«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ يكتب: محمد عبد الله الخطيب يكتب: شمول النظام الإسلامى

أُنْزِلَ القرآن الكريم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متضمنًا نوعين من الأحكام.. النوع الأول منها هو أحكام العبادات، وتشمل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والصلاة والزكاة والحج، وتنظيم الأسرة من خطبة وزواج ونفقة وعدة وطلاق ونسب وحضانة وميراث ووصية. وقد جاءت السنة الشريفة -قولية كانت أو فعلية أو تقريرية- بتفصيلات ما أجمله القرآن الكريم من قواعد هذه الأحكام، ومن ثَمّ فهى ثابتة لا تتغير بتغير الزمان أو المكان.
والنوع الثانى من هذه الأحكام هو أحكام المعاملات، وهى التى تحكم علاقة الفرد بغيره من الأفراد، وقد جاءت أحكام هذا النوع بقواعد عامة مجملة ومبادئ كلية من غير تعرُّض لتفصيلات أو جزئيات؛ ذلك أن مصالح الناس وعلاقاتهم تتغير بتغير حاجاتهم وبتغير الزمان والمكان؛ ولذلك اكتفت الشريعة الإسلامية بتحديد الإطار الخارجى لهذه العلاقات، وتركت الجزئيات والتفصيلات لتنظيم الأفراد حسب زمانهم ومكانهم؛ شريطة ألا تتعارض أو تخرج عن نطاق هذا الإطار المحدد.
وقد تضمنت هذه القواعد العامة تنظيم النواحى الاجتماعية والاقتصادية فى المجتمع الإسلامى، كما شملت -وفقًا للتقسيمات الحديثة للقوانين الوضعية- أحكام القانون المدنى والقانون التجارى والدستورى، والقانون المالى والضريبى، وقانون المرافعات، وقانون العمل والإجراءات الجنائية وقانون العقوبات.
وقبل التعرض للقواعد العامة فى الشريعة الإسلامية للقوانين سالفة الذكر، يجمل البدء ببيان النظام الاجتماعى والاقتصادى فى المجتمع الإسلامى.
حق الملكية فى الإسلام:
جاءت مصادر التشريع الإسلامى بالقواعد والمبادئ التى كفلت حقوق الأفراد وحريتهم فى التملك للمنقول والعقار بقدر وسعهم، وأباحت لهم التصرف فيما يملكون؛ شريطة أن يكون هذا الملك والتصرف فى غير ما حرَّم الله، وسند ذلك من القرآن الكريم قوله عز وجل: "ولا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ"، "وإن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ ولا تُظْلَمُونَ"، "ولا تَقْرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إلا بِالَّتِى هِى أَحْسَنُ"، كما أن أحكام الزكاة والبيع والشفعة والوصية والهبة والوقف كل ذلك دليل على إباحة الإسلام حق الملكية للأفراد.
ولم تكتفِ شريعة الإسلام بإقرار الملكية الفردية وإنما حضَّت على كسبها، وذلك بالحث على العمل الذى هو المصدر الأول والأساسى فى كسبها وتوجبه على الأفراد، فيقول الحق تبارك وتعالى: "وقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ ورَسُولُهُ والْمُؤْمِنُون"، "فَإذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِى الأَرْضِ وابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ"، "هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا وكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وإلَيْهِ النُّشُورُ".
وقد جاء الإسلام بالنصوص التى كفلت صيانة هذا الحق وحمايته من أى اعتداء "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إلا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ"، "والسَّارِقُ والسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ".
وأوجب الإسلام البُعْد عن كسب الملكية عن الحرام والغش والخداع والإكراه والاستغلال والخديعة، فيقول عز وجل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً واتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"، "وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وإذَا كَالُوهُمْ أَو وزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ".
ويقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((من غشَّ أمتى فليس منِّى))، ((لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به))، ويقول: ((لا يحتكر إلا خاطئ))، ويقول: ((من دخل فى شىء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقًّا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة))، كما حرَّم الإسلام استخدام الملكية أو استعمالها فى استغلال النفوذ الاجتماعى أو الاقتصادى أو السياسى، فيقول الحق جلَّ جلاله "ولا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وتُدْلُوا بِهَا إلَى الحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإثْمِ وأَنتُمْ تَعْلَمُونَ".
