فى حضرة الصحابى العظيم عمرو بن العاص -رضى الله عنه- أديت صلاة الجمعة أمس. خشية وهيبة وجلال وسكينة تنتابك فور دخول المسجد، وقد امتلأ بالمصلين فى مشهد مهيب لا يستشعره المصلون فى المساجد الصغيرة، والزوايا الضيقة، إنما يغمرك عند صلاتك فى أحد الجوامع الكبرى، مشهد يستحق أن يكون عيدا حقيقيا أسبوعيا متكررا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن يوم الجمعة يوم عيد، فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم، إلا أن تصوموا قبله أو بعده، وفى حديثه عن أهل الكتاب قال صلوات الله وسلامه عليه: أضل الأيام الله عن يوم الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء بنا فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة"، وفى حديث روته أم المؤمنين عائشة -رضى الله عنها-: "إنهم لا يحسدوننا على شىء كما يحسدوننا على الجمعة التى هدانا الله لها وضلوا عنها". الإلف عدو الدهشة، والعادة ضد التأمل، والغفلة نقيضة التفكر، لذلك فارق كبير أن تدخل مسجد عمرو بن العاص لأداء الصلاة ثم تنتشر فى الأرض بعد تمامها، وبين أن تستشعر لدى دخولك باب الجامع أنك تصلى فى أول مسجد وضع للناس فى مصر.. بل فى إفريقيا كلها. رجفة حقيقية تغمر الواحد منا عندما يتذكر أنه يصلى فى مكان ضبط قبلته نحو المسجد الحرام 80 صحابيا جليلا، ربما مر عند موطئ قدم أحدهم، فنال بركته فى الدنيا والآخرة. جال بخاطرى كأن الصحابى الجليل عمرو بن العاص -رضى الله عنه- الذى فتح الله على يديه مصر، جالسا بيننا، يستمع بألم عن واقع حكى عنه الخطيب حول محاولات تعويق الوطن عن النهوض، مصغيا بأمل كبير، ورؤية استشرافية ثاقبة، عن قدرة هذا البلد الكبير العظيم على النهضة والنجاح بسواعد أبنائه المخلصين وبإمكانياته الضخمة الذى قال عنه ابن العاص يوما: ولاية مصر تعدل الخلافة. الخطبة كانت بحق جديرة بأن تلقى من فوق أول منبر وضع للناس فى البلاد، ألقاها عالم جليل، حول أهمية العمل فى الإسلام، ومواقف النبى -صلى الله عليه وسلم- فى محاربة البطالة، والحث على العمل، والنهى عن توجيه الصدقة للقادر على العمل، منوها إلى أن أمة تقرأ سورة "الأنبياء" وفيها قصة مفصلة عن صنعة سيدنا داود، وحرص الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين على العمل. وأشار الخطيب العالم الفقيه إلى ضرورة وحدة الصف، والبعد عن كلام المنافقين المثبطين، ملمحا إلى دور الإعلام فى تشتيت الأمة وتمزيق أواصرها، قبل أن يدعو مبتهلا: اللهم احفظ مصر وأهلها.. اللهم صب عليها الخير صبا.. اللهم وفق ولى الأمر بالحق إلى ما تحب وترضى". اللهم أحلل علينا بركات يوم الجمعة، فقد روى عن النبى -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إذا سلمت الجمعة سلمت الأيام"، كما قال ابن القيم: الجمعة ميزان الأسبوع، ورمضان ميزان العام، والحج ميزان العمر".