تجارة القناة تعلن قواعد القبول بالبرامج الجديدة بنظام الساعات المعتمدة للعام الجامعي 2026    عاجل من الضرائب، إلزام فئات جديدة بإصدار إيصالات إلكترونية في هذا الموعد    قيادي بحماس: تعاملنا بمسؤولية ومرونة في المفاوضات وطالبنا بضمان تدفق المساعدات    تطورات مهمة في عرض قاسم باشا التركي لشراء لاعب الأهلي    محاكمة ربة منزل بالمرج بتهم الترويج للأعمال المنافية والنصب على المواطنين    تشغيل قطارات جديدة على خط مطروح    مفاوضات مع مايلي سايرس وآريانا جراندي لتقديم عرض مشترك في Super Bowl    باحث أكاديمي ينفي عن توفيق الحكيم صفة البخل ويكشف تفاصيل مساهمته في تأسيس معهد الموسيقى    «100 يوم صحة» تقدم أكثر من 15 مليون خدمة طبية مجانية خلال 10 أيام    تجديد حبس سائق بتهمة سرقة 6 ملايين جنيه من مالك شركة يعمل بها بالعمرانية    الأرصاد تحذر من ذروة موجة حارة تضرب القاهرة    تنسيق 2025.. موعد المرحلة الأولى لطلاب الثانوية العامة وأسماء الكليات المتاحة لكل شعبة (تصريحات خاصة)    أسعار الخضروات اليوم السبت 26 يوليو في سوق العبور للجملة    مطار مرسى علم يستقبل 184 رحلة من 15 دولة أوروبية الأسبوع الجاري    «موعد أذان المغرب».. مواقيت الصلاة اليوم السبت 26 يوليو 2025 في القاهرة والمحافظات    كيم جونج أون لجيشه: يجب الإستعداد ل«حرب حقيقية في أي وقت»    الكونجرس الأمريكي: 75% من سكان غزة يواجهون مجاعة عقب الحصار الذي فرضه نتنياهو    تعرف شخصية ليلى زاهر في مسلسل وادي وبنت وشايب    تعرف على موعد عرض أولى حلقات مسلسل « قهوة 2» ل أحمد فهمي    قائمة الجامعات الأهلية المعتمدة في تنسيق 2025.. دليل شامل للطلاب الجدد    «لو ابنك بلع مياه من حمام السباحة؟».. خطوات فورية تحميه من التسمم والأمراض    «خبراء يحذرون»: لا تغلي «الشاي مع الحليب» لهذا السبب    «لماذا ينصح بتناول لحم الديك الرومي؟»... فوائد مذهلة لهذه الفئات    سعر الذهب اليوم السبت 26 يوليو 2025.. الجنيه الذهب ب37040 جنيها    الأهلى يزاحم الهلال على ضم نونيز من ليفربول    اكتشاف حفرية ديناصور عمرها 67.5 مليون عام تحت موقف سيارات متحف دنفر    دعاء الفجر.. اللهم إنا نسألك فى فجر هذا اليوم أن تيسر لنا أمورنا وتشرح صدورنا    "الحشيش حرام" الأوقاف والإفتاء تحسمان الجدل بعد موجة لغط على السوشيال ميديا    أسفار الحج (9).. زمزم والنيل    الدفاع الألمانية تستعين بأسراب «صراصير» للتجسس والإستطلاع    خدمة جوجل فوتو تضيف أدوات لتحويل الصور القديمة إلى مقاطع فيديو متحركة    رابطة الأندية توجه الدعوة لأبو ريدة لحضور قرعة الدوري    أجندة البورصة بنهاية يوليو.. عمومية ل"دايس" لسداد 135 مليون جنيه لناجى توما    أبو حلاوة يا تين.. عم محمود أقدم بائع تين شوكى فى مصر عمره 65 سنة.. فيديو    بعد أزمات فينيسيوس جونيور، هل يتحقق حلم رئيس ريال مدريد بالتعاقد مع هالاند؟    