حق الفرد فى الملكية مُقيَّد بالمصلحة العامة:
الإسلام وإن أباح حق الملكية وصانه وحماه، إلا أنه لم يتركه طليقًا بلا قيود، فقيَّده ببعض القيود حتى لا يتعارض مع صالح الجماعة، فاستعمال صاحب الحق لحقِّه يجب ألا يضرّ الآخرين؛ وإلا حدَّ من حرية صاحب الحق آخذًا بقاعدة "لا ضَرَر ولا ضرار"؛ ولذلك تُقرِّر الشريعة حق الشنّة، أى شرب الإنسان ودوابه من عين الماء المملوكة لغيره وليس لمالكها أن يمنعها عنه، ويُروى فى هذا الشأن عن عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- أن قومًا ذهبوا إليه وأخبروه أنهم كانوا فى سفر، ووردوا ماء فطلبوا من أهله السماح لهم بالشرب منه والسقى لدوابِّهم فأبوا عليهم، فقال لهم عمر -رضى الله عنه- هلا وضعتم فيهم السلاح.
ويُروى عنه أيضًا أن الضَّحاك بن خليفة الأنصارى أراد أن يروى أرضه وكان لا يمكنه ذلك إلا عن طريق مرور الماء بأرض محمد بن مسلمة الذى أبى عليه ذلك، فشكا إلى عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- الذى سأل محمد بن مسلمة إجابة الضحاك إلى طلبه فرفض، فقال له عمر "والله ليمرَّنَّ ولو على بطنك"، وأمر الضحاك أن يمرّ به ففعل.
قيَّدت الشريعة أيضًا حق الملكية بالإرث؛ فليس للمُورِّث المالك أن يحابى بعض الورثة على حساب البعض الآخر، كما أنه لا يملك التصرف فى ماله كله بعد وفاته بالوصية لمن يشاء، بل لا يملك حق التصرف فيه إلا فى حدود الثلث.
وعلى المالك فى الإسلام مداومة استثمار ماله؛ وإلا كان فى هذا ضرر عليه وعلى المجتمع، وهذا القيد التكليفى ثابت من قول النبى -صلى الله عليه وسلم-: "ليس لمحتجز حق بعد ثلاث سنين"، وقد طبَّق عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- هذا القول على بلال بن الحارث المزنى، وكان النبى -صلى الله عليه وسلم- قد أعطاه جميع أرض العقيق، فلما جاء عمر -رضى الله عنه- قال له إن النبى -صلى الله عليه وسلم- لم يعطك لتحجز عن الناس، وإنما أقطعك لتعمل، فخذ منها ما قدرت على عمارته، وردّ الباقى، ثم قال خاطبًا فى الناس: "من أحيا أرضًا ميتة فهى له، وليس لمحتجز حق بعد ثلاث سنوات".
ومن حق ولى الأمر فى الإسلام التدخل فى تسعير السلع ومنع احتكارها أو بيعها بسعر أكثر من سعر المثل، ويجوز له أيضًا أن ينزع ملكية الأفراد للمنفعة العامة؛ شريطة أن يكون ذلك من متطلبات المصلحة العامة للمسلمين؛ ذلك أن المصلحة العامة مقدَّمة على المصلحة الخاصة، وذلك أسوة بما فعل عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- عند توسيع المسجد الحرام، ولكن يجب على ولى الأمر فى هذه الحالة تعويض الفرد المنزوع ملكيته تعويضًا عادلاً من بيت المال.
أوجب الإسلام أيضًا إنفاق المال فى سبله المشروعة وهى سدِّ حاجة المحتاج ومواساة البائس، ومدِّ يد العون للفقير، ومسح أحزان اليتيم، ووصل القريب، وتفريج كربة المكروب، والمساهمة فى أعمال البر، فيقول الخالق العليم: "لَيْسَ البِرَّ أَن تُوَلُّوا وجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ والْمَغْرِبِ ولَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ والْمَلائِكَةِ والْكِتَابِ والنَّبِيِّينَ وآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِى القُرْبَى والْيَتَامَى والْمَسَاكِينَ وابْنَ السَّبِيلِ والسَّائِلِينَ وفِى الرِّقَابِ"، "والَّذِينَ فِى أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ والْمَحْرُومِ"، "لَن تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ"، "إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحْسَانِ وإيتَاءِ ذِى القُرْبَى"، "مَن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً واللَّهُ يَقْبِضُ ويَبْصُطُ وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ"، ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس المؤمن الذى يشبع وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم"، ويقول عليه الصلاة والسلام: "أيّما أهل عرض أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله".
وليس للمسلم أن يتخلف عن تنفيذ ما أمر الله به فى هذا الشأن؛ لأن المال فى الأصل هو مال الله سبحانه وقد استخلفه الله عليه "وآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِى آتَاكُمْ"، "ولا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ ولِلَّهِ"، "وأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ"، "إنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ والْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ".
