فى أعقاب الثورات؛ من الطبيعى أن تحدث حالة من الاضطراب نتيجة استعجال المظلومين والمطحونين جنى ثمار ثورتهم على الظلم، كما يحدث الخلط بين الحرية المسئولة والفوضى.. بالإضافة إلى المقاومة المستميتة لأركان النظام البائد وكل من كانوا يستفيدون من فساده ويَعتبرون أنهم أضيروا من الثورة (الدولة العميقة). ولا شك أن السيد الرئيس يدرك جيدا هذا الأمر، ويتعمد التحلى بالصبر، ويفضل العمل على الكلام.. ولكن المفسدين والمشتاقين للسلطة استغلوا حلم الرئيس وطيب خُلقه ليُدخلوا الوطن فى دوامة العنف والقتل والبذاءة، لمنعه من النهوض بمصر وتحقيق إنجازات تحسب له وللإسلاميين؛ الذين يناصبونهم العداء. وقد أدى ذلك إلى حدوث بلبلة شديدة بين المواطنين من ضحايا الإعلام الكذوب.. وأصبح واجبا على الرئيس اللجوء إلى الشعب -مصدر السلطات والمتطلع إلى الاستقرار- ومصارحته بحقيقة الأوضاع، والاستعانة به لإكمال الثورة وتحقيق أهدافها. إن أغلب المواطنين الآن فى حيرة شديدة مما يدور حولهم، وينتظرون خطابا من رئيسهم المنتخب لوضع النقاط على الحروف.. لذا نقدم للسيد الرئيس مشروع خطاب يتوجه به إلى الشعب فى أقرب فرصة، سعيا لطمأنة المواطنين، وسحبا للبساط من تحت أقدام المفسدين: يا شعب مصر العظيم: لقد قمتم بأعظم ثورة وأطهر انتفاضة، بعد ليل طويل من الطغيان والظلم والنهب.. ومثل أية ثورة شعبية؛ فليس مستغربا أن يكون هناك أعداء للثورة، يحاولون القضاء عليها أو احتواءها، كما أن هناك أعداء لمصر يخشون نهضتها وعودتها إلى مكانتها.. وأصبحت هناك مصلحة مشتركة بين هؤلاء وأولئك لاستغلال مناخ الحرية الذى جاءت به الثورة لزرع الفتن وضرب الاستقرار، ولكن الله تعالى يُخيِّب سعيهم؛ لأن أهم ما يميز ثورتنا وشعبنا هو الوحدة الوطنية الراسخة، حيث كنا جميعا يدا واحدة فى كل ميادين ثورة 25 يناير المباركة. إن ما يحدث الآن من اضطراب وخلط للأمور لا يقلقنى؛ لأنه حدثَ ويحدث بعد كل الثورات، وما زلنا أفضل حالا من ثورات كثيرة، ولكن ما يقلقنى بحق هو محاولة البعض -بالغش والخداع- تغيير سلوك وأخلاقيات شعب الكنانة وخير أجناد الأرض الذى ظل متماسكا وموحدا وصلبا وخَلُوقا لآلاف السنين. وأود أن أوضح للشعب الأمور التالية: - إن تحقيق أهداف الثورة يتطلب أولا توفير الاستقرار.. وقد رأيت أن أفضل السبل لذلك بناء مؤسسات الدولة ووضع الدستور الذى يحكم الجميع، وهذا هو السبب فى إصدار الإعلان الدستورى الذى استغله البعض (بكلمات حق يراد بها باطل) فى الإثارة وتهييج الشارع. ولو فكرنا قليلا فى البدائل التى كانت متاحة لأدركنا أهمية هذه الخطوة، فالعودة إلى نقطة الصفر كان معناها تكريس كل السلطات فى أيدى الرئيس المنتخب وحده، ولو كنت ممن يسلكون سلوك الطغاة لرضيت بذلك، ولكننى سعيت إلى تسريع إجراءات إنهاء المرحلة الانتقالية، ولتكون الكلمة الأولى والأخيرة للشعب. - على الرغم من وجود آلية مُيسّرة لتعديل مواد الدستور من خلال مجلس النواب.. فهناك من يطالبون بإسقاط الدستور، ولعلكم تلاحظون أنهم لا يملكون حججا مقنعة، ولكنه كلام مرسل للإثارة والتهييج، وهم يعلمون أنه لا الرئيس ولا غيره يملك حق إلغاء أو وقف دستور وافق عليه الشعب. وأذَكّر الجميع بأن الجمعية التأسيسية التى وضعت الدستور هيئة منتخبة من مجلس منتخب فى أول انتخابات حرة تشهدها مصر، وقد حدث ذلك قبل تشريفى برئاسة الدولة.. فلماذا المجادلة وخداع الشعب؟ إذا كنتم تريدون تعديل الدستور بحق فالطريق واضح وسهل، بالمشاركة فى انتخابات مجلس النواب المرتقبة وتحقيق 20% فقط من المقاعد!. - لن تشغلنا هذه الزوابع عن العمل على تحقيق الحياة الكريمة للمواطنين؛ بزيادة الدخول والقضاء على البطالة، وإعادة بناء الإنسان الصالح، ورفع كفاءة أجهزة الدولة، وتطوير المرافق الأساسية، وتحقيق التقدم التقنى والاجتماعى والاقتصادى.. وهذا يتطلب تكاتف الشعب مع الحكومة. إننا على دراية كاملة بكل المشكلات والمصاعب التى يواجهها المواطنون فى حياتهم اليومية؛ لأننا نعيش معكم فى قلبها، ولكن الخرائب التى أورثها لنا النظام المخلوع كبيرة وممتدة فى ربوع مصر، وتحتاج إلى الوقت والمال.. ولا بد من مصارحة الشعب بكل الحقائق ووضع جدول زمنى لحل هذه المشكلات وطمأنة كل مواطن بأن مطالبه وحقوقه معروفة، وإعلامه موعد تحقيقها. وهذا ليس من مهام الحكومات الانتقالية، وسوف يكون الواجب الأول للحكومة الدائمة، المنتخبة قريبا. - إننى أستمع جيدا وأتابع باهتمام كل الآراء، سواء للمعارضين أو الموافقين، ولكن العمل السياسى الديمقراطى لا ينبغى أن يكون من خلال الشارع، وتوفير غطاء سياسى للمخربين. إن المعارضة الوطنية لا تخرّب ممتلكات الشعب، ولا تلجأ إلى العنف، ولا تحرّض على القتل. ورئيس الدولة يحرص على إرضاء الجميع، ولكن العمل الديمقراطى يستوجب أن تكون القرارات التنفيذية متوافقة مع رأى الأغلبية، فهل المطلوب من الرئيس أن ينحاز إلى آراء أصحاب الصوت العالى، حتى وإن كانوا أقلية؟!. - هناك من يستغل حرية الرأى فى تضليل المواطنين، ونشر الشائعات والأكاذيب، وبدأت تنتشر ظاهرة غريبة على أخلاق المصريين وهى السبُّ العلنى والقذف الإعلامى.. وهى أفعال مخالفة للقانون وينبغى منعها؛ ولكننى لا أحب أن أرسى سابقة يمكن أن تستغل مستقبلا فى التضييق على حرية الرأى التى لم نظفر بها إلا بالثورة ومئات الشهداء، لذا أفضّل أن يتولى الشعب الأبىّ هذه المهمة؛ بمقاطعة من يسيئون استخدام حرية الرأى.