تراجيديا الخراب التى تجرى على مسرح اللامعقول فى بر مصر دون تفسير مقبول لأحداثها المتوالية، تجعلنا نتوقف لمحاولة فهم الأسباب والأسرار والدوافع التى تقف وراء هذه المأساة الملهاة التى نعيشها هذه الأيام. هل لذلك علاقة بوصول الإسلاميين للسلطة؟! هل لذلك علاقة بسعى التيارات المعادية للإسلام والإسلاميين بالسعى للتعويق والإفشال والتشويه؟! هل لذلك علاقة بسعى الكارهين الطامعين فى السلطة والنفوذ إلى قلب نظام الحكم والاستيلاء على كرسى الرئاسة؟! لفك طلاسم ما يجرى فى مصر من أحداث عنف وشغب وتخريب وسفك دماء، فتش عن المحرضين والمحركين من فلول الشيوعيين، من عينة رفعت السعيد وأبو العز الحريرى والبدرى فرغلى.. وصبيانهم الناصريين من عينة سامح عاشور وحمدين صباحى وحمدى الفخرانى وعزازى عزازى.. إلخ. هؤلاء الذين تقوم عقيدتهم السياسية الشيوعية على بذر بذور الكراهية، وتحريك كوامن الحقد بين طبقات الشعب وفئاته، لإشعال الصراع وركوب موجته، من أجل الوصول إلى أهدافهم الدنيئة بالاستيلاء على السلطة، سباحة فى بحر من الدماء والأشلاء. من يراجع تاريخ ما يعرف بالثورة الشيوعية فى روسيا، وما ارتكبته من جرائم ومذابح دامية لتستولى على السلطة فى عام 1917م يدرك حقيقة وخطورة هذه العقيدة الشيوعية التى تقوم على استحلال الصراع واستباحة العنف. هذه العقيدة تقوم فى جوهرها على الإلحاد والعداء للدين والمتدينين، وقد مارس معتنقوها أبشع أنواع العنف والإقصاء والتشويه ضد كل ما يمت للدين بصلة فى البلاد التى حكموها، عبر تاريخهم الدموى الأسود. وهو ما يفسر عداء بقايا الشيوعيين فى مصر والوطن العربى للإسلام وعلمائه، ولأبناء الحركة الإسلامية على وجه العموم، وعدائهم للإخوان المسلمين على وجه الخصوص.. وهم لا يتورعون عن ارتكاب أفحش الجرائم من أجل تحقيق أهدافهم.. بما فيها استباحة الأعراض وانتهاك الحرمات وسفك الدماء. فى العهد الملكى حاول الشيوعيون قتل الإمام حسن البنا -مؤسس حركة الإخوان المسلمين- فى هجوم بالقنابل على المؤتمر الجماهيرى الذى كان يحضره فى الاستاد الرياضى بطنطا، وكان الذى تلقى الاتصال وكُلف بتنفيذ هذه المؤامرة أحد أفراد النظام الخاص للإخوان، وهو الحاج «فرج النجار» الذى كان قد انضم إلى الحزب الشيوعى بناءً على تكليف من النظام الخاص، وأصبح مساعد سكرتير الحزب الشيوعى بطنطا، وقام بإفشال هذه المؤامرة، وتم القبض على أعضاء الحزب الشيوعى. وبعد ثورة 1952م كان الشيوعيون هم من دق إسفينا فى علاقة التحالف التى كانت قائمة بين الإخوان ومجلس قيادة الثورة، بالضرب على وتر الخلاف وتوسيع الهوة بين الجانبين، وتحريك الناشطين الشيوعيين المدرَّبين لمظاهرات ترفع شعارات الإخوان وتهتف بالهتافات البذيئة ضد عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة.. (وهو الأسلوب البذىء ذاته الذى اتبعوه فى المظاهرات ضد السادات، وهو المتبع فى المظاهرات ضد الرئاسة والإخوان الآن). وعلى الرغم من أن عبد الناصر كان معاديا للشيوعيين، وقام باعتقالهم فى الخمسينيات، إلا أنه بعد معاداة المعسكر الغربى له الذى بلغ أوجه فى العدوان الثلاثى عام 1956م، توجه عبد الناصر للمعسكر الشرقى فى سعيه للحصول على دعم مادى وتكنولوجى لبناء السد العالى.. قام عبد الناصر بإخراج الشيوعيين من المعتقلات فى صفقة شهيرة مع الزعيم الشيوعى السوفييتى خروتشوف فى بداية الستينيات، وعينهم فى أجهزة الثقافة والصحافة والإعلام، على ألا يكون لهم علاقة بالسياسة، فكانوا نموذجا للانتهازية السياسية فى أوضح صورها. تحوَّل الشيوعيون الذين كانت ترتفع أصواتهم فى المظاهرات منادية بالحرية والديمقراطية (كما يحدث الآن) إلى خدَّام للاستبداد ومنظرين له ومدافعين عنه. فى هذا العهد الدكتاتورى الأسود، شهدت مصر أسوأ هجوم للتشكيك فى عقائد الإسلام وثوابته، وشنت الحملات لتشويه علمائه من قبل أجهزة الثقافة والصحافة والسينما المصرية.. وكلنا يذكر -على سبيل المثال- كاريكاتيرات صلاح جاهين وكتابات لويس عوض وغيرهم فى الأهرام.. وأفلام السينما التى تسخر من العلماء والمتدينين، مثل الزوجة الثانية والأرض. كان الشيوعيون هم من