إن ما تمر به مصر الآن من خلافات مصطنعة لمعارضة عجزت عن عرض نفسها وبرامجها على الشارع السياسى لتنال ثقته، ينم بصدق ووضوح وجلاء عن حقيقة كل شخص وفصيل وأغراضه ومآربه الحقيقية من مواقفه السياسية، وعما إذا كان يسعى لمصلحة الوطن والمواطن أم يسعى لمصلحته الشخصية وفقط. ولا يمكن الاختلاف على أن هذه المرحلة التى أعقبت الثورة المباركة وما يحدث فيها هى فتنة، يصدق فيها قول المصطفى الكريم صلى الله عليه وسلم: "سَيَأْتِى عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ"، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: "الرَّجُلُ التَّافِهُ يتحدث فِى أَمْرِ الْعَامَّةِ". فمن أهم الأسباب التى أدت لتلك الفتن تجريف منظومة القيم والأخلاق فى المجتمع المصرى، وقتل أطيب موروثاته وصفاته الحميدة، وهو ما نجح فيه النظام السابق وللأسف يستدعيه ويحفزه الآن بعض قادة المعارضة لخدمة مآربهم وأهدافهم الشخصية، واليوم أطرح فقط عدة تساؤلات وأترك للقارئ الكريم الإجابة عنها وفق ما يرى ويشاهد ويطالع، وما يعى من أحداث لا تخفى على أحد: لمصلحة من تعويق وإطالة أمد عملية التحول الديمقراطى؟ لمصلحة من اختلاق الأزمات وتصديرها؟ لمصلحة من تشويه وتعويق كل عمل إيجابى؟ لمصلحة من إعطاء غطاء سياسى وأخلاقى لاستخدام العنف فى الخلافات السياسية؟ لمصلحة من المتاجرة بدماء الشهداء وآلام المصابين والمزايدة عليها؟ لمصلحة من التحفيز الممنهج لكل ما من شأنه تهديد الجبهة الداخلية للبلاد؟ لمصلحة من البعد عن كل ما من شأنه رفعة الوطن وعلو مكانته؟ لمصلحة من التحايل على الإرادة الشعبية وتسفيهها وإهدارها؟ أليس من الخطأ مهاجمة قصر الاتحادية بالمولوتوف؟ أليس من الخطأ محاولة اقتحام القصر؟ أليس من الخطأ مقاومة القوات المكلفة بحماية القصر؟ أليس من الخطأ مهاجمة سجن عمومى ومحاولة إخراج مساجين منه؟ أليس من الخطأ مهاجمة أقسام الشرطة؟ ما التعريف الحقيقى للمتحرشين بالمتظاهرات (متظاهرين.. ثوار.. بلطجية)؟ أليس من الخطأ سحل متظاهر؟ أيهما أفظع وأبشع -مع التسليم بخطأ الفعلين- الاغتصاب والتحرش أم السحل؟ لماذا قامت الدنيا ولم تقعد فى تسويق مشهد السحل بينما لم تتحرك فى مشهد الاغتصاب والتحرش والموثق تليفزيونيا وباعتراف بعض المجنى عليهن؟ مع الإدانة التامة والرفض المطلق لأى انتهاك لكرامة أى مواطن مهما كان جرمه.. هل تعرية مواطن أكبر من حرق مسجد وحرق عسكرى أمن مركزى أو اغتصاب أكثر من فتاة فى ميدان التحرير؟ أليس فى تضخيم حادث السحل -مع الإقرار ببشاعته ورفضه- مزايدة رخيصة؟ أليس من الحق الاعتراف بتغير فى تعامل الداخلية مع المتظاهرين؟ أليس من الحق الاعتراف بإيجابية اعتراف الداخلية بالخطأ وتحويله للتحقيق؟ أليس فى مطالبة البعض بإسقاط الدستور الذى وافق عليه أكثر من 63% ممن خرجوا للاستفتاء أوضح صورة لديكتاتورية الأقلية، ومحاولتها فرض رأيها ووصايتها على الشعب؟ أليس فى ذلك تسفيه للإرادة الشعبية ومحاولة الالتفاف عليها؟ هل الديمقراطية هى أن تأتى الصناديق بما أقتنع به، وإذا لم يحدث فلتذهب الديمقراطية والشعوب إلى الجحيم؟ مَن مِن حقه التحدث باسم الشعب؟ وهل يجوز لمن لم يحصل على ثقة الشعب عدة مرات فى الحديث باسم الشعب زورا وبهتانا لتهييج الجماهير وإثارتهم؟ من أكثر من تعرض لظلم واضطهاد من النظام السابق، بدءا من التضييق ومرورا بالاعتقالات والتعذيب وانتهاء بالقتل والإعدامات؟ هل هناك على الساحة السياسية المصرية من تحمل أذى النظام السابق ودفع القسط الأوفر والأوفى لمقاومة الظلم والفساد أكثر من الإسلاميين؟ أليست هناك محاولات مستمرة للتقليل من شأن مشاركة الإسلاميين فى الثورة وتأثيرهم عليها؟ وهل كانت الثورة ستنجح إذا لم يدعمها الإسلاميون؟ ما حكم حرق المساجد والاعتداء عليها ومحاصرتها وترويع المصلين الآمنين بها؟ هل تعرية مواطن أشد وأقسى من محاولة اغتيال النائب صبحى صالح ووضعه على قضبان السكك الحديدية؟ هل الإعلام محايد فى عرض الأحداث وتناولها والتأثير عليها؟ ألا توجد بعض وسائل الإعلام هى فى الحقيقة وسائل إعلام فتنة وتحريض وتتجاوز كل الخطوط الحمراء سواء كانت مهنية أو أخلاقية أو قانونية؟ لماذا لم يثر الإعلام ولم تتحدث النخبة أو المعارضة على حرق مدرعات الشرطة؟ لمصلحة من الكيل بمكيالين فى التعامل مع الأحداث؟ هل ما يحدث الآن على الساحة السياسية هو معارضة سياسية أم مناكفة سياسية؟ أليس كثرة الاضطرابات والاعتصامات والمسيرات -بسبب مقبول أو بغير سبب مقبول- يفقدها زخمها وتأثيرها الشعبى ويعطل الإنتاج والاستثمار؟ هل عدة شهور لم تجاوز عدد أصابع اليد الواحدة كافية للحكم على أى وزارة أو مسئول، أم أنه تربص وتصيد للأخطاء وحسب؟ وهل تصب مثل تلك الأفعال فى نهضة مصر وتقدمها وفى مصلحة الوطن والمواطن، أم أن العكس هو الصحيح؟ هذه بعض التساؤلات التى يضيق بها صدرى وصدر العديد من المصريين الذين ضاقت بهم السبل فى فهم ما يجرى على الساحة السياسية المصرية فى إطار حسن الظن والتماس الأعذار، فما يحدث يهدم فى الوطن ويقوض أركانه، والبعض سادر فى غيه يُزين له شيطانه أفعاله الخبيثة والمدمرة. ولكن تناسى هؤلاء أن الله سبحانه وتعالى يحفظ مصر ويحميها، ولن يستطيع أحد أن يركعها بإذنه تعالى، ولن تستطيع قوة أن تفرض رأيها أو إرادتها على الشعب المصرى، وسيذكر التاريخ المواقف الحقيقية لكل فصيل ولكل شخص، والله عز وجل مطلع من فوق سبع سماوات ويعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، وهو حسبنا ونعم الوكيل، حمى الله مصر وشعبها ورئيسها من كل مكروه وسوء.