لا شك أن الرأى العام فى أى نظام ديمقراطى هو حجر الزاوية ومحور الاهتمام لأى نشاط سياسى أو اجتماعى أو اقتصادى، ويتعين تحديد بوصلته بكل دقة عند إصدار أى قرار أو تشريع أو حكم من سلطات الدولة الثلاث، حتى يكتسب القرار مشروعية شعبية، وتعتبر استطلاعات الرأى العام إحدى الوسائل والآليات المتبعة لقياس توجهات الجماهير، ومعرفة آراء الشعب وميوله الجماعية فى مختلف القضايا والمشكلات المطروحة، وهى الأساس الذى تعتمد عليه الدول الديمقراطية فى تحديد وتوجيه سياساتها العامة وخططها المستقبلية. وإذا كان كاتب هذه السطور قد دعاكم -فى مقال الأحد قبل الماضى " إفعلها يا سيادة الرئيس.. وتخلص من العابثين"- إلى اتخاذ قرارات جراحية استثنائية لغل الأيدى الآثمة التى تعبث بمصير البلاد فى السر والعلانية، وهو ما قمتم به بالفعل بموجب القرارات الأخيرة، فقد كان دافعى إلى تلك الدعوة هو ما لمسته من مزاج شعبى عام بلغ به الضيق والضجر مداه من حجم التآمر والتربص من رموز نظام المخلوع، وتحالفهم فى سبيل ذلك مع بعض القوى السياسية والحزبية التى فاقمت من حالة الاستقطاب والفرز السياسى الحاد فى البلاد. وقد جرت العديد من استطلاعات الرأى العام عقب إصداركم القرارات الأخيرة، من خلال بعض وسائل الإعلام (صحفية وفضائية ومواقع إلكترونية) غير محسوبة بأى حال من الأحوال على الإخوان أو السلفيين، بل هى فى مجملها مناهضة لهما، ومنها (المصرى اليوم، الشروق، اليوم السابع، شبكة خبر، شبكة رصد، صفحة كلنا خالد سعيد) وقد شهد شاهد من أهلها من خلال نتائج الاستطلاعات التى أجمعت (كلها) على تأييد جارف لقرارات إقالة النائب العام وإعادة المحاكمات فى ضوء أدلة جديدة، والدعم المادى والاجتماعى لأسر شهداء الثورة والمصابين، وتحصين الجمعية التأسيسية للدستور ومجلس الشورى من الحل، ووصل حجم التأييد له لتلك القرارات إلى متوسط يزيد عن 75%. ومنذ أسبوعين قام المركز المصرى لبحوث الرأى العام "بصيرة" بنشر استطلاع للرأى العام حول تقييم أدائكم فى رئاسة الجمهورية بعد مرور 100 يوم على توليكم المسؤولية، فأوضحت نتائج الاستطلاع أن 29% موافق جداً على أدائكم و49% موافق، مقابل 12% غير موافق و3% غير موافق على الإطلاق وباقى العينة وقدرها 7% كانوا غير متأكدين، أى أن نسبة الموافقة على أدائكم تصل إلى 78%. وإذا كانت استطلاعات الرأى العام مؤشر ودلالة مهمة وتأتى بمثابة "القرينة" فى علم القانون على اتجاهات الجماهير، فإن الانتخابات والاستفتاءات العامة تأتى بمثابة "الدليل القاطع" المعبر بشكل حاسم عن رأى الشعب، خاصة فى ظل هذه الظروف العصيبة وحالة التربص والاحتقان والتخوين التى تخيم على المشهد السياسى فى مصر، ومع ادعاء تيارات لا مواقع لها إلا فى الفضائيات والمؤتمرات أنها تعبر عن أشواق الشعب وتطلعاته: كل يدعى وصلا بليلى * وليلى لا تقر لهم بذاكا. وقد يحسن البعض الظن بالقوى السياسية والحزبية المتربصة والمتكتلة حول رموز نظام المخلوع ونائبه العام الفاسد، ويتوهمون بحسن نية أنه يمكن التفاوض معهم وإقناعهم من خلال ضمانات رسمية مكتوبة أو إصدار مذكرة تفسيرية للإعلان الدستورى الجديد، بأن قراراتكم يا سيادة الرئيس قرارات استثنائية غير قابلة للتكرار، وتهدف لإنهاء المرحلة الانتقالية ولها مدى زمنى محدد وهو أربعة شهور على الأكثر تنتهى بانتهاء الاستفتاء على الدستور وانتخابات مجلس الشعب، ولكنها توهمات وخيالات بعيدة المنال، لأنه لايمكن لأمثال رموز النظام الفاسد (عمرو موسى والزند والجبالى ومرتضى منصور وشوقى السيد) ومن تحالف معهم من سياسيين انتهازيين، أن يخلصوا النوايا لأن لهم هدفا واحدا، هو إفشالكم ياسيادة الرئيس. إن المناخ السياسى العام فى البلاد يتيح مجالاً واسعًا لادعاءات تيارات ضعيفة الجذور الشعبية بتمثيلها للجماهير، ونتيجة الاستفتاء العام ستقطع بها جهيزة قول كل خطيب، وستجدد التفويض الشعبى الممنوح لكم وتأييد قراراتكم الثورية لأن الواقع أكد من قبل ويؤكد حاليا وسيؤكد مستقبلا أنها لا تحظى بدعم شعبى يوازى ما تحدثه من صخب إعلامى وضجيج سياسى وجدل قانونى، فإنه لا مفر يا سيادة الرئيس من حسم الأمر بالعودة إلى الشعب مصدر السلطات. ---------------------- خالد الأصور [email protected]