وكأن بركانا من الحمم قد انفجر ولم يتوقف عن الفوران، منذ تولى الرئيس محمد مرسى قبل ثمانية أشهر، فما إن يصدر قرار أو تصريح منه أو من أعضاء الحكومة، إلا وفور صدوره يتم نصب سيرك البذاءات والافتراءات والشائعات، والتأويلات الخبيثة، وبث الفتن والدعاية السوداء والحملات الإعلامية المسمومة، وتشويه ولىّ عنق الحقيقة.. وهناك مئات الأخبار التى بثتها صحف وفضائيات الفلول ورجال أعمال النظام المخلوع ومليارديرات المال الحرام على مدى الشهور الماضية، وثبت على نحو قاطع كذبها واختلاقها، أو على الأقل شابتها الأخطاء المهنية الجسيمة والمتعمدة فى الصياغة بهدف تزييف وعى الناس واللهاث وراء محاولات تأليب الرأى العام والصيد فى الماء بعد تعكيره! وجريدة "الوطن" هى علم على رأسه نار الفتنة فى هذا المجال، والوطن الذى تتخذه اسما وشعارا لها هو منها براء، فقد تخصصت منذ ولادتها الشيطانية قبل عام فى الدجل الصحفى والفبركة والاختلاق والتزييف والتضليل والتربص، وافتقاد المعايير الأخلاقية والمهنية وانعدام الحد الأدنى من الموضوعية والمصداقية والاتزان فى الطرح، والإخلال بأبسط قواعد الخبر الصحفى فى العنوان والمتن، وعدم إقحام "الرأى" فى صياغته، وعدم مراعاة الدقة فى نشر الأخبار، وحجب أخبار معينة وإبراز أخرى وتضخيمها وفق أهواء ممول الصحيفة وأغراض رئيس تحريرها الساعى لمجد زائف، والغارق حتى أذنيه فى أوحال الفتنة وحرق الوطن لقاء الأرقام المليونية التى يحصل عليها من الصحيفة والفضائيات العديدة المملوكة لمالك الصحيفة نفسه غير الأمين على أمن البلاد. ولو كان المجال يتسع فلن تكفى صفحات هذه الصحيفة لتتبع وحصر حمم هذا البركان القذر من ممارسات الانحطاط الصحفى الذى اعتادت عليه صحيفة الوطن، التى تشكل إحدى أذرع الدعم اللوجيستى والطابور الخامس لرموز الفساد والإفساد فى النظام المخلوع، ومن سقطاتها الكثيرة الأخيرة ما أوردته حول خبر تعيين د. ماجدة هلال القرضاوى رئيسا لمصلحة الطب الشرعى.. حيث جاء عنوان الخبر لامزا للسيدة المحترمة على النحو التالى: "قريبة القرضاوى رئيسا لمصلحة الطب الشرعى.. ومصادر: علاقتها بمسئولين فى العدل السبب فى تعيينها".. واستمر الهمز والغمز واللمز فى المتن بالادعاء بأن كونها تنتمى لعائلة الدكتور يوسف القرضاوى، وهو ما رشحها للمنصب.. على الرغم من أنها تعمل فى مصلحة الطب الشرعى وتتدرج فى وظائفها منذ أكثر من ثلث قرن (34 عاما)، ولم تأت من كوكب آخر لتهبط على المصلحة وتنتزع رئاستها. ولكن اللافت والمدهش أن تزعم الصحيفة المتربصة ومحرر الخبر "الخايب" -الذى تم تعديله لاحقا على الموقع الإلكترونى- أن د. ماجدة تولت هذا المنصب لعلاقتها بمسئولين فى وزارة العدل، وهو تناقض فادح وفاضح مع ما ذكرته الصحيفة ذاتها فى بقية سطور الخبر، من أنها -أى د. ماجدة- هى نفسها التى ترأست وأشرفت على إصدار تقرير اللجنة الثلاثية للطب الشرعى الذى نفى وفاة الشاب محمد الجندى نتيجة حادث سيارة، كما أشار التقرير الأول لمصلحة الطب الشرعى فى عهد رئيسها السابق إحسان كميل جورجى الذى أعلن أنه "مرتاح الضمير!" لهذا التقرير، ليؤكد التقرير الجديد الذى أشرفت عليه د. ماجدة أنه مات نتيجة للتعذيب وليس حادث سيارة، ومن الطبيعى أن هذا التقرير الثلاثى يدين الرئيس السابق للمصلحة الذى جعلته الصحيفة المذكورة شهيدا ل"أخونة الدولة"، كما أن التقرير يسبب حرجا لوزارة العدل وللوزير د. أحمد مكى، الذى كان قد أعلن نتيجة التقرير الأول لوسائل الإعلام، فكيف بالوزير أن يجامل أو يحابى أو يؤخون الوزارة ويعين رئيسة جديدة لمصلحة الطب الشرعى سببت له حرجا سياسيا وإعلاميا.. أجيبونا يا ذوى الألباب! الثابت هنا فى هذه القضية، والواضح يقينا بلا أدنى لبس أو تأويل، أن وزيرا محترما وجد قصورا فى أداء رئيس المصلحة السابق، نتج عنه صدور تقرير للطب الشرعى أعلن الوزير نتائجه للرأى العام استنادا إلى رأى خبراء يشرف عليهم رئيس المصلحة السابق، وهذا التقرير الذى يعد داعما لموقف الحكومة ويحمل صك براءة لوزارة الداخلية من ممارسة التعذيب، نقضه تقرير ثلاثى بما يحمل معنى عدم دقة ومهنية التقرير الأول والقائمين عليه والمشرفين عليه فى مصلحة الطب الشرعى، وهذا التقرير الثلاثى الذى يدين الحكومة، حينما يأتى أحد أعضاء هذه الحكومة، وهو وزير العدل، ليعين السيدة المحترمة التى ترأست اللجنة التى أصدرته رئيسة للمصلحة.. هل يوصف هذا الموقف بغير الاحترام للوزير وللسيدة التى عينها؟.. ثم تأتى صحيفة لا أخلاق للقائمين عليها لتقلب الحقائق وتشوه صورة الشرفاء، وتجعل المنكر معروفا والمعروف منكرا. وكان كاتب هذه السطور قد دعا -فى هذه الصحيفة فى 8 يوليو الماضى فى مقال بعنوان "حروب الفتن والشائعات..من وراءها"- إلى مواجهة هذه الحرب الشعواء التى يشنها جهاز دعائى هذه أذرعه بادية للكافة، بملاحقته قانونيا، بتفعيل النصوص الموجبة للحبس أو الغرامة على كل من يضر بالأمن القومى للبلاد، ويبث الفتن والشائعات، ويتعين قبل ذلك قيام نقابة الصحفيين ونقابة الإعلاميين (تحت التأسيس) وكليات وأقسام الإعلام، وكل الجهات الرسمية والمستقلة ذات العلاقة بصياغة اتجاهات الرأى العام بتشكيل لجان لرصد ومتابعة الأداء والمحتوى الإعلامى، وفرض عقوبات تأديبية ضد من يروج أخبارا كاذبة ومختلقة، للحد من طوفان الشائعات المغرضة قبل أن يجتاحنا جميعا.