زيارة وزير الخارجية المصرى محمد كامل عمرو، إلى الصومال مؤخرا تؤكد أن دوائر صنع القرار المصرى تعمل بطريقة إستراتيجية بعيدة المدى.. فوسط ركام المشكلات التى ورثها النظام السياسى الحالى من النظام المخلوع فى الدوائر الإقليمية والدولية، جاءت زيارة وزير الخارجية لمقديشيو لتلقى الضوء على نهج التنوع والاستقلالية وإعلاء المصلحة الوطنية فى السياسة الخارجية المصرية، ودعم الاستقرار الإقليمى وعلاقة مصر بإفريقيا خلال الفترة الأولى لحكم الرئيس محمد مرسى. وعلى الرغم من أن الزيارة استغرقت يوما واحدا، إلا أنها جاءت على رأس وفد دبلوماسى رفيع المستوى، كما أنها هى الأولى من نوعها لمسئول مصرى على المستوى الوزارى منذ عام 1991، حين انهار النظام المركزى فى الصومال عقب الإطاحة بنظام الرئيس محمد سيادى برى؛ حيث أغلقت وقتها معظم السفارات الأجنبية العاملة فى مقديشيو وضواحيها بفعل حالة الانقلاب الأمنى التى كانت تعيشها العاصمة الصومالية، وتكرار حوادث تعرض مقار بعض هذه السفارات لعمليات سلب ونهب، واقتحام منظم من قبل ميليشيات مسلحة لا تخضع لسيطرة الحكومة المركزية فى البلاد. وعلى المستوى السياسى تمثل الزيارة دعما للحكومة الصومالية الحالية كأول حكومة منتخبة غير انتقالية؛ حيث استهدفت الزيارة إرساء دعائم للتعاون بين مصر والصومال ومزيد من المعونات المصرية، خاصة فى مجال تدريب الكوادر الصومالية تمهيدا لإنشاء الدولة الصومالية الجديدة؛ وهو ما أكدته السفيرة منى عمر مساعد وزير الخارجية للشؤون الإفريقية وعضو الوفد الذى رافق وزير الخارجية. الاستقرار ويأتى توقيت الزيارة ليعكس اطمئنان القيادة المصرية للاستقرار السائد حاليا بالصومال، الذى يمهد لإقامة علاقات طبيعية، كما أن الزيارة بالنسبة للصوماليين هى مؤشر على حجم الاهتمام المصرى بدولة الصومال وشعبها الشقيق الذى يرتبط مع مصر بعلاقات تاريخية ترجع إلى عهد ما قبل عصر الأسر الفرعونية. وتتضح أهمية الزيارة للصومال فى استقبال كامل عمرو بواسطة نائب رئيس الوزراء ووزيرة الخارجية الصومالية فوزية حاج، ووزير الدفاع الصومالى عبد الحكيم فقه؛ كما التقى وزير الخارجية المصرى رئيس الصومال حسن شيخ محمود، ورئيس البرلمان محمد عثمان جوارى فى قصر الرئاسة. كما يأتى قرار إعادة فتح السفارة المصرية فى مقديشيو تشجيعا للاستقرار فى الصومال، خاصة الاستقرار السياسى، عقب انتخاب الرئيس الصومالى فى سبتمبر الماضى وتشكيل الحكومة الصومالية الجديدة تتويجا لنهاية المرحلة الانتقالية. وتعتبر أهمية فتح السفارة كخطوة داعمة لاستقلالية الصومال، كاعتراف بوجود دولة ذات مؤسسات كاملة، ولا تحتاج إلى التدخل الأجنبى. ويؤكد ذلك بيان الخارجية المصرية الذى ذكر أن مصر تهدف من وراء هذا القرار إلى "تأكيد أنها شريك أساسى للحكومة الصومالية فى مواجهة التحديات التى تواجه الشعب الصومالى، وإبراز دعمها لجهود القيادة الصومالية الهادفة لإرساء الأمن والاستقرار". ويرى المراقبون أن الزيارة فى تلك الظروف، تمثل رسالة بعودة دور مصر الريادى تدريجيا فى محيطها الإفريقى؛ حيث إن مصر هى الدولة العربية الأولى -من بين الدول الخمس العربية التى كانت تحتفظ بتمثيل دبلوماسى فى الصومال بدرجة سفير مقيم فى العاصمة الكينية نيروبى- التى تقوم بإعادة فتح سفارتها هناك. كما يأتى القرار بإعادة فتح السفارة كسلسلة فى حالة التواصل المصرى مع الصومال، وذلك عقب زيارة الرئيس الصومالى حسن شيخ محمود القاهرة فى فبراير الماضى؛ للمشاركة فى قمة التعاون الإسلامى فى القاهرة. القرصنة وتأتى الزيارة لتدعم استقرار الصومال، الذى بدوره سينعكس على جهود مكافحة القرصنة، التى تبذلها الحكومة الصومالية المركزية، الأمر الذى يمثل بعدا استراتيجيا للأمن القومى المصرى، ويؤثر بصورة كبيرة على حركة التجارة العالمية فى قناة السويس. كما تؤدى عودة السفارة المصرية إلى مقرها فى مقديشيو -بعد أن كانت تقوم بمهامها من العاصمة الكينية نيروبى- بالفائدة الكبيرة للصوماليين على المستويين التعليمى والاقتصادى، بجانب إفادة آلاف المصريين العاملين فى شتى مناطق البلاد. الريادة المصرية من جانبه، يرى الباحث الصومالى محمود محمد حسن عبدى أن الزيارة المهمّة فى رمزيتها، يمكن التعامل معها على أنها بداية لنهاية فترة التجاهل الدبلوماسى المصرى تجاه القارة الإفريقية عمومًا، خاصة مع تراجع الدور القيادى المصرى فى المنظومة العربية، وهو ما بدأ بالمقاطعة وبلغ ذروته فى آخر عهد نظام المخلوع. وأشار عيدى إلى أنه من المهم على المدى القريب، إدراك "أن مصر "مرسى" ليست مصر "عبد الناصر"، وأن صومال اليوم ليست صومال "المد القومى"، وأن الوصول إلى المصالح الأساسية قد أصبح البديل -الضاغط- عن المبادئ المشتركة، خصوصًا أن دخول مصر للعصر الديمقراطى من ناحية، والاتجاه الدولى للاستثمار فى الموارد الطبيعية فى الصومال، خصوصًا مجالى النفط والغاز من ناحية أخرى، سيفتحان فرصا واسعة للتعاون، يمكن التمهيد له حاليا، بعقد اتفاقيات تعتنى بالموارد البشرية، فى تجاوب مع حاجات البلدين المتباينة، بين حاجة الصوماليين للتدريب، ومنح الأولوية فى الحصول على فرص العمل للمصريين على من سواهم، والتكامل من حيث الإنتاج الزراعى، بحيث تسهم الصومال فى تغطية جزء من حاجة السوق المصرية من المواد الغذائية الحيوانية كاللحوم والأسماك، فى حين يدخل المصريون بمنتجاتهم الزراعية من ناحية، وخبرتهم فى مجال الزراعة للمشاريع الصومالية القائمة والمستقبلية من ناحية أخرى".