أنا أم لثلاثة أبناء شكوتى من طفلى الأوسط الذى يكمل عامه الخامس، فرغم أنه كان يتميز عن باقى أشقائه بالهدوء ألا أننى منذ حوالى خمسة أشهر أعانى من بعده عنى، وعنفه الزائد، وعدم طاعته، فضلا عن عدم وجود ميول لديه فهو لا يهوى اللعب كثيرا ولا يرغب فى الذهاب إلى الحضانة، وإن ذهب فى أحد الأيام يتضجر ولا تكون لديه رغبة فى الجلوس فيها فترة طويلة، مع العلم أننى أعمل مدرسة فى الفترة الصباحية وأتركه مع جدته وعمته حيث نعيش فى بيت العائلة، لذلك فهو يرتبط بجدته وعمته وعمه الذى يرتبط به بشدة فصغيرى لطيف معنا فى حالة تدليله وتلبيه رغباته، لكنه عنيف رافض لأى عمل إذا طلب أحد أفراد العائلة شيئا. لا أستطيع أن أفسر الحالة النفسية التى يوجد عليها ابنى، هل يفعل ذلك بسبب إظهار حبى الشديد له وكذلك حب جميع أفراد العائلة والتدليل الزائد، فقد كنت دائمة الإثناء عليه أمام الجميع، فماذا أفعل معه لكى يعود إلى طبيعته وهدوئه وطاعته؟ يجيب عن هذه الاستشارة، معتز شاهين، مستشار تربوى، فيقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أيتها الأم الفاضلة، ما تعانينه مع ابنك هو مشكلة تعانى منها الكثير من العائلات اليوم، يمكن لنا أن نلخصها فى كلمتين (الابن الأوسط)، فالكثير من الآباء والأمهات يشكون من سلوكيات وليدهم الأوسط رغم أنهم هم السبب فى حدوث تلك المشكلات السلوكية وتفاقمها، وإلا لما ظهرت تلك المشكلات فى ابنهم الأوسط دون باقى الأبناء؟ والابن الأوسط مشتت، يشعر بأنه لا محل له من الإعراب، فهو يأتى بين أبن أكبر (بكرى) يأخذ زمام المبادرة وحرية اتخاذ القرار فهو الكبير، وأخ أو أخت صغرى ينال (الاهتمام)، بينما يقف هو متنازع التفكير بينهما، لا دور له محدد داخل الأسرة، فهو يرى نفسه (ضحية)، حيث يتم توجيه الملاحظات إليه دائما، وتنتقد تصرفاته باستمرار، ويعتمد عليه لإنجاز مهام وواجبات أكثر من إخوته، أو يتم تجاهله بشكل عفوى من الأهل، مما قد يؤدى به إلى الإحساس بعدم انتمائه للأسرة. كل تلك الأسباب تجعل الابن الأوسط يميل إلى العنف الزائد (العدوانية) والغيرة، وذلك نتاج طبيعى لحيرة ذلك الطفل الصغير لتفسير تصرفات والديه نحوه ونحو إخوته، ومحاولة منه لإثبات ذاته داخل الأسرة وإيجاد مكان ودور فعال بداخلها. والحل لتلك المشكلة يبدأ بالمساواة، وهو ما أمرنا به الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم– حيث أمرنا بالمساواة بين أطفالنا حتى فى القبلة،، فعن أنس -رضى الله عنه- قال: (كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجل فجاء ابن له فقبله وأجلسه على فخذه ثم جاءت بنت له فأجلسها إلى جنبه قال: فهلا عدلت بينهما). كذلك عليكِ بوصفكِ أمًّا محاولة إيجاد نوع من أنواع التوازن بين الابن الأوسط وأخويه الكبير والصغير من حيث المعاملة، فلا نبالغ فى التعامل مع الابن الأوسط على أنه صغير بالمقارنة بأخيه أو أخته الكبرى، ولكن نحاول تنمية دافع الاستقلال لديه، ولا نسفه من أفعاله وآرائه وأقواله، وكذلك عدم المبالغة فى التعامل معه على أنه كبر بالمقارنة بأخيه أو أخته الصغرى، فهو طفل وما زال فى حاجة للمداعبة واللعب والمرح معك. ويجب إكساب الابن الأوسط حافز إيجابى تجاه نفسه، وذلك بالثناء عليه بعبارات المديح التى تصف سلوكياته الإيجابية، وكذلك الحال مع باقى الأبناء. ومن المهم أن نحاول علاج حالات الغيرة الناشئة بين الأخوات، سواء غيرة الابن الكبير من الابن الأوسط، أو غيرة الأوسط من الأصغر، مع الحرص على أن إشباع احتياجات الابن الأوسط، وإظهار الاهتمام به. ختاما أن التفرقة هى استثارة لمشاعر الحقد والغيرة بين الأخوة، فالطفل أيّا كان ترتيبه (الأكبر– الأوسط– الأصغر) لا يعتبر مشكلة إلا إذا اعتبرناه نحن كذلك، وتعاملنا معه على هذا الأساس، لذا فالتعامل الطبيعى العادل هو الحل الجذرى لكل تلك المشاكل، ولا ننسى قوله تعالى فى سورة النساء الآية 11: "آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعا".