فى حياتك أيها الشاب تقابل أناسا ليسوا عاديين.. تتوقف عندهم كثيرا.. أعط وقتا فى أن تفكر فى مسيرتهم.. تستقى منها العبر وتشحن بهم القلب والعقل لتحسن جودة حياتك وتمضى فى طريقك فى وضوح وسكينة. كنا نسمع عن مثيلاتها فى التاريخ، ونتحسر أننا لم نر مثل هذه النماذج رأى العين.. ولكنها جاءت إلينا فى عالمنا لتقول إن القرآن الذى ربى قديما هو من يربى الآن.. فقط إذا أخذناه بحقه.. جاءت إلينا فى عالمنا "مريم فرحات" أم نضال والملقبة بخنساء فلسطين.. امرأة فريدة من نوعها.. قدوة بكل ما تحمل من كلمة.. وأرجو أن نعى أن القدوة حولنا دوما لمن يريد أن يقتدى، لكنها غالية لا تظهر إلا إذا بحثت عنها وأعطيتها حقها من التقدير والاحترام. لست أدرى كيف استطاعت أم نضال أن تقوم بالمعادلة الصعبة.. قلب أم وقلب مجاهد، كانت تقول لى: يقولون عنى إنى قاسية؟ والله يا بنيتى إنى لأبكى أبنائى كل يوم.. إنهم "غاليين"، لكن ديننا أغلى ومقدساتنا أغلى، والشهيد عندى أبر أبنائى لأنه خير من يشفع لى. قدمت أم نضال ثلاثة من الأبناء شهداء، وودعت محمدا فى صورة فوتوغرافية، أعجب ما ترى عينيك، فلقد وقفت معه تقبله لأنه ذاهب "ليموت"، ألبسته بنفسها سلاحه، وقالت له: أريدك شهيدا.. لا سجينا، وبالفعل استشهد محمد فى ضربة نوعية للعدو الصهيونى، ثم جاء نضال ابنها الأكبر أول من صنع صاروخا قساميا واستشهد فى أثناء إحدى تجاربه على يد أحد العملاء، ولعله عرف أن صاروخه وصل حديثا إلى تل أبيب، ثم استشهد رواد وكان صغيرا، فاجأها بالشهادة وهو فى طريقه إلى المرابطين.. فصبرت واحتسبت، ولعلك يا سيدتى قابلت الأحبة.. ومعهم عماد عقل "المهندس" العبقرى الذى آويته فى بيتك واستشهد على أعتابه: سيدتى.. أعلم أعلم عن هذا اللقاء بعضا من الأخبار ولا تفارقنى حكاياتك عن أحاديث الصمود والآباء قصة كانت للأحرار هل لاقيت الأحبة؟ محمدا وصحبه؟ هل قابلت نضال.. هل عانقت رواد؟ هل قبلت محمد.. هل لاقيت عماد؟ هنيئا لكِ يا أم نضال لقاء الأحبة.. هذا اليوم الذى انتظرتِه منذ سنين، ولا عجب أن يأتى إليك عماد فى المنام ليلة وفاتك ويوصيك بالذهاب إلى غزة.. ابتليت أم نضال فى حنانها.. وأشهد بذلك.. فما إن تراها حتى تشعر بفيض من حنان غريب.. ضمتنى أول ما رأتنى على غير معرفة سابقة بيننا: أذكر أول ضمة.. كأنى كنت أعرفها من سنين جاورتك يوما يا أماه.. هل تذكرين؟ كنت أحاول أن أقبل يديك.. فتسحبين عذرا.. لا أملك شيئا مما تملكين غير أنى أحبك.. كما تعلمين فابحثى عنى هناك.. ولا تنسِى ولا يشغلنك قلبى الحزين لن أتحدث عن أم نضال كثيرا.. لن أحكى عن بساطتها ورقتها وإيمانها.. فتاريخها موجود لمن يريد أن يبحث ويعلم ويقتدى.. وجهها الصافى لا يبارح الخيال.. وجه كنت لا تفسره إلا بالإيمان وحب الشهادة.. يكفيك أن تجلس معها فتعلم أن الله وهبك إياه لترى وجها من أهل الجنة يعيش معك.. لكنها الدنيا لا تبقى على حال.. ويمر عليها الأحباب كالطيف.. ويبقى أملك أن تراهم فى الجنان.