هل مصر بحاجة إلى تكرار مآسيها كل عام حتى نكرر مأساة محمد محمود مرة أخرى بالسيناريو نفسه وبالأخطاء نفسها؟. وهل أعيتنا الحيل عن تذكر الشهداء إلا بمزيد من الصدام والجراح والقنابل والمولوتوف والحجارة بين المصريين؟ وهذه وحدها التى نحتكم إليها اليوم. لماذا يلجأ البعض إلى حرق استوديو الجزيرة إذا اختلفوا معها أو لم تعجبهم طريقتها؟ ولماذا نحول خلاف الرأى إلى رصاص أو حريق؟ ومن الذى أعطى هؤلاء الحق فى حرق الآخر وإلغائه من الوجود؟ وهل هناك شرع أو منطق أو عقل يبيح الاعتداء على مقرات الحرية والعدالة، أو غيرها من الأماكن؟ حيث ترك هؤلاء المسجد ثم ذهبوا إلى مقرات الحرية والعدالة يحطمونها ويحاولون حرقها. ثم تفكرت فى هؤلاء الذين اعتدوا على أبناء وأسرة د. عمر عبد الرحمن عند السفارة الأمريكية، حيث مر عليهم قرابة عام فى هذا المكان شهد لهم الجميع بحسن الخلق وكرم التعامل مع الجميع، فلم يقطعوا طريقًا ولم يلقوا حجرًا ولم يصطدموا مع أى شرطى مصرى أو من حرس السفارة، حتى شهد لهم الجميع بالتحضر والرقى فى إيصال رسالتهم السامية بالإفراج عن والدهم الكريم د. عمر عبد الرحمن، فكيف يقوم هؤلاء الشباب بالهجوم عليهم بالأسلحة البيضاء والشوم والشماريخ ثم يحرقون المكان ويدمرون كل ما فيه ويستلبون بعضه؟ وهذا فريق من ضباط الجيش لم يجد وسيلة سلمية مصرية واحدة لحل أزمة زميلهم سوى حصار قسم الشرطة بالعاصمة لتتفرج الدنيا كلها على أهم وأخطر جهازين سياديين مصريين يشتبك أحدهما مع الآخر أو يحاصره، مع أن مثل هذه الأجهزة السيادية العسكرية كانت تعد رمزًا للانضباط العسكرى والالتزام والشعور بالمسئولية، وبدلًا من أن نحاصر العدو الحقيقى أو نطلق الرصاص أو الغاز عليه يستسهل بعضنا أن يطلق الرصاص ليرتد إلى صدره وصدورنا ليحرق أفئدتنا على وطننا الممزق. إنك لتعجب حينما تعلم أن عدد الذين قتلوا فى قضايا الثأر فى الصعيد بعد الثورة جاوز ألفين، فكل شاب فى الصعيد الآن لديه بندقية حتى الفقراء منهم، وقد نشأت ظاهرة استئجار البندقية للتباهى والفخر الكاذب، ورصاص هذه البنادق يتوجه إلى صدور المصريين دون أدنى مبرر سوى الحماقة التى أعيت من يداويها. وهؤلاء التكفيريون فى سيناء لم يجدوا طريقة لحرب إسرائيل سوى قتل الجنود المصريين وهم يفطرون المغرب فى رمضان وسرقة مدرعاتهم لعبور الحدود إلى إسرائيل التى تعاجلهم بتدميرها، فلا أرضًا قطعوا ولا ظهرًا أبقوا، ولا غاية وصلوا إليها، ولا وسيلة صحيحة اتبعوها، لتتحول سيناء من تمرة فى حلوق المصريين إلى جمرة. كل هذه الظواهر العنيفة هى بعض الثمار المرة للخطاب السياسى والدينى المصرى المشحون بكل عوامل الانقسام والاستقطاب والتخوين والتكفير السياسى والدينى والرغبة الجامحة فى هدم المؤسسات السيادية أو إحلال الجماعات والأحزاب محل الدولة، خطاب يفرق ولا يجمع، ويمزق ولا يوحد، وينفر ولا يبشر، ويشدد ولا ييسر، ويهدم ولا يبنى. إن أغلبية القوى المصرية تبحث الآن عن الخلاف والشقاق مع الآخر وتسعى فى تدميره أو تكفيره أو حرقه معنويًّا، والكل يسعى إلى البحث عن ذاته وحزبه أو جماعته مفضلًا لها عن مصالح الوطن العليا. الجميع يصر أن يتحدث باسم الشعب المصرى وأن يفوض نفسه نائبًا عنه، أو ينصب نفسه قاضيًا يحكم على الآخرين. إنهم يبحثون عن الخلافات ويهجرون المشتركات، ويفضلون الهدم على البناء، والحرق على الإطفاء؟ لماذا نريد أن نقتدى بالصومال التى مزقها الصراع إلى 5 دول متصارعة رغم أن أهلها من جنس ولون ودين ومذهب واحد؟ لماذا لا نتعلم من جنوب إفريقيا الموحدة رغم أنها تتكون من أربعة أجناس، فضلًا عن عشرات الأديان؟ لماذا لا نتعلم من أمريكا التى تحوى عشرات الأعراق والأديان والألوان، ورغم ذلك يقدم الجميع مصالحها العليا على مصالح وطنه الأصلى؟ إننى أخشى أن تنزلق مصر إلى مرحلة الاغتيالات السياسية، بحيث يقوم كل فريق بتصفية رموز الفريق الآخر، ظنًا منه أنها أسهل الحلول لمشاكله معهم. أدركوا مصر قبل أن يتحول حلم الثورة الجميل إلى كابوس مخيف، فإذا بدأ العنف فى المجتمع المصرى فلن يستطيع أحد أن يوقفه، وعلينا أن نتذكر قول نبينا العظيم: "إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطى على الرفق ما لا يعطى على العنف". فهل نُفيق قبل فوات الأوان؟ --------------------- د. ناجح إبراهيم عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية