- إن لكل دعوة فكرة وعقيدة وفلسفة تقوم عليها تستمد منها مفاهيمها ومبادئها وأهدافها.. ولها منطق تَسِيرُ فيه وتؤصِّل هذه المفاهيم والمبادئ والأهداف، وتُعمِّقها فى النفوس.. كما أن لها جنودا تلتزم بهذه المبادئ والمفاهيم، وتعمل على تحقيق تلك الأهداف. - وإن دعوة الإسلام الحنيف التى قامت على البناء والإصلاح حَوَتْ كل ما يصلح الأمة فى جميع شئونها؛ قال تعالى: {ونَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانا لِّكُلِّ شَيْءٍ وهُدى ورَحْمَة وبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89]. إن دعاة الحركة الإسلامية وهم دعاة إلى الله.. من الإسلام يستَمِدُّون وبه يلتزمون وعنه يصدرون.. إن أهدافهم إسلامية، وغايتهم ربَّانية لا يريدون إلا الخير والعمل الصالح للجميع، وحسبهم أن الله يعلم منهم ذلك، وهو شهيد على كل ما يعملون. - المفهوم الصحيح للإسلام: إننا نعيش فى زمن اختلطت فيه المفاهيم وتعدَّدت السبل وتشوَّهت الحقائق، وأصبح الكثيرون لا يفهمون الإسلام على حقيقته كما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من ربه، ورضوا بالقشور واقتنعوا بالشكليات وانصرفوا إلى الدنيا بكل طاقاتهم وتعلَّقوا بها، وأصبحوا لا يَحِنُّون إلا إليها ولا يُفكِّرون إلا فيها هجروا القرآن، وبعدوا عن بيوت الله تعالى. قد تحوَّلوا إلى مَطَايا لهذه الدنيا يسعون جادِّين لخدمة بطونهم ولذائذهم. يقول الشاعر: يا خادمَ الجسم كم تسعى لخدمته أتطلبُ الرِّيعَ مما فيه خسرانُ؟ أَقْبِلْ على النفسِ واستكملْ فضَائلَها فأنتَ بالنفسِ لا بالجسم إنسانُ! - ولنا أن نتساءل.. وهل حقيقة الإنسان إلا اللطيفة الربانية، والجوهرة الروحية التى أودعها الله فيه. بها يحيَا ويعيش، وبها يعقل ويفكر، وبها يعمل ويجدّ ويجتهد، وبها يشعر ويتذوق، وبها يتطلع إلى ملك الأرض وملكوت السماء، وبها أمر الله عز وجل الملائكة أن تسجد لآدم عليه السلام، لا لما فيه حمأ مسنون وطين معجون، بل لنفخ الروح فيه الذى حوَّله إلى وضع آخر. ذلكم هو الإنسان، روح علوى وجسد سفلى، فالجسد بيت والروح صاحبة وساكنة، والجسد مطيَّة، والروح راكب مسافر، فما أعجب هؤلاء الآدميين الذين أهملوا أنفسهم وحقيقتهم الربانية، بل غفلوا عنها وعمدوا إلى الجسد وهو الغلاف الطينى فانهمكوا فى مطالبه وشُغِلُوا به. وهذا للأسف من جرَّاء البُعْد عن هذا الدين الذى يصلهم بالحق ويعرِّفهم لماذا خُلِقُوا؟ ولأى مهمة وُجِدُوا على ظهر الأرض؛ قال تعالى: ((يا عبادى.. إنى ما خلقتكم لأستأنس بكم من وحشة، ولا لأستكثر بكم من قِلَّة، ولا لأستعين بكم على دفع أمر عجزت عن دفعه، ولا لجَلْب مصلحة ولا لدفع مضرَّة، ولكنى خلقتكم لتعبدونى طويلا، وتذكرونى كثيرا، وتسبحونى بكرة وأصيلا)). - أيها الأحباب.. هيا إلى العمل: هانَت وذَلَّت حياة يُحْجَب المرء فيها عن ربه {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ ويَحْيَى مَنْ حَى عَنْ بَيِّنَةٍ وإنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال: 42]، فهيَّا إلى العمل، العمل النافع، العمل الجاد؛ لخدمة الجميع. إن مع المناجاة والتفكُّر والمحاسبة يزداد المؤمن إيمانا ويتعرف أكثر على واجبه تجاه ربِّه ودينه، وتجاه قومه وأمته، وتجاه أهله ونفسه، فيكون سيره وخطوه مع قول الله تعالى: {وقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ ورَسُولُهُ والْمُؤْمِنُونَ وسَتُرَدُّونَ إلَى عَالِمِ الغَيْبِ والشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 105]. إن العمل النافع هنا يغطِّى حياة المسلم والمسلمة من أولها إلى آخرها، فطلب العلم جهاد والسعى على الأرملة واليتيم جهاد، وبذل