باق من الزمن 48 ساعة، ويعلن نصف المصريين الآخر موقفهم من الدستور الجديد فى الجولة الثانية للاستفتاء، ومع اقتراب لحظة الحقيقة التى ينتهى فيها التصويت وتعلن فيها النتيجة تتصاعد ردود الأفعال الغاضبة وتنفلت أعصاب الذين سعوا إلى عرقلة الاستفتاء، وستشهد هذه الساعات العصيبة افتعالا متزايدا للأزمات والمشكلات لتحقيق الهدف ذاته وهو إفشال الاستفتاء. لقد كان النائب العام المستشار طلعت عبد الله واعيا بهذا النوع من الاستفزاز فحرص على تفويت الفرصة على المتربصين بإعلان استقالته، ورغم أن هذه الاستقالة تمت تحت إكراه؛ بما يعنى أنها غير صحيحة، إلا أنها فى المحصلة النهائية فوتت الفرصة على أبناء الزند الذين شكلوا تيار "قضاة من أجل التوريث" باعتبار أن معظمهم من أبناء المستشارين الذين سلبوا حقوق غيرهم من الأكفاء فى العمل بالنيابة العامة لمجرد أنهم فقراء أو أنهم لا يمتلكون "الواسطة" المطلوبة. وحسنا فعل الشيخ حازم أبو إسماعيل وأنصاره بفك حصارهم لمدينة الإنتاج الإعلامى؛ حتى لا يتخذ هذا الحصار ذريعة لتعطيل الاستفتاء، ولكنى لا أستطيع أن أتفهم أبدا ذلك الاعتداء الغاشم على مقر حزب الوفد وصحيفته، وهو الاعتداء الذى سبقته اعتداءات كثيرة طالت مقرات حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين، وسبقه الاعتداء على مسجد القائد إبراهيم فى الإسكندرية ومحاصرة الشيخ المحلاوى بداخله أكثر من 14 ساعة، ولكن فى كل الأحوال {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. وحسنا فعلت جماعة الإخوان المسلمين بعدم حشد أبنائها وأنصارها للتظاهر يوم الثلاثاء الماضى فى مواجهة مظاهرات القوى الليبرالية واليسارية؛ لأن عدم نزول الإخوان فوّت الفرصة على الفلول وغيرهم الذين كانوا يحاولون اغتنام هذه الفرصة لإيقاع قتلى جدد، وتوتير الأجواء بهدف إلغاء المرحلة الثانية للاستفتاء، وكم أتمنى أن تكون مظاهر الفرح بنتيجة الاستفتاء (عقب إعلان النتيجة) غير مستفزة للطرف الآخر. لا تقتصر الاستفزازات على المستويات الكبرى بل تتعداها إلى الأفراد فى الشوارع والحارات والقرى والنجوع، حيث أوجدت حالة الاستقطاب الشديد روحا عدائية لدى كثيرين تدفعهم لاختلاق المشكلات مع أنصار الدستور الجديد، وذلك بهدف إفشال عمليات الحشد التصويتى على المستويات المحلية وإيجاد صراعات بين العائلات والأفراد لعلها تفلح فى إيقاف الاستفتاء فى هذا المكان أو ذاك، ولعلها -بجمعها إلى جانب بعضها- تشكل حالة عامة تبرر تعطيل الاستفتاء على مستوى المحافظة أو حتى على مستوى الجمهورية. الحوارات التليفزيونية مجال خصب أيضا للاستفزاز، وجرّ المتحدثين إلى مناطق ملغومة، وإيقاعهم فى تصريحات مستفزة لجمهور المشاهدين، ومن أحدث الأمثلة ذلك التصريح عن تفكير حزب الحرية والعدالة فى إمداد حراسه بأسلحة مرخصة للدفاع عن المقرات التى تعرضت للاعتداءات خلال الأيام الماضية، ولا تزال تعمل تحت التهديد باقتحامها وحرقها، فرغم حق الحزب فى الدفاع عن مقراته إلا أن الحديث عن تسليح حراس فى هذه الأجواء المتوترة أوصل رسالة خاطئة تلقفها جمهور متحفز ومتوجس بالأساس وراح يروجها بين الآخرين على أنها إنشاء ميليشيات مسلحة، وكان من الممكن أن نتحدث بدلا من ذلك عن الاستعانة بشركات أمن خاصة لحراسة المقرات مثلا. الخطب المنبرية والدروس المسجدية نموذج آخر لجرّ المتحدثين إلى مناطق ملغومة تستدعى ردا قاسيا من أحد المصلين مثلا، فيحدث الهرج والمرج فى المسجد، وتكون النتيجة استعداء المصلين على الإمام أو الخطيب، وهنا ينبغى على الخطباء تفويت الفرصة فى الجمعة الأخيرة قبل الاستفتاء على كل المتربصين ودعاة الفتنة والفوضى، وذلك بعدم التعرض لأشخاص الساسة والزعماء والتركيز فقط على المبادئ العامة التى يريد الخطيب تبليغها للناس. مواضع الاستفزاز كثيرة ومتنوعة، والكيّس الفطِن من تجنب هذه المزالق، وفوت الفرصة على المتربصين.