بالأسماء.. مصرع طفلة وإصابة 23 شخصًا في انقلاب ميكروباص بطريق "قفط – القصير"    3 مكاسب الأهلي من معسكر تونس    رحيل نجم بيراميدز بسبب صفقة إيفرتون دا سيلفا (تفاصيل)    موعد مباراة ليفربول وميلان الودية اليوم والقنوات الناقلة    إعلام فلسطيني: 4 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف شقة سكنية غرب غزة    برج الحوت.. حظك اليوم السبت 26 يوليو: رسائل غير مباشرة    إيطاليا: الاعتراف بدولة فلسطين ليس ممكنا إلا باعترافها بإسرائيل    2 مليار جنيه دعم للطيران وعوائد بالدولار.. مصر تستثمر في السياحة    بالصور.. تشييع جثمان والد «أطفال دلجا الستة» في ليلة حزينة عنوانها: «لقاء الأحبة»    هآرتس: ميليشيات المستوطنين تقطع المياه عن 32 قرية فلسطينية    رد ساخر من كريم فؤاد على إصابته بالرباط الصليبي    بعد «أزمة الحشيش».. 4 تصريحات ل سعاد صالح أثارت الجدل منها «رؤية المخطوبة»    «الداخلية» تنفي «فيديو الإخوان» بشأن احتجاز ضابط.. وتؤكد: «مفبرك» والوثائق لا تمت بصلة للواقع    الجزار: الأهلي تواصل معي لضمي.. وهذا موقفي من الانتقال ل الزمالك    فلسطين.. شهيدة وعدة إصابات في قصف إسرائيلي على منزل وسط غزة    «مش عارف ليه بيعمل كده؟».. تامر حسني يهاجم فنانا بسبب صدارة يوتيوب .. والجمهور: قصده عمرو دياب    "مستقبل وطن دولة مش حزب".. أمين الحزب يوضح التصريحات المثيرة للجدل    حماس: لم نُبلغ بوجود أي إشكال بشأن مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة ونستغرب تصريحات ترامب    وزير الأوقاف: الحشيش حرام كحرمة الخمر سواء بسواء والادعاء بحِلِّه خطأ فادح    سعر الذهب اليوم السبت 26 يوليو محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير (تفاصيل)    قفزة في أسعار الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 26 يوليو 2025    رفعت فياض يكتب: نصيحتي لكل الناجحين في الثانوية العامة.. لا تلتحق بأي كلية استخسارًا للمجموع أو على غير رغبتك    جامعة دمنهور الأهلية تعلن فتح باب التسجيل لإبداء الرغبة المبدئية للعام الجديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشهد المقدسي

تسرع سلطات الاحتلال الخطى نحو تهويد القدس على شتى الصعد الثقافية والدينية والديموغرافية، وهي تتوسل في سبيل ذلك أدوات مختلفة كي تتمكن في نهاية الأمر من إحكام قبضتها على المدينة تمهيدًا لتكريسها عاصمة يهودية لكيانها. ونعرض فيما يلي للمشهد المقدسي، على الصعيد السياسي والديني والقانوني، عبر عرض أبرز الممارسات الإسرائيلية خلال عام 2011 والنصف الأول من عام 2012. وفي عموم الصورة يتجلى السعي الإسرائيلي المحموم لطرد المقدسيين واستجلاب مستوطنين يهود مكانهم، ضمن مخططات لا تحترم قانونًا ولا تقيم اعتبارًا لأي حق.
أولاً: تطور المشهد السياسي
سعت المؤسسة السياسية الإسرائيلية خلال عام 2011 إلى ترسيخ وجودها في شرق القدس عبر جملة من الممارسات والسلوكيات، كان من أبرزها مشاركة رئيس البلدية "نير بركات" بإطلاق مدفع رمضان من مقبرة الساهرة بشارع صلاح الدين في 5/8/2012 في سلوك يكرره بركات سنويًا، وتوجه "رؤوفين ريفلين"، رئيس برلمان الاحتلال (الكنيست)، إلى بلدة العيساوية في شرق القدس لافتتاح مدرسة الأمل للتربية الخاصة مع " نير بركات" في 6/9/2011 بمناسبة العام الدراسي الجديد . كما زار وزير التربية والتعليم جدعون ساعر ورئيس أركان الجيش بني غانتس مدرسة "بسغات زئيف" في 10/6/2012 في إطار مشروع "طريق القيم" الساعي إلى تعزيز التعاون بين وزارة التربية والتعليم من جهة ووزارة الحرب من جهة أخرى وتحفيز الشباب الإسرائيلي على خدمة وطنهم . وكانت الزيارات تُجرى تحت حراسة مشددة من الشرطة وحرس الحدود والقوات الخاصة ووحدة المستعربين.