التكافل الاجتماعى هو أساس المجتمع فى الإسلام:
إن الودَّ والبرَّ والتعاون والتراحم السابق الإشارة إليها ليس إلا صورة من صور التكافل الاجتماعى الإسلامى، وركيزة من ركائزه، والزكاة ليست إلا موردًا رئيسيًّا من موارد تمويل هذا التكافل الاجتماعى، فهى ليست متروكة لاختيار المسلم أو إحساسًا منه، وإنما هى فريضة من فرائض الإسلام وأحد أركانه، وللزكاة أوجه معينة فى توزيعها ولا يجوز الخروج عليها "إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ والْمَسَاكِينِ والْعَامِلِينَ عَلَيْهَا والْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وفِى الرِّقَابِ والْغَارِمِينَ وفِى سَبِيلِ اللَّهِ وابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ"، وقد فسَّر العلماء الغارمين بأنهم كل من تنزل بهم خسارة مالية؛ بسبب حريق أو سيل أو دَيْن فى غير معصية، وإذا كان المَدِين يملك مالاً ولكنه مستغرق بالدَّيْن فإنه يأخذ من أسهم الغارمين.
والتكافل الاجتماعى الإسلامى لا يقتصر على النواحى المادية؛ وإنما يشمل سائر النواحى الأدبية من حُبٍّ وعطفٍ وحسن معاملة وتعامل فى السرَّاء والضرَّاء، كما يشمل التكامل الاجتماعى والتكامل العلمى، فيجب على المسلم ألا يكتم علمه على الآخرين انفرادًا برئاسة علمية أو تمييزًا، وفى ذلك قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((من كتم عِلْمًا أَلْجَمَه الله بلجامٍ من نار يوم القيامة))، كما يشمل التكافل السياسى، ويدخل ذلك فى عموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته))، ((المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم)).
ويشمل أيضًا التكافل الدفاعى "وأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ومِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وعَدُوَّكُمْ"، "انفِرُوا خِفَافًا وثِقَالاً"، كما يشمل التكافل الجنائى وأن فى القسامة لأكبر دليل على ذلك.
كما يتضمَّن التكافل أيضًا الناحية الروحية كصلاة الجنازة؛ لأن الميت إذا مات وجب تكفينه والصلاة عليه، ثم دفنه فإن لم يَقُم أحد بذلك أثم المجتمع كله، ولقد كان لهذا التكافل الاجتماعى أثره فى عام الرمادة؛ عندما أصابت المجاعة جزيرة العرب، فتكافل المسلمون فى المشرق والمغرب لدفع غائلتها عن إخوانهم، وقد قال عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- بعد انتهائها: "لو أصاب الناس السّنة لأدخلت على كل أهل بيت مثلهم، فإن الناس لا يهلكون على أنصاف بطونهم".
هذه هى أحكام الإسلام ونظمه الاجتماعية والاقتصادية التى وإن كان قد عَمِى عن إدراكها بعض المسلمين الذين يريدون الاصطباغ بالنظم الأجنبية فإن مفكرى الغرب وعلماءه الذين يجرى هؤلاء وراءهم لاهثين وقفوا مشدوهين بسموِّ الشريعة مبهورين بعظمتها؛ إذ يقول المستشرق ديورنت: "إن محمدًا كان من أعظم عظماء التاريخ؛ فقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحى والإخلاص.. إلخ، ونجح نجاحًا لم يدانِه فيه أى مصلح آخر فى التاريخ كله، وقلَّ أن تجد إنسانًا غيره حقَّق كل ما كان يحلم به، وقد وصل إلى ما كان يبتغيه عن طريق الدِّين"، ويقول: "وهو الذى أقام فيهم قواعد النظام الاجتماعى والوحدة الاجتماعية، وحضَّهم على اتباع القواعد الصحيحة، وحرَّر عقولهم من كثير من الخرافات والأوهام ومن الظلم والقسوة".
ويقول المستشرق السويسرى يوهان لود فيل بروكسهارت: "إن المجتمع الإسلامى الصحيح هو مجتمع المحبَّة والتعاطف والصفاء فى ظلاله لا يعرف شيئًا يسمى العوز أو الحقد أو التنافر الطبقى، أن يحظى الفقير والضعيف والعاجز بعطف الأغنياء والأقوياء والقادرين، وبمعونتهم التى يبذلونها طواعية من غير ترفُّع ولا تعالٍ؛ مما يقضى تمام القضاء على تلك الفوارق الاجتماعية والصراعات النفسية التى تعانيها المجتمعات الأوروبية، وتهدِّد روابط الإنسان فيها بأفدح الأخطار".
هذا هو النظام الإسلامى الاجتماعى والاقتصادى الذى لو طبَّق المسلمون أسسه ومبادئه لما وُجِد بينهم جائع ولا عارٍ ولا خائف ولا جاهل ولا عاطل يعيش عالةً على غيره.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.