تعيش الساحة اللبنانية حالة من التخبط والتأزم مع قرب موعد الانتخابات البرلمانية المقررة فى يونيو المقبل، والتى ينظر إليها البعض على أنها "برميل بارود" يهدد بتفجير الأوضاع فى لبنان، سواء بإجرائها بحسب قانون "اللقاء الارذثوكسي" الذى يقسم اللبنانيين على أسس طائفية، أو تأجيلها فى ظل الضغط الدولى لضرورة إجرائها لمنع انتقال شرارة القتال المستعر فى سوريا إليها، ويعيد البلد ذو التركيبة السياسية والطائفية الهشة لسنوات الحرب الأهلية. وكان وزير الداخلية اللبنانى مروان شربل، قد أعلن أمس الأول، أن التاسع من يونيو المقبل موعداً لإجراء الانتخابات، كما حدد مهلة تقديم تصاريح الترشيح للانتخابات النيابية العامة للعام 2013 والتى بدأت فى 11 مارس الجارى وتنتهى فى 10 ابريل المقبل، ويحاول الفرقاء التوصل لاتفاق حول قانون انتخابى جديد، يحل محلّ القانون الحالى، وهو قانون 1960، الذى تعارضه معظم القوى السياسية، ولكنهم فشلوا حتى الآن، ولذلك لم يتم تسجيل أى ترشيح حتى الآن. وكان رئيس الجمهورية اللبنانى ميشال سليمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتى قد وقعا على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة استناداً إلى قانون 1960، مما أثار موجة انتقادات كبيرة، وهو ما ردا عليه – الرئيس ورئيس الوزراء- بأن خطوتهما دستورية باعتبار أن الدستور يحتم عليهما اتخاذ تلك الخطوة لأن القانون الانتخابى الحالى قانون 1960 هو السارى المفعول. وفشل الساسة فى التوصل لاتفاق حول قانون جديد للانتخابات يهدد بإدخال البلاد فى أزمة دستورية مع اقتراب يوم 22 مارس الذى يعتبر موعداً مفصلياً فى عملية البحث عن قانون جديد، لأن المادة 34 من الدستور تقول انه يفترض اعتماد القانون الانتخابى الذى سيتم على أساسه الانتخاب قبل 90 يوماً من انتهاء ولاية المجلس النيابى، ما يعنى أن المجلس الحالى الذى تنتهى ولايته فى 22 يونيو المقبل، يفترض أن يوضح منذ 22 مارس الجارى أى قانون سيعتمد، فهذا يعنى أن هناك مخالفة دستورية. وقانون 1960 هو القانون الموجود لكن يجب التحرك عبر مجلس النواب الحالى لإعادة التأكيد عليه فى حال فشلت عملية البحث عن قانون جديد، لكن يتعطّل أيضاً العمل بهذا القانون، إذا تم تعطيل تشكيل الهيئة المشرفة على الانتخابات، أو تعطيل وصول التمويل للعملية الانتخابية، كل ذلك يجعل العملية السياسية التى بناها اتفاق الطائف عقب سنوات الحرب الأهلية، قريبة من الانهيار، ويهدد البلاد بحرب أهلية جديدة، فى ظل التوترات التى تعيشها الساحة اللبنانية على خلفية القتال الدائر فى سوريا. سوريا ولبنان ويرى مراقبون أن الوضع فى سوريا أصبح أحد العوامل المحددة للانتخابات اللبنانية، حيث أن المجتمع الدولى يخشى من انزلاق لبنان كما هو الحال فى سوريا، وأن تدخل البلاد مجددا فى أتون الحرب الأهلية، حيث لا مصلحة لسوريا بإجراء الانتخابات اللبنانية، وهى تريد أن يبقى الوضع معلقا لتتمكن من ممارسة الضغوط عبر حلفائها فى الحكومة. وعرض على الساحة الكثير من القوانين لكن الذى احتل حيز من المناقشات مشروع نائب رئيس الوزراء السابق "إيلى الفرزلي"، المعروف ب"اللقاء الارثوذكسي" ويتضمن إجراء الانتخابات على قاعدة النسبية، ولبنان كله دائرة انتخابية واحدة، ولكن يقوم كل مذهب بانتخاب ممثليه فى البرلمان، ويحل هذا المقترح مشكلة التمثيل المسيحى ويفرض التنافس بين أحزاب سياسية على مستوى لبنان كله وليس الدوائر الصغرى أو الكبرى، وقد أقرته اللجان النيابية، لكنه لم يعرض بعد على الهيئة العامة لمجلس النواب للتصويت عليه وإقراره. ويتحفظ العديد من القوى السياسية على هذا المشروع لأنه يعمق الانقسام فى البلاد، ولا سيما كتلة "المستقبل"، والحزب التقدمى الاشتراكى، وفى المقابل، يحظى المشروع بمباركة البطريركية المارونية، وموافقة الغالبية العظمى من الأطراف السياسيين المسيحيين الذى يرون أنه يعيد تحقيق التوازن السياسى فى البلاد. ويؤكد المراقبون أن الحرب الأهلية تظل شبح يهدد البلاد سواء أجريت الانتخابات وفق القانون "الارثوذكسي" الذى يقسم المجتمع وترفضه طائفة وتوافق عليه أخرى، أو تأجيلها لأن بقاء الأوضاع على ما هى عليه يمكن أن يصبح غير قابلة للإدارة وتشتعل أيضا فى أى وقت.