باتت مصر يتيمة بعد أن وقع حادث قطار أسيوط الذى راح ضحيته 47 طفلا بريئا، يمثل كل واحد منهم حلما مصريا وأملا وطنيا كان يمكن أن يكون مشروعا للنهوض ومقدمة للتغيير، ولكنا لا نقول إلا ما يرضى ربنا: "إنا لله وإنا إليه راجعون". ورغم تأخر الرئيس قليلا لاتخاذ الإجراءات اللازمة ربما لانشغاله بأحداث غزة، وهذا ليس عذرا له، فإنه قام بعدد من الإجراءات منها: 1- قبول استقالة وزير النقل ورئيس هيئة السكة الحديد. 2- تحويل المسئولين إلى النيابة العامة -على رأسهم الوزير!- للتحقيق وسرعة الإنجاز فى التحقيقات لمعرفة المتسبب فى هذا الحادث الأليم. 3- اتخاذ كافة الإجراءات من جميع الجهات التنفيذية المعنية لتعويض أسر الضحايا والمصابين وتذليل كافة العقبات لهم. 4- الشئون الاجتماعية تصرف ربع مليون جنيه لأسر ضحايا قطار أسيوط. صحيح أن الإهمال الذى يضرب أنحاء مصر لا يزال قائما، ولا يزال النظام القديم موجودا، والأمر يحتاج إلى معالجة عاجلة لتلافى هذا الإهمال وتغليظ العقوبة على كل من يهمل فى مسئولياته، لا سيما فى هذه الفترة التى تمر بها مصر، فكما أصدر الرئيس مرسى تشريعا يجرم المهربين لمواد الوقود يجب أن يصدر تشريعا لتغليظ العقوبة على من يثبت بحقه الإهمال!. لكن العجيب أن تصدر أصوات من هنا وهناك تقارن بين الرئيس مرسى والرئيس المخلوع، وتتهم كل من يحاول توضيح الصورة بالتبرير والتخاذل والتفريط فى دماء الضحايا، بل إن بعض الموتورين المخابيل طالب الرئيس بالتنحى، ولا شك أن هذا وذاك مزايدة فارغة، ولا وجه للمقارنة أصلا، بل إن التفكير فيها يعد خارج السياق وخارج إطار الزمان والمكان. أما موقف الرئيس من غزة فهو موقف يجعل كل مصرى بل كل عربى يرفع رأسه يناطح به قمم الجبال؛ عزة وفخارا أنْ عادت مصر لدورها الحقيقى، وشدت قاطرة العرب معها، ووضعت نفسها موضع الأم من بلاد الربيع العربى، وقامت قيادتها من أول لحظة بسحب سفيرها "ومع هذا خرج من يلوم الرئيس على سحب السفير"، واتخاذ كافة الإجراءات من مطالبة الجامعة العربية بالاجتماع، وكذلك مجلس الأمن، وفتح المعبر ليلا ونهارا وإلغاء إجازات الموظفين فيه، وتجهيز مستشفيات سيناء والعريش لاستقبال جرحى فلسطين، وتوجيه خطابات واضحة بأن غزة ليست وحدها وأن الكيان المعتدى لن يستطيع أن يقوم لقومة الشعب المصرى ولا لشعوب المنطقة، وهى رسائل كافية تماما لتدرك إسرائيل أننا فى زمان مختلف، وأن الأمور قد تغيرت، وأنها يجب أن تعى الدرس وعيا كاملا. أين هذا من إغلاق المعبر وهدم الأنفاق رغم اجتياح برى واحد ارتقى فيه ما يقرب من 1200 شهيد، وجرح فيه ما يزيد على 12000 إنسان معظمهم من النساء والأطفال، ولم يكتف المجرم المخلوع بذلك بل كان يعتقل كل من يحاول الإغاثة أو النجدة، لا أقول النجدة العسكرية وإنما النجدة الطبية والمالية!! إننا نرضى تمام الرضا أن نحاسب الرئيس وأن نحاسب الحكومة، وأن يقال المسئول، وأن يحاكم المقصرون؛ وهذه هى النتيجة الطبيعية لاختيارنا رئيسا بحريتنا وإرادتنا، ولكن "لا بد أن نعترف بأن تغيرا كبيرا جرى فى مصر؛ فلم يعد الرئيس هو الفرعون الذى لا يجرؤ حتى كبار مساعديه على إيقاظه من نومه الهنىء لإخباره بكارثة العبارة..!! ولم يجرؤ أحد على توجيه لوم للمخلوع على حوادث القطارات.. من حرق للمصريين.. إلى تصادم.. إلخ.. أنا سعيد بأن يوجه المصريون -اليوم -اتهاماتهم إلى الحكومة.. بل للرئيس شخصيا.. لأننا انتخبناه.. ومن حقنا أن نلومه وأن نحاسبه..!!". إننى أدعو المزايدين على الرئيس أن يكفوا عن المزايدة، وأن يتحدثوا بإنصاف، وأن يقدروا الأمر قدره.. لكننى أعلم أنهم يريدون نصب مشنقة فى ميدان عام للرئيس وحكومته، أو يتنحى عن مكانه حتى تسعد الأصوات الشاذة بخراب البلاد واضطرابها، تلك الأصوات التى لا تمثل إلا نفسها، ولا تعبر بحال عن الشعب المصرى! ----------------------- د. وصفى عاشور أبو زيد رئيس مركز بناء للبحوث والدراسات [email protected]