناس لا يهلكون على أنصاف بطونهم".
هذه هى أحكام الإسلام ونظمه الاجتماعية والاقتصادية التى وإن كان قد عَمِى عن إدراكها بعض المسلمين الذين يريدون الاصطباغ بالنظم الأجنبية فإن مفكرى الغرب وعلماءه الذين يجرى هؤلاء وراءهم لاهثين وقفوا مشدوهين بسموِّ الشريعة مبهورين بعظمتها؛ إذ يقول المستشرق ديورنت: "إن محمدًا كان من أعظم عظماء التاريخ؛ فقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحى والإخلاص.. إلخ، ونجح نجاحًا لم يدانِه فيه أى مصلح آخر فى التاريخ كله، وقلَّ أن تجد إنسانًا غيره حقَّق كل ما كان يحلم به، وقد وصل إلى ما كان يبتغيه عن طريق الدِّين"، ويقول: "وهو الذى أقام فيهم قواعد النظام الاجتماعى والوحدة الاجتماعية، وحضَّهم على اتباع القواعد الصحيحة، وحرَّر عقولهم من كثير من الخرافات والأوهام ومن الظلم والقسوة".
ويقول المستشرق السويسرى يوهان لود فيل بروكسهارت: "إن المجتمع الإسلامى الصحيح هو مجتمع المحبَّة والتعاطف والصفاء فى ظلاله لا يعرف شيئًا يسمى العوز أو الحقد أو التنافر الطبقى، أن يحظى الفقير والضعيف والعاجز بعطف الأغنياء والأقوياء والقادرين، وبمعونتهم التى يبذلونها طواعية من غير ترفُّع ولا تعالٍ؛ مما يقضى تمام القضاء على تلك الفوارق الاجتماعية والصراعات النفسية التى تعانيها المجتمعات الأوروبية، وتهدِّد روابط الإنسان فيها بأفدح الأخطار".
هذا هو النظام الإسلامى الاجتماعى والاقتصادى الذى لو طبَّق المسلمون أسسه ومبادئه لما وُجِد بينهم جائع ولا عارٍ ولا خائف ولا جاهل ولا عاطل يعيش عالةً على غيره.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.