يطلق البعض على سنة 2012م عام القلق والخوف والتربص، ويطلق عليه البعض عام الاحتراب الأهلى والعنف المجتمعى فى مصر، ويطلق عليه البعض عام الصراع بين السلطة التنفيذية والقضائية، ويطلق عليه أيضا عام حصار المؤسسات السيادية، فقد حوصرت فيه كل المؤسسات السيادية تقريبا. ويطلق عليه أيضا عام تحطيم مقرات الأحزاب مثل حزب الحرية والعدالة والوفد، ويطلق عليه أيضا عام حصار المساجد، ويطلق عليه أيضا عام التفحش فى الخطاب الدعوى. وهذه التسميات صحيحة كلها، ولكنى أطلق عليه عام الحماقات السياسية، فقد وقعت قوى سياسية كثيرة فى حماقات لم يكن يتصورها أحد، ويمكننى ذكر أهم حماقات هذا العام فيما يلى: 1- إعلان طارق الشحات الشرك بالله بعد يأسه من ترخيص الحكومة له ب"كشك" يعول به أسرته، لأنه مريض بالسرطان ولا يجد عملا، فتقصير الحكومة أو الخلق جميعا مع الإنسان لا يبيح له أن يجحد ربه، فإذا جحده الخلق لجأ إلى الحق سبحانه وهرب إليه، وقد جحدنى كثيرون ممن أحسنت إليهم فما زادنى ذلك إلا تعلقا وحبا لله، الذى إن اقتربت منه شبرا اقترب منك ذراعا، وإن اقتربت منه ذراعا اقترب منك باعا، وإن أتيته تمشى أتاك سبحانه هرولة، وأنا أعتبر كطبيب أن أمثال طارق يمرون بحالة اكتئاب وفقدان للاتزان النفسى، وأرجو أن يتوب إلى الله ويرجع إليه، فعنده سبحانه ما هو أعظم مما عند حكام الدنيا جميعا، ولكن المصيبة أن ينشر الإعلام ذلك على نطاق واسع، أما المصيبة الأعظم فهى إلصاق مسئولية شرك طارق بربه بالدكتور مرسى فى مزايدة رخيصة ليس لها أى مبرر. 2- من أكبر المصائب التى لحقت بالدعوة الإسلامية فى سنة 2012م ظهور التفحش والبذاءة وشيوعه فى الخطاب الدعوى، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم صدع بالحق كاملا ولم يقل كلمة فحش قط، ف"ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا" كما ورد فى الصحيحين. 3- أما المصيبة الأكبر والأعظم فهى عدم اعتذار هؤلاء عن خطاب التفحش الذى انطلق من ألسنتهم، بل تبرير ذلك بأسوأ تبرير حدث فى تاريخ الإسلام كله، إذ انبرى أحدهم يقنع الناس بأن الله ينطق أيضا بكلمات السب والفحش فى القرآن العظيم، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وتنزه سبحانه أن تكون كلماته كذلك، فهو سبحانه الآمر لعباده المسلمين بقوله تعالى: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنا}، فلم يقل القرآن "وقولوا للمسلمين حسنا" ولكن قال "للناس حسنا"، كل الناس مسلمهم وغير مسلمهم، من تحب ومن لا تحب، من معك ومن ليس معك. والعجيب أن هؤلاء أرادوا أن ينقذوا أنفسهم من اللوم فسبوا الله دون قصد واعتدوا على الذات الإلهية المتنزهة عن كل عيب، التى لا تقول إلا طيبا، ولا تقبل إلا طيبا من القول والعمل. 4- ومن المصائب الدعوية الكبرى فى سنة 2012 ظهور خطاب التنفير لا التبشير، والتفريق لا التجميع، والهدم لا البناء، والتكفير والتبديع والتفسيق للآخر، مع أن الدعاة مهمتهم الأصلية إدخال الناس فى الدين وليس إخراجهم منه بتفسيقهم أو تبديعهم أو تكفيرهم، فنحن دعاة لا قضاة، ونحن هداة لا بغاة، مما أدى إلى تآكل الرصيد الدعوى للحركة الإسلامية بين صفوف الشعب المصرى الذى ضاق ذرعا بهذه الطريقة السيئة فى الدعوة إلى أعظم وأطيب وأرحم دين، لقد كاد الخطاب الدعوى المعتدل والوسطى والعفيف يغيب بين مطرقة التكفير وسندان التفحش. 5- وقوع كثير من قوى الثورة والمعارضة فى البذاءة والتفحش حيال الآخرين، ولك أن تنظر فقط إلى الشعارات البذيئة التى كتبت على جدران القصر الجمهورى بالاتحادية لتدرك مدى التدنى الأخلاقى الذى وصلت إليه بعض فصائل المعارضة، ومدى التدنى الأخلاقى الذى وصل إليه الكثير من المصريين بعد الثورة، وكأن هذه الثورة جاءت لتخرج أسوأ ما فى الإنسان المصرى. 6- حصار مسجد القائد إبراهيم وبداخله شيخه الكريم أحمد المحلاوى وتحطيم نوافذه وقذفه بالطوب والحجارة. 7- ضمور العقل السياسى المصرى الذى أراد أن يحتفل بشهداء محمد محمود بتكرار الأمر بكل تفاصيله، ليسقط المزيد من القتلى والجرحى وتحرق مدارس مثلما حرق المجمع العلمى من قبل، ولا أدرى ماذا سنفعل فى السنوات المقبلة!! 8- افتتاح فرع جديد لتنظيم القاعدة فى مصر ولكن باسم آخر، وتدشين هذا الفرع فكريا وتنظيما، وربنا يستر على الباقى. 9- التوظيف السياسى من بعض المعارضة لأطفال الشوارع تارة، والبلطجية تارة أخرى للقيام بأدوار العنف المختلفة، وهذه جريمة سياسية وأخلاقية. 10- اهتمام بعض الإسلاميين ومعارضيهم بالصراع السياسى أكثر من اهتمامهم بمشكلات المواطن المصرى البسيط والفقير، مما أدى إلى كراهية المواطن البسيط للساسة والسياسة. 11- لجوء المعارضة إلى الاستقواء بالخارج فى مواجهة مصر، ظنا منها أنها تواجه الرئيس وليس الوطن، حتى الاتحاد الأوروبى الذى أعجب مندوبوه من قبل بالدستور يرفض الدستور فور الاستفتاء عليه. 12- أصر عام 2012 على ألا يغادرنا بحماقاته، ففى آخر يوم منه سطر رئيس الأهرام مقالا غاية فى السوء شتم فيه أكبر وأهم رمز للوسطية الإسلامية، والمعلم الرئيس لها فى العالم كله الشيخ د. يوسف القرضاوى، الذى يعد العالم الأهم فى دفع الحركة الإسلامية للوسطية والاعتدال فى العصر الحديث.