الطاقة والوسع فى إسعاد أهله وجيرانه جهاد، وإكرام الأبوين جهاد، وتعمير المساجد جهاد، وبذل النصح لكل مسلم جهاد، وإتقان العمل الذى نعيش منه جهاد، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر جهاد، ومعاونة الفقير والمحتاج جهاد، إنها قِمَّة نرتقى عليها فى أعلاها يكون الجهاد فى سبيل الله سبحانه؛ قال تعالى: {والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وإنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]. ويجب على رجال الإسلام ألا يلتفتوا إلى ذوى الأغراض الذين يريدون أن يصرفوه عن طريقه، ويحولون بينه وبين عمل الخير؛ قال تعالى: {وأَنَّ هَذَا صِرَاطِى مُسْتَقِيما فَاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]. ومن الضرورى أن تكون أعمال الإيمان على المستويين الفردى والجماعى، فما سبق يمكن تطبيقه على المستوى الفردى، فإذا تحرَّكنا خطوة إلى الأمام والتقينا على بساط العمل الجماعى وجدنا من هم فى مثل عمرنا، ومن هم أكبر منا ومَن هم أصغر منا، فهيا نرتبط ونتعاهد وننتج مع من أقْرَنَنا فى العمر والفهم. ولك يا أخى فى ذلك وسائل كثيرة من: زيارات، وصلوات، ولقاءات، ورحلات، وأعمال نظافة لمساجدنا وحيِّنا أو بلدنا، ويكون ذلك فى ساعات ما بعد العصر والمغرب، وحبَّذا لو قمنا برحلات خلوية سيرا على الأقدام ليلا فى الليالى القمرية نتعرف على أقراننا نُحدِّثهم حديث الإيمان. - ثم هيا بنا إلى الأكبر منا عمرا وتجربة ننهل من خبرتهم، ونستمع إلى نصيحتهم، ونتعلم على أيديهم، ونستضيفهم فى لقاءاتنا، وإنه لا بدّ من ربط الماضى بالحاضر؛ لنعمل على بصيرة فى المستقبل، فتاريخ الدعوة وأحداثها كما تُدَوَّن فى الكتب تتجسَّد فى الرجال الذين عايشوها وواجهوا الشدائد، وصبروا وصابروا وكانوا النماذج العملية لمن يُريد أن يخدم دعوته، وإن التَّقصير فى هذا الأمر غير مقبول، وهو مردودٌ على المُقصِّرين الذين لم يفقهوا ضرورة هذا الأمر، ولقد شاهدنا فى تاريخ أسلافنا كيف تتبَّع كل جيل الجيل الذى سبقه فتعلَّق وتعلَّم على يديه، واقتدى بمن سبقه على الدرب. - يقول أحد التابعين لأحد الصحابة: يا عم.. هل رأيتم رسول الله وشاهدتموه؟ قال: نعم يا ابن أخى، قال: فكيف كان حالكم معه؟ قال: والله كنا نجهد فى اللحاق به فكان أكثرنا تحمُّلا، وكنا نتَّقِى به العدو، فقال التابعى: يا عم.. والله لو رأينا رسول الله وشاهدناه لحملناه على أكتافنا، ولما تركناه يمشى على الأرض اعترافا بحقه علينا". - وهيا بنا إلى الأصغر منّا سنّا نُحفِّظهم القرآن فى البيوت والمساجد والنوادى وفى كل مكان، وقبل ذلك نهتمّ بهم ونقرِّب منهم هذا الدين العظيم ورجاله الأبرار فى صور كثيرة: تمثيليات هادفة أو كتيبات مصوَّرة تحدِّثهم عن سلفنا الصالح، ونكون نحن أمامهم قدوة عملية يروا فينا أخلاق الإسلام وتواضع المسلم، ويشاهدون الإيثار ويتعلَّمون منا الصدق. يقول أحد الصحابة رضى الله عنهم جميعا: "كنا نُعلِّم أبناءنا الغزوة كما نحفِّظهم السورة من القرآن، وما فى الغزوة إلا خُلُق الشجاعة والفداء والإيثار والتضحية". رأى الناس شابّا صغير السن يمشى فى الحى متبخترا تراه أكبر من سنِّه، فذهبوا إلى أمه يسألونها ماذا فعلتِ مع هذا الغلام؟ فقالت: لما بلغ السادسة حفظته القرآن، ثم رويتُه الشعر، ثم علَّمته الفروسية، ثم قلت له هيا تبختر فى الشارع، وانتظر الطارق وهو منادى الجهاد. ويجب أن نهتم بهم فى مدارسهم، وأن نجعل لهم وقتا بالمسجد نبيّنها لهم، ونُمرِّنُهم على القراءة الصحيحة. - هيا إلى القيام بالواجب والحرص على أداء الفرائض والأوامر واجتناب النواهى، فهذا هو طريق السعادة وسبيل المؤمنين. والله أكبر ولله الحمد