نظَّروا وقعَّدوا لما يعرف بالناصرية، ليستطيعوا اختراق العقل والوجدان المصرى، بسبب السمعة السيئة للعقيدة الشيوعية القائمة على الإلحاد والاستبداد والعنف.. وكانوا هم أيضا من حوَّلوا الهزائم الناصرية على الأرض إلى انتصارات فى الصحافة والسينما ووسائل الإعلام!. وبعد أن أفرج الرئيس أنور السادات عن معتقلى الحركة الإسلامية عقب انتصار أكتوبر 1973م وسماحه لهم بالعمل بحرية فى المساجد والجامعات، بدأ الشيوعيون والناصريون استغلال تنامى الحالة الإسلامية، ليلعبوا الدور الخبيث نفسه باستغلال الدين واللعب على مشاعر التدين ضد الرئيس السادات وسياساته، من خلال دغدغة مشاعر الشباب الإسلامى المتحمس. فوجدنا حزبا مثل حزب التجمع الشيوعى الملحد يشكل لجنة دينية برئاسة شيخ أزهرى معمم اسمه مصطفى عاصى (على غرار الشيخ ميزو بتاع التحرير الآن).. ويخصص صفحة فى جريدته الأهالى تحت مسمى "الفكر الدينى"، ويعقد الاحتفالات بالمناسبات الدينية مثل المولد النبوى. بدأ الشيوعيون والناصريون اللعب بالنصوص الدينية لإلهاب المشاعر الإسلامية، وإثارة أحداث الفتنة الطائفية والنفخ فيها لتعويق وإرباك الرئيس السادات وإشغاله بأحداث الداخل وتشويهه فى الخارج. مارس الشيوعيون والناصريون ذلك من خلال استغلال الأحداث، وتصويب سهام النقد المعتمدة على نصوص القرآن والسنة ضد ما يقوم به السادات من أعمال؛ من أمثال زيارته للقدس وتوقيعه معاهدة السلام مع إسرائيل وعلاقة زوجته بالسياسة والحكم.. إلخ.. وكان هدفهم هو إيغار صدور الشباب الإسلامى المتحمس والشعب المتدين، وتأليبه على الرئيس السادات. وقد نجح الشيوعيون وأطفالهم من الناصريين فى تحقيق ما أرادوا، وتم قتل السادات بيد فئة من هؤلاء الشباب المتحمسين الأغرار.. ثم أصبح شهيدا بعد ذلك! كان أول من كتب عن السادات وعهده بعد مقتله، هو كاهن الناصرية محمد حسنين هيكل، الذى أخرج كتابه "خريف الغضب" وألصق فيه كل نقيصة بالرئيس السادات وأصله وفصله وعمله.. السادات الذى كان عصره عصر الحرية والعزة والانتصارات، لم ير فيه هيكل شيئا يستحق الذكر.. بينما لا يزال هيكل يمجد فى عصر سيده عبد الناصر صاحب السجل الحافل بالهزائم والانكسارات. وجاء عهد حسنى مبارك ليعود النظام مرة أخرى معتمدا على بقايا كتيبة الانتهازيين الشيوعيين والناصريين بقيادة صفوت الشريف ضابط المخابرات المتهم فى قضية فساد المخابرات الشهيرة فى عهد عبد الناصر.. بهذه الكتيبة بدأ نظام مبارك فى محاصرة الظاهرة الإسلامية فى الثقافة والصحافة والإعلام مرة أخرى، وتبنى كل فكر معاد للإسلام.. فرأينا كيف تعاظم دور الكنيسة فى السياسة المصرية، وكيف كان يتم تعظيمها وتبجيلها من قبل هؤلاء فى الصحافة ووسائل الإعلام. ورأينا أيضا كيف كانت تقوم أجهزة وزارة الثقافة مثل الهيئة العامة للكتاب بطباعة رواية تحت عنوان "العراة" لصحفى اسمه إبراهيم عيسى، وكيف قامت وزارة ثقافة فاروق حسنى بطباعة رواية إلحادية تسب الذات الإلهية والقرآن الكريم تحت عنوان "وليمة لأعشاب البحر" للكاتب الشيوعى السورى حيدر حيدر.. إلخ. اليوم يقوم الشيوعيون والناصريون بالدور الخبيث ذاته، الذى مارسوه فى العهود السابقة، مستفيدين من أجواء الحرية والديمقراطية التى تتمتع بها البلاد تحت حكم القانون الطبيعى. فالشيوعيون والناصريون يقفون وراء ما يجرى من أحداث فى بورسعيد والسويس والمحلة الكبرى والمنصورة، من خلال استئجار البلطجية واستغلال حاجة الأطفال الفقراء، والتحريض على التظاهر والعنف واستخدام السلاح، والتوريط فى أعمال التخريب والحرق والقتل. ثم المتاجرة بدماء القتلى فى المؤتمرات السياسية وعبر وسائل الإعلام، لإلهاب مشاعر المواطنين الغافلين، وتوسيع دائرة الحقد والكراهية الموجهة تجاه السلطة، لتستمر دورة العنف فى التصاعد، حتى يصلوا إلى مآربهم فى إسقاط الرئيس والاستيلاء على السلطة. فما هو الحل فى مواجهة هؤلاء؟! وهل يصح أن يبقى القانون الطبيعى وحده حاكما فى مواجهة ظروف استثنائية كالتى تمر بها البلاد؟! وهل تبقى تيارات معادية للشرعية، تمارس أدوارها التحريضية والتخريبية لإسقاط الوطن وتدمير اقتصاده، دون مواجهة وحسم؟!