كما حرصت دولة الاحتلال على توجيه الساسة الأجانب لزيارة القدس، ومنهم "كريس كرستي" محافظ ولاية "نيو جرسي" الأمريكية الذي زار حائط البراق في 2/4/2012 ، وفي 29/7/2012، ألقى "ميت رومني"، المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية، كلمة أمام بلدية الاحتلال في القدس، قال فيها: "أشعر بتأثر كبير لوجودي في القدس عاصمة إسرائيل" . كما زار القدس الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" في 26/6/2012 وأدى بعض الشعائر الدينية عند حائط البراق وقال: "هنا نشاهد التاريخ اليهودي محفورًا في حجارة القدس".
وأجرى جيش الاحتلال تدريبات عسكرية في القدس، بمشاركة قوات مدججة بالآليات والعتاد العسكري، وسيارات عسكرية صغيرة مخصصة للأزقة والحواري، وأخرى ذات الدفع الرباعي، إلى جانب التخطيط النهائي لبناء مقر جديد للكلية العسكرية للجيش على السفح الجنوبي لجبل المشارف "اسكوبس" شرقي القدس.
فضلاً عن ذلك، فقد أعدت سلطات الاحتلال مخططًا لتهجير المقدسيين من الأحياء الواقعة ضمن "الحوض المقدس"، في محيط البلدة القديمة والمسجد الأقصى، خصوصًا بلدة سلوان، وحي الشيخ جراح، وجبلي الزيتون والمكبر. ولهذه الغاية، يجبر المقدسيون على دفع الديون المتراكمة عليهم للبلدية وسلطات الضرائب والتأمين الوطني، فتُكثف الحملات والمداهمات الضريبية لجباية الأموال المستحقة عليهم، فيما يُمنع من لم يدفع من قيادة السيارات، وتُسحب رخصهم، وتُحجز مركباتهم وممتلكاتهم، ويمنعون من تلقي العلاج في العيادات الطبية وصناديق المرضى، وتفعَّل أوامر الهدم كما تشدد العقوبات بحقهم وتعمد سلطات الاحتلال إلى طردهم وإبعادهم خارج القدس عوضًا عن عقوبة السجن والحبس المنزلي . كما شهد العام المنصرم تهديدات إسرائيلية بإبعاد 384 ناشطًا سياسيًا مقدسيًا، بعد استدعاء المخابرات لهم، وتهديدهم بالإبعاد خارج القدس إن لم يغيروا مواقفهم السياسية المناهضة للاحتلال.
كما بدأت بلدية الاحتلال بتشغيل خط القطار الخفيف الأول "بسغات زئيف" في القدس، مارًا بحيي بيت حنينا وشعفاط، كجزء من خطة لربط المستوطنات بمركزها، وتشديد القبضة على القسم الشرقي، وإظهارها كمدينة موحدة، ضمن مشروع قيمته 100 مليون دولار ينسجم مع الأساطير اليهودية المتعلقة بالقدس، أكثر من تلبية احتياجاتها الحضرية، وجعل المستوطنات أكثر جاذبية، بتقليل الوقت اللازم للوصول إلى مركز المدينة.
ووجهت بلدية الاحتلال الجهات الإسرائيلية بافتتاح المؤتمرات والفعاليات الفنية والثقافية في القدس، كالمهرجان الدولي للأداء الفني بمشاركة 50 شخصية يهودية، والكشف عن مخطط لبناء أكاديمية "بيتزاليل" للفنون وسط القدس على مساحة 40 ألف متر مربع، فضلاً عن تخصيص 260 ألف دولار لبناء متحف "ألبرت أينشتاين" في حرم الجامعة العبرية، وإقامة "مهرجان أنوار القدس" للسنة الرابعة على التوالي، بالتزامن مع الذكرى الخامسة والأربعين لاحتلال شرقي القدس، حيث عرضت الفقرات الفنية والفعاليات الغنائية على خلفيات المعالم الإسلامية والعربية، مما يجعله مهرجانًا تهويديًا بامتياز تحت ستار الفن والغناء، فيما انطلق المؤتمر الدولي حول الشتات اليهودي بعنوان "القرية العالمية 2012"، بمدينة القدس، وجرى إحياء ذكرى "المحرقة" فيها، بحضور الوزراء وأعضاء "الكنيست"، كما عقدت الحكومة بعض اجتماعاتها على تلة الذخيرة.
ومقابل السعي إلى تكثيف الوجود اليهودي في القدس، عمدت سلطات الاحتلال إلى محو المظاهر الفلسطينية فيها وتغييرها، كإغلاق مقر مدرسة أحمد سامح الخالدي في حي الثوري لمدة شهر، بحجة استخدامها لنشاطات حركة حماس ، وتوزيع الكتب المدرسية التي تحرف الحقائق التاريخية وتغفل الإشارة إلى أنّ القدس مدينة مُحتلة، كما تسقط أي حديث عن الانتفاضة عبر حذف قصائدها ونشيدها.
وقد حظرت سلطات الاحتلال على 3.7 مليون فلسطيني دخول القدس، وعمدت إلى التحكم بدخولهم بواسطة معيقات حركة مادية وإدارية تفرضها عليهم، وتقييدهم باستخدام 4 حواجز فقط من بين 16 منصوبة على طول الجدار المحيط. وهناك 270 ألف فلسطيني، بينهم 55 ألف معزولون ماديًا عن مركزها الحضري بواسطة الجدار المحيط بها فضلاً عن 200 ألف مستوطن يقطنون المستوطنات المقامة شرقي القدس التي صادرت سلطات الاحتلال 35% من أراضيها لمصلحة مشاريع توسيعها، فيما 32% من منازل الفلسطينيين غير حاصلة على تراخيص بناء إسرائيلية يصعب الحصول عليها، ما قد يعرّض 86 ألف منهم لخطر التهجير.
وأعلنت وزارة الداخلية إبدال بطاقات هوية المقدسيين ببطاقات ذكية، بدلاً من المعمول بها، كمحاولة للإيقاع بهم، وحرمان عشرات الآلاف من حقهم بالإقامة فيها، خصوصًا أن للبطاقات الجديدة "الممغنطة" أجهزة خاصة، تستعرض كل المعلومات عن أصحابها، وملامح وجوههم، وبصماتهم، وأماكن إقامتهم، مما يسفر عن تضرر 120 ألف مقدسي من القرى والبلدات التي أخرجها الجدار العازل، وتهديدهم بسحب حقهم في الإقامة، والإبقاء على 12% فحسب منهم فيها مع حلول عام 2020.
كما اقترح نير بركات، رئيس بلدية الاحتلال في القدس، إخراج بعض المناطق من حدود البلدية، وإعطاءها للسلطة الفلسطينية، بزعم وجود صعوبة في تقديم الخدمات لها بسبب الأوضاع الأمنية، ما يعني استبعاد 60 ألف فلسطيني عزلهم الجدار عن القدس، في أحياء كفر عقب، وشعفاط، وسميراميس، وزغير، وعطاروت، بهدف نقل مسؤولية السكان العرب، دون تغير الكثير بالنسبة لأراضي البلدية.
على الصعيد السياسي أيضًا، تواصلت التصريحات بشأن استمرار البناء الاستيطاني في القدس، كإعلان نائب رئيس الحكومة، "سيلفان شالوم"، أن البناء فيها غير قابل للتفاوض، مدعيًا أنها خارج إطار أي قرار يتعلق بتجميد الاستيطان . وترجمة لذلك، بدأت الحكومة برسم حدود بلدية القدس، بضم الكتل الاستيطانية الضخمة والجدار الذي يحيط بها من كافة جوانبها، ضمن مشروع أكبر يتمثل بإقامة "القدس الكبرى" .
فيما أقرت اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء التابعة للبلدية خطة "الحديقة الوطنية" بين حيي العيسوية شمالاً والطور جنوبًا، مما سيمنع أي تواصل مستقبلي بين الأحياء المحاذية لهما، والشروع ببناء طريق يربط بين الأحياء الشمالية الشرقية في شارع "مناحيم بيغن"، شريان حركة السير الرئيس، كجزء من سياسة تقوية الروابط بين أحيائها الكائنة وراء الخط الأخضر وبقية أنحاء المدينة. والأحياء التي ستربط بالطريق الجديدة هي مستوطنات "بسغات زئيف، والنبي يعقوب"، وعناتوت، وشعفاط، وبيت حنينا". وفي حين تبلغ كلفة المشروع 150 مليون شيكل، فهو يخصص للمناطق المحتلة بنى تحتية دائمة لقوة الاحتلال، متجاهلاً احتياجات الفلسطينيين في بيت حنينا، ويصادر دونمين من الأراضي، بعد مصادرة 5 آلاف دونمًا لإنشاء مستوطنة "بسغات زئيف" .
ثانيًا: المشهد الديني
لا يختلف اثنان على أن المنطلق الأساسي الذي يحرك السلطات الإسرائيلية في رغبتها بتهويد المدينة المقدسة، ديني توراتي تلمودي بامتياز. وهناك العديد من الشواهد الميدانية التي تشير إلى ذلك، أهمها ما ذكرته مدونة "حكيم صهيون" أن إسرائيل تخطط لتقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، ليشابه وضع المسجد الإبراهيمي بمدينة الخليل.
وقد وزعت منظمة "تزوهار" اليهودية عشرات الآلاف من نسخ الصلاة على الكنس استعدادًا لإحياء الذكرى الخامسة والأربعين لاستكمال احتلال القدس خلال حرب 1967 ، فيما اقتحم المسجد الأقصى في المناسبة عشرات الحاخامات يتقدمهم "دوف ليئور" و"يسرائيل أرييل" .
كما زار المدينة حوالي ألفي طالب من 37 مدرسة داخلية يهودية دينية، ضمن ما أسموه "تراث القدس"، واستقبلهم الحاخام "شلومو عمار"، رئيس حاخامات اليهود الشرقيين، فيما قامت المؤسسة الدينية بتنظيف حائط البراق من مئات آلاف الرسائل التي يتركها المتدينون اليهود في شقوقه، لإفساح المجال لرسائل دينية جديدة، وقد زار الحائط مليون ونصف مليون زائر بمناسبة الأعياد اليهودية.
وقد لعبت المؤسسة الدينية اليهودية على وتر الجانب الأثري التاريخي، فأعلنت سلطة الآثار انتهاء أعمال الترميم في بوابة دمشق، أكبر بوابات البلدة القديمة، كجزء من مشروع أكبر لترميم كافة بوابات القدس وأسوارها، كواجهة لأعمال تشويه تهدف لطمس معالم الأسوار والأبواب، وتهويدها.
وهناك مشاريع دينية تتمثل بإقامة حدائق توراتية تهويدية، بين باب الساهرة، أحد أبواب البلدة القديمة من الجهة الشمالية، وطريق باب الأسباط في الجهة الشمالية الشرقية المؤدية إلى المسجد، تزامنًا مع تدمير المعالم الإسلامية والعربية الأثرية والتاريخية وطمسها، ضمن مخطط شامل ينفذه الاحتلال لتطويق الأقصى بتسع حدائق توراتية، حيث وضعت أكوام كبيرة من التراب الأحمر، تمهيدًا لزرع العشب الأخضر، ووضع مواد ترابية، تستعمل لإقامة الأرصفة، تحضيرًا لإقامة رصيف بالحجارة الجديدة.
وأقرت سلطات الاحتلال خطة إقامة "حديقة الملك" التوراتية في سلوان، عقب هدم 22 منزلاً، بضغط من رئيس بلدية الاحتلال "نير بركات"، وتبين أن الغرض من إقامتها ببلدتي العيساوية والطور منع فرصهما بالتوسع، وإيجاد رابط جغرافي بين "الحوض المقدس" والمشروع الاستيطاني الكبير المعروف باسم"E1" شرق القدس، وفقاً لما ذكره الخبير القانوني في شؤون القدس "داني سايدمان" .
كما تشهد أجزاء من مقبرة "مأمن الله" تحركات نشطة وغير عادية للاحتلال، تحديدًا في "المنطقة المسوّرة"، حيث تخطط منظمة "سيمون فيزنتال" لبناء "متحف التسامح"، بما يشمله من نبش مئات القبور الإسلامية، وبدء العمل لإدخال معدات حفر، وأسلاك حديدية شائكة، وعدد كبير من العمال لتنفيذ أعمال الحفر، وعمال مسح هندسي. وقد غطيت منطقة الحفريات بقماش سميك، مما يحول دون معرفة دقيقة لحجم الحفريات، وعدد القبور التي تحفر وتنبش.
