بداية أحب إطلاق لفظ "قوة سالبة" على الكتلة المصرية الصامتة، بدلا من القوة السلبية؛ ذلك لأن الكتلة السالبة لها دور إيجابى، فهى تمارس فعلا حقيقيا يكمل الدائرة الكهربية، أما القوة السلبية فتعنى القيام بفعل مضاد للتيار العام فى المجتمع، وهذه نعرفها بأفعالها المدمرة، والكتلة الصامتة ليست كذلك من وجهة نظرى. القوة السالبة فى مصر كتلة بشرية متعددة المشارب: أغنياء مستغنون بما لديهم وما حصلوه فى زمن مضى، وفقراء قانعون بما يحصلون عليه، فيها طلبة وطالبات عازفون عن المشاركة السياسية يريدون تحقيق النجاح فى طريقهم التعليمى فقط، فيها عمال وعاملات، فيها موظفون وموظفات. فيها نفعيّون رتبوا أوضاعهم على باب رزق حريصون على استمراره دون تعطيل، (أنا ومن بعدى الطوفان) فيها مفكرون ومثقفون متعالون على الأوضاع المتردية لا يعرفون إلا وضع علامة خطأ فى خانة التقييم إن طلب منهم، فيها فنانون وفنانات، رياضيون ورياضيات، فيها فئة مرتبطة بثقافة غربية وأسلوب حياة بعيدة عن الواقع المصرى، آثرت التفرج من البالكونات الملونة، كل هؤلاء يجمعهم موقف واحد، البعد والنأى عما يحدث (أنا مالى) ويبدو أنه لديهم شعور بالإحباط مما يحدث حولهم، والشعور بعدم القدرة على تغييره، فوصلوا إلى ما يسميه الدكتور حامد زهران "ظاهرة الأنامالية". هذه القوة السالبة تنظر من أعلى لما يحدث فى مصر، فى مناخ مشحون بالخوف والقلق والتوتر مما يحدث على الجبهتين: جبهة معارضة لكل شىء، وبكل الأساليب القانونية وغير القانونية، الأخلاقية وغير الأخلاقية، كل هدف أنصارها الظهور الإعلامى واكتساب الشهرة بأى ثمن، والجبهة الرسمية بصمتها وتراخيها وإيثارها للتأنى والتروى والتردد، وما يعكسه هذا التوجه من رخاوة فى قوة حفظ الأمن، ورخاوة فى سلطة القضاء، ورخاوة فى هيبة الرئاسة. يثور سؤال مهم: أين الكتلة الشعبية الواسعة الصامتة؟ ولماذا تؤثر السلبية على الإيجابية؟ تُرى ما سبب عدم نزول هذه الكتلة السالبة للإدلاء بأصواتها فى الانتخابات؟ ولماذا لا تشارك فى الاحتشاد السلمى؟ ولماذا لا نرى لها تأثيرا على مجريات الأمور؟ أرجو أن تسمحوا لى بتوجيه نداءات استفزازية لهذه الكتلة لكى ترينا من نفسها موقفا واضحا: 1- أيتها الكتلة السلبية.. أنتم بأنانيتكم وتباعدكم عن واقعنا سبب رئيس فيما يحدث لمصر، ولو ظللتم على وضعكم، سيطالكم التهديد الذى يعانيه معظم شعب مصر. 2- أيتها الكتلة السالبة.. الجميع يبحث عن مصالحه؛ الإسلاميون يريدون بناء نموذج لدولة مرجعيتها إسلامية، والليبراليون وحلفاؤهم يريدون دولة علمانية، وأنتم ماذا تريدون؟ إن كنتم ترون فى القوى الإسلامية بديلا حقيقيا يحمل المسئولية للعبور الثانى إلى الجمهورية المدنية، فساعدوه وأعلنوا ذلك، لتبحر السفينة، وإن كنتم تؤيدون حكما علمانيا، فأيدوه لكى يتوازن أمام الإسلاميين فى المجالس المنتخبة والسلطات الأخرى، فيتحقق للوطن الاستقرار! 3- أيتها الكتلة السالبة.. اللاعبون السياسيون لا تزيد نسبتهم عن 10% من المجموع، وأعلى تأييد حصلوا عليه مع كل وسائل الحشد والتحفيز (25 - 30) مليون ناخب، أين العشرون المليون الأخرى؟ ولماذا لا تكون لها كلمة ترجح فريقا على آخر؟ سمعنا عن 13 مليون مسيحى و15 مليون صوفى و13 مليون شاب، 8 ملايين مصرى مغترب، لكن كل هذه الأعداد لم نجد لها ظلا حقيقيا على أرض التصويت، فمَن أنتم؟ وأين أنتم؟ هل أنتم وهم أم حقيقة؟ لا ندرى!! 4- أيتها الكتلة السالبة.. لن نقبل عذركم لو قلتم: إن الأنظمة السابقة أهدرت حرياتنا وحقوقنا، ودمرت مناعتنا، وكرّست فى نفوسنا الإحباط والاكتئاب، فقد كنا جميعا معكم، ونالنا ما نالنا من العذاب، لكن ثورة يناير أتاحت الحرية الكاملة بين أيديكم، وجعلت الحقوق متاحة بكل الطرق، والسلطة الحقيقية انتقلت من القمة إلى القاعدة.. فما عذرُكم؟ لا أرى سببا لاختفائكم إلا إن كنتم تعيشون فى قلاع معزولة عما يحدث، أو لديكم حصون مشيدة تمنع عنكم روائح الغاز المسيل للدموع، ودخان حرائق الوطن تحت بصركم بالمولوتوف، أو يبدو أنكم محصنون لم تصل إليكم البلطجية، ولا عصابات السرقة والقتل والترويع؟ 5- أيتها الكتلة السالبة.. يشعرنى موقفكم أنكم إما ساخطون على الأوضاع غير راغبين فى تغييرها للأفضل، أو شامتون فيمن يحكم تريدون له الفشل، وإن كنتم ترون أن الجبهتين الرسمية والمعارضة ظالمتان، ويجب تركهما للتخلص من بعضهم البعض، ففى كلتى الحالين، أنتم خاسرون، وأنصح لكم {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّة}، فإن كنتم ترون السفينة مشرفة على الغرق وأنتم صامتون، فهذا موقف المنتحر!! أيتها الكتلة الصامتة السالبة.. أيتها الجموع المتباعدة والرافضة.. أيتها الملايين الرابضة.. أمامكم موقف تاريخى فى الانتخابات البرلمانية المقبلة وفق آلية حضارية للاختيار، أثبتوا لنا أنكم موجودون، وقادرون على التحرك الإيجابى لإكمال التأثير والتغيير، تكلموا حتى نراكم، شاركوا حتى تنعموا بمصر التى تريدونها، أو تقبلوا معنا النتائج! حفظ الله مصر.