(لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَىْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) تعقيب إلهى على غضب النبى صلى الله عليه وسلم مما فُعل فيه وفى عمه حمزة وأصحابه رضى الله عنهم يوم أحد؛ ليتذكر النبى أنه عبد لله، وأن الأمر كله لله وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولو شاء الله لانتصر منهم، ولو شاء لتاب عليهم، وعلى من مثّل بعمه حمزة، وهو ما حدث بالفعل لاحقا مع وحشى وهند قتلة حمزة، ولو شاء لعذبهم فإنهم ظالمون. ويقول صاحب "الظلال" فى هذه الآية: إن أحدا ليس له من الأمر من شىء. (حتى النبى) لا فى نصر ولا فى هزيمة. إنما الطاعة والوفاء والأداء هى المطلوبة من الناس، وأن النصر من عند الله لتحقيق قدر الله، وليس للرسول ولا للمجاهدين فى النصر من غاية ذاتية، ولا نصيب شخصى، كما أنه ليس له ولا لهم دخل فى تحقيقه وإن هم إلا ستار القدرة!! ما أشبه اليوم بالأمس، نعم ليس لنا من الأمر شىء، قيلت لمن هو خير منا، لا بد أن نصغى إليها ولا يتعارض ذلك مع أننا سنراجع أنفسنا ونقف على مواطن القصور، وسنتعبد إلى الله باستدراكها، وسنظل مرابطين، لن نهون ولن نحزن، سنظل أوفياء لديننا أوفياء لأوطاننا، وسنرى الله من أنفسنا خيرا، ويوما سيعلم شعبنا أنه أحب إلينا من أنفسنا، وسيعلم أيضا الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون، إن الله لا يصلح عمل المفسدين، وإن غدا لناظره قريب. الوقوف على جوانب القصور واستدراكها واجب، ولكن أيضا أصحاب الدعوات يصطحبون هذا التقويم باستشعار التسليم المطلق لله، ولا تفت الأحداث مهما كانت قسوتها عزائمهم، ويتأملون تعقيب الله على موقف بعض الصحابة الذين استشعروا الألم بعد غزوة أحد "واستمعوا إلى قول المنافقين إن الأفضل كان عدم الخروج من المدينة، وأنهم لو فعلوا ما كان حدث ما حدث"، فنزل التوجيه الإلهى فى قوله تعالى (وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَىْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِى أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَىْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِى بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى? مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِى اللَّهُ مَا فِى صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِى قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (آل عمران: 154). وفى النهاية نعلم أن الله لم يخلقنا عبثا، ولكن خلقنا لعبادته ولإقامة الدين ولعمارة الأرض، وجعل البلاء والتدافع بين الحق والباطل والخير والشر سنة كونية؛ من أجل تمحيص المؤمنين، وتحقيق الإيمان فى قلوبهم، ومن أجل محق المجرمين وإقامة الحجة عليهم، ولم يمهل الظالمين حبا فيهم، ولكن بلاء للمؤمنين (أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا أنْ يَقُولُوا آمَنّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (العنكبوت: 2)، (الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (الملك: 2)، (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ الله الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَالله لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ الله الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (141)) (آل عمران). سألت نفسى عن طبيعة البلاء بعد الثورة، فخشيت عندئذ على نفسى وعلى إخوانى من بلاء المناصب وفتن الدنيا، ولكن سريعا وجدت بلاء آخر، التشهير والتشكيك والسب والقذف وتحزب أصحاب المصالح من رجال أعمال، ومن آخرين فى القضاء، ومن إعلاميين، ومن رجال شرطة، ومن دولة عميقة، ومن، ومن... "والله من ورائهم محيط". بل وأصبحت المناصب مغرما، لا مغنما، ووجدت أن الله يعطينا نتائج بلا مقدمات (ثوره بلا أسباب، وفوز الرئيس بعد ترشحه قبل الانتخابات بثلاثة أسابيع، وجلاء المجلس العسكرى، ونسبة عالية فى الاستفتاء الأول والثانى بلا مقدمات، وأحيانا تكون الأسباب معنا والنتائج مختلفة؛ لنعلم أن الأمر كله لله، وأن الأمور تجرى بمقادير الله، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، وتريدون العير والله يريد النفير، وأن للبيت ربا يحميه، سنلجأ إليه ونتوكل عليه ونفوض إليه الأمر كله، وسنستمد مدد السماء بالذكر والدعاء وقيام الليل، وسنجتهد ونشمر وسنشم ريح الجنة وراء كل حدث، وسنراجع ونحاسب أنفسنا، ونستدرك ما فاتنا، وأن نصر الله قريب، وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون.. والله أكبر ولله الحمد، اللهم بلغ عنا.