وأعلن الحاخام "شموئيل رابينوفيتش"، مدير "صندوق المحافظة على إرث المبكى"، توسيع مكان "صلاة النساء اليهوديات" في ساحة البراق، مما يشكل خطرًا كبيرًا على المسجد الأقصى، كونه سيكشف باب النبي، أسفل باب المغاربة، والمفضي للمناطق أسفله، وسيؤثر على حائط البراق ومجمل الجدار الغربي الجنوبي للأقصى، مترافقًا مع هدم المعالم الأثرية الإسلامية والعربية وطمسها، كجزء من مخطط التهويد الشامل لمنطقة البراق، فوق الأرض وأسفلها.
ودعا نائب رئيس البلدية "يوسف الآلو" إلى تنفيذ مخطّط هدم جسر "باب المغاربة" المؤدي إلى المسجد الأقصى، فيما أمر مهندسها "شلومو إشكول"، بإغلاق مدخل الجسر، بزعم خطورته، وإمكانية انهياره في أي لحظة، وطالب عضوا الكنيست "يوري أرييل" و"أرييه إلداد" بتوفير مدخل بديل لليهود لدخول الأقصى حتى إعادة افتتاح الجسر.
وقد دأب المستوطنون على القيام بمسيرات استفزازية يجوبون خلالها شوارع البلدة القديمة بمحيط المسجد الأقصى، وتشكيل حلقات رقص وغناء وقرع الطبول ورفع الأعلام الإسرائيلية، وتأدية شعائرهم الدينية على عدد من بواباته الخارجية، وسط هتافات بشعارات عنصرية ضد العرب والفلسطينيين.
وقد انهار جانب من سور مسجد عين سلوان الجنوبي في حي وادي حلوة في سلوان بسبب الحفريات، المتسببة بمزيد من التشققات في الشارع الرئيس، وجرت انهيارات ترابية في المنطقة، مما يشكل خطرًا على مدخل المسجد وروضة الطفل المسلم، في منطقة تسيطر عليها جمعية "إلعاد" الاستيطانية، حيث يقوم عمالها من حين لآخر بإخفاء أماكن الانهيارات في المنطقة.
وزعم علماء آثار يهود من سلطة الآثار الإسرائيلية عثورهم قرب حائط البراق على قطعة صغيرة من الفخار، تعود إلى عهد "المعبد الثاني"، رسمت عليها كلمتان باللغة الآرامية، عرضت في مؤتمر صحفي بمشاركة وزيري التربية والتعليم والثقافة الإسرائيليين، فيما عمّمت المرجعية الدينية العسكرية صورة للأقصى، أزيلت منها قبة الصخرة، تمثّل "جبل المعبد" وهي التسمية التلمودية له خلال فترة "المعبد الثاني" .
وأقامت سلطات الاحتلال 50 قبرًا وهميًا شمال بلدة سلوان لوضع اليد بالكامل على 20 دونمًا من أراضي المواطنين، وإقامة حدائق تلمودية تتصل ببعضها، ومتحف يهودي بمساحة 3 آلاف متر مربع لترتبط في جزء من المشروع بالمقبرة "اليهودية" بحي رأس العمود بسلوان وحي الطور، وتشكيل حلقة متقدمة من الطوق حول البلدة القديمة والأقصى.
وأظهر تقرير بحثي أعدته جمعية "عيمق شافيه"، الناشطة في مجال الآثار، أن سلطة الآثار تستخدم "التنقيب عن الأثريات" لتهويد القدس، وإحكام السيطرة عليها، وأنها تحفر الأنفاق أسفل القدس القديمة ليس من أجل هدف علمي، بل سياسي، لتقويض دعائم سكانها العرب، وأن حفر الأنفاق في البلدة القديمة يهدف إلى خلق مدينة "طاهرة عرقيًا"، لإقناع اليهود والعالم بضرورة السيطرة على الأقصى، لتضليل الجمهور بوسائل مختلفة.
كما زعمت سلطة الآثار، العثور على ختم يحمل اسم "متنياهو بن هو" من فترة "المعبد الأول"، فيما أعلن البروفيسور "يوسي غارفينكر" من معهد علم الآثار في الجامعة العبرية اكتشاف أدوات كانت تستخدم بتنظيم طقوس يهودية في عهد "الملك داود"، تشمل مجموعات مصنوعة من الحجر والفخار والأدوات المعدنية، في "خربة قيافة" البعيدة 30 كلم جنوب القدس، وتشمل ثلاث غرف كبيرة تتوافق مع وصف "الكتاب المقدس" .
وقد كشف النقاب عن زيادة الميزانية المخصّصة لمشاريع تهويد القدس بنحو الضعف تقريبًا، خصوصًا لبناء الكنس والمنشآت اليهودية. ففي عام 2009 أقرّت البلدية ميزانية بلغت حوالي 10 ملايين شيكل (2.7 مليون دولار)، لتزداد قيمتها خلال 2011 وتبلغ 17 مليون شيكل (4.5 مليون دولار(، فيما طرأت زيادة أخرى خلال 2012 لتصل 18.5 مليون شيكل (5 ملايين دولار).
ولذلك تسارعت إقامة مبان تهويدية ضخمة قريبة جدًا من أسوار البلدة القديمة بالقدس والمسجد الأقصى من الجهة الجنوبية الغربية تحت مسمى "مراكز سياحية"، مترافقة مع عمليات حفر وإنشاء أنفاق، كجزء من الأعمال التمهيدية لبناء مركز تهويدي ضخم في الموقع يتألف من أربع طبقات ويمتد على مساحة 5 دونمات.
ثالثًا: المشهد القانوني
تدرك السلطات الإسرائيلية تمامًا أن قوة الأمر الواقع في تهويد القدس لا تكفي، بل لا بد من "شرعنة وقوننة" لإجراءاتها التعسفية، على الأقل لتسويغها أمام الرأي العام العالمي، الذي ما زال يرى فيها مدينة محتلة، ولم يسلم بأنها عاصمة لدولة الاحتلال، رغم علاقات التحالف الاستراتيجية التي جمعتها بعواصم العالم الكبرى.
ومن هذه الإجراءات ما زعمته شركة "تحديد واسترداد أصول ضحايا المحرقة النازية" بأن معظم أراضي شمال القدس القريبة من مستوطنة "بسغات زئيف" تعود ملكيتها إلى ضحايا "المحرقة"، خصوصًا من دول أستونيا، لاتفيا، رومانيا، وبلجيكا قبل الحرب العالمية الثانية، زاعمة أنها اكتشفت ذلك خلال بحثها في "الأرشيف المركزي الصهيوني" .
وأمر المستشار القانوني للحكومة "يهودا فينشتاين" بدراسة ظاهرة انخفاض تنفيذ أوامر هدم المنازل في القدس، حيث عقد فريق خاص برئاسة المحامي "يريف بن حاييم"، بالتعاون مع بلدية الاحتلال ووزارة الداخلية وجهاز الشرطة، اجتماعًا يعنى بتنفيذ الأمر . كما أصدر فينشتاين تعميمًا كشف عنه الإعلام في 17/7/2012 يعتبر الأقصى جزءًا لا يتجزأ من أراضي "إسرائيل"، ولذا تنطبق عليه القوانين الإسرائيلية، لا سيما قانوني الآثار والتنظيم والبناء، مطالبًا بإجراء مراقبة منتظمة في محيط المسجد الأقصى للوقوف من كثب على الأعمال الجارية فيه، للتأكد من سلامة الآثار فيه.
وأصدرت الشرطة قرارًا يقضي بإغلاق المحال التجارية في سوق القطانين بالبلدة القديمة لتسهيل توافد المستوطنين إليه، لإقامة طقوسهم الدينية في ذكرى "خراب المعبد" المزعوم، رغم أنه يعتبر أقرب أبواب الأقصى لمسجد قبة الصخرة المشرفة.
وأصدرت بلدية الاحتلال قانونًا جديدًا، يلزم الشركات والمحال والمطاعم والمؤسسات الثقافية بإغلاقها عند الساعة الحادية عشرة مساءً، إرضاء لأصحاب الأعمال اليهود المتدينين، ومحاولة لإبعاد الشباب وأصحاب الأعمال عن المدينة بوضع قيود عليهم.
وحصلت الجمعيات الاستيطانية على ضوء أخضر من الحكومة للسيطرة على عقارات تشمل أراضي ومنازل في القدس، خصوصًا في البلدة القديمة وسلوان والشيخ جراح، ومنحت الموازنات اللازمة، وخطة العمل للسيطرة على العقارات لصالحها، وعرض أموال باهظة على أصحابها لتركها طواعية، وفي حال الرفض، يتم السطو عليها ليلاً بقوة أمنية كبيرة، وبمشاركة المستوطنين.
الأخطر أن القضاء الإسرائيلي بات جزءًا من الخطة، برفضه الأوراق والإثباتات كلها المؤكدة للملكية الفلسطينية للمنازل، حيث إن ترتيب الاستيلاء على العقارات يبدأ بالبحث عن مخرج قانوني، ثم محاولة الإغراء بالمال، إلى استخدام طرق غير قانونية تشمل تزوير وثائق وأوراق، وهو ما لوحظ في السنوات الأخيرة.
ودأب أفراد شرطة الاحتلال ومفتشو البلدية على تحرير عشرات المخالفات المرورية الكيدية، للتنغيص على الفلسطينيين، من خلال التربص بمحاور السير المختلفة، من منطقة باب الأسباط، والمتحف الفلسطيني، وشارعي السلطان سليمان والزهراء، وبابي العمود والساهرة، وتراوحت المخالفات بين 250 و1000 شيكل.
وبحثت اللجنة الوزارية التشريعية مشروع قانون إلزام الدولة بالاستثمار في توسيع مستوطنات القدس في إطار "النمو الطبيعي"، وبموجب اقتراح القانون، فإن وزيري الأمن والإسكان ملزمان بنشر مناقصات لبناء وحدات سكنية في المستوطنات العشر الكبيرة، ومنها الجاثمة على أراضي القدس، خصوصًا "معاليه أدوميم" .
وقدّم نائبان في الكنيست هما "آرييه الداد" و"زبولون أورليف" مشروع قانون ينص على اعتبار القدس "عاصمة إسرائيل والشعب اليهودي"، واعتباره قرارًا لا يمكن الرجوع عنه في أي مفاوضات مستقبلية مع الجانب الفلسطيني.
فيما تفتق ذهن "داني دانون" من حزب الليكود الحاكم، عن مشروع جديد يقضي بعدم منح المقدسيين بطاقة هوية أو جواز سفر أو رخصة قيادة أو أي شهادة رسمية أخرى من مكتب حكومي، إلا بتوقيعهم على "إعلان الولاء" لدولة إسرائيل.
وتقدم 20 نائبًا بمشروع قانون للكنيست للسيطرة على جبل الزيتون، عبر قانون وصاية على المقبرة فيه، حيث تقوم السلطات بزرع قبور وهمية لتهويدها، وجعلها المقبرة اليهودية التاريخية الأولى في العالم، متذرعين بعدم وجود هيئة تشرف عليها حاليًا.
خلاصة
إن تطورات المشهد المقدسي خلال العام المنصرم تلخص السياسات التي كانت وما زالت دولة الاحتلال تتبعها كي تسيطر على القدس ضمن سعيها الدؤوب إلى تكريس المدينة عاصمة موحدة لكيانها. وبين السياسة والدين والقانون، يعج المشهد المقدسي بالممارسات الإسرائيلية التي تمعن في استباحة الأرض وانتهاك الحقوق والاعتداء على المقدسات والتضييق على المقدسيين وعزلهم. وفي وقت تتراكم المخططات الهادفة إلى إبعاد المقدسيين وإخراجهم من القدس فإن خطوات مقابلة تتزاحم بهدف جعل المدينة مركزًا للوجود اليهودي، سواء أكان ذلك عبر تعزيز وجود المستوطنين أو المؤسسات والمرافق اليهودية.
إذًا، تبدو دولة الاحتلال ماضية في مخططاتها غير عابئة إلا بتحقيق أهدافها على حساب القدس وأهلها وحقوقهم والقوانين الراعية لها. ويزيد من قتامة المشهد المقدسي ردة الفعل التي تواجه بها الممارسات الاحتلالية: صمت أو شجب أو تشجيع، إن على المستوى العربي أو الإسلامي أو العالمي.
إن عمليات التهويد الإسرائيلية باتت جزءًا من يوميات القدس والمقدسيين، ولا بد من تغيير المشهد من خلال الاستفادة من الفضاءات التي أوجدتها الثورات العربية وذلك لفرض معادلة جديدة تعكس إرادة الشعوب التي فرضت التغيير، كما أن الهيئات الدولية مطالبة باتخاذ موقف جاد وحاسم حيال الاعتداءات الإسرائيلية والكف عن التعامل مع دولة الاحتلال كدولة فوق القانون.
............
د. عدنان أبو عامر
أستاذ القضية الفلسطينية في جامعة الأمة – غزّة
تقرير لمؤسسة القدس